عرض «دبي الأهلي» ينافس على جوائز «الأيام» بأداء متقن وسينوغرافيا مقتصدة
«تداعيات».. شباب في أزمة خريف العمر
يربط بين أسرة مسرحية «تداعيات»، التي استضافتها خشبة مسرح معهد الفنون، أول من أمس، ضمن العروض المشاركة في المسابقة الرسمية لأيام الشارقة المسرحية بدورتها الـ28، أن كل عناصرها جمعتهم سابقاً خشبة مهرجان دبي لمسرح الشباب، بل وحصد معظمهم العديد من جوائز المهرجان.
لكن المفارقة الأبرز أن أبطال «تداعيات» وعناصره الأساسية، راحوا ينشغلون بهواجس ومخاوف مرحلة عمرية لا يعيشونها، إلا أنها تسكنهم، حسب أطروحات العمل، وهي مساحة خريف العمر، لينبشوا في ثنايا ذات مضطربة، تنهشها تداعيات التقاعد، «التقاعد في كل شيء»، وفق مقولة الزوجة المسنة لزوجها، وليس في الوظيفة فقط التي فقدها. العمل الذي يمثل مشاركة مسرح دبي الأهلي، وتصدى لمهام الدراماتور فيه الفنان حافظ أمان، حاول مخرجه مرتضى جمعة، ومؤلفه أحمد الماجد، أن يكسباه صيغة تعميم إنسانية، باعتبار أن كلاً منا بداخله هذه الشخصية المضطربة المنهزمة نفسياً، لكن التفاصيل قادت إلى فرجة في دائرة آلام ما بعد التقاعد، عبر غوصها في أعماق عجوز أدى دوره ببراعة لافتة الممثل الشاب حميد فارس.
حضور قوي
فارس، الذي ألمَّ بمقتضيات دوره، وكأنه خبر هذه المرحلة العمرية وسمات أوجاعها، دعم حضوره القوي على الخشبة أيضاً، طاقة مسرحية لا تهدأ بشغفها للجديد من أدوارها على الخشبة، وهي الممثلة الشابة بدور الساعي، القادمة أيضاً، كما فارس، من تتويجات «دبي للشباب» لتقنع من جديد بعد دورها عروساً بمسرحية «ليلة بعمر» منذ أيام ثلاثة فقط، على الخشبة نفسها، ولكن هذه المرة بدور الزوجة المسنة المحبطة المملوءة بهواجس «خريف العمر» بموازاة إحباطات زوجها وتقلباته النفسية. حالة «تداعيات»، لم تقف عند زمن العجوزين، بل استدعت ماضيهما، لتزيد من أوجاع الحاضر، عبر دورين آخرين، مثلا امتداداً معكوساً زمنياً للشخصيتين نفسهما، أدى دورهما الممثلان أحمد مال الله، وريم الفيصل، لنجد على الخشبة وفي التداعيات نفسها حيوية واندفاع العاشقين الشابين، وكمون وخفوت عجوزين، بات يشغلهما الانفصال لا الارتباط.
بعيداً عن المبالغة
وخلافاً للعديد من التجارب التي جمعت مرتضى جمعة مخرجاً، وأحمد الماجد مؤلفاً، جاءت السينوغرافياً مقتصدة للغاية، لكن مع الاحتفاظ بتوظيف جمالياتها على النحو الذي يتطلبه إثراء الفعل المسرحي على الخشبة، بعيداً عن المبالغة والبذخ في عناصرها، إذ انفتح العمل منذ البداية على فضاء مسرحي رحب خال إلا من قطعتين خشبيتين ومقعد بسيط وأرضية تعلوها بقايا أشبه ببقايا قصاصات، أو حتى أوراق شجر ذابلة، وفق ما قد يوحيه من إيحاءات للمتلقي، على الرغم من أنها تكوينات متناثرة غير ذي دلالة مباشرة.
واحتاج المخرج إلى تغيير الديكور مرحلياً، خصوصاً في المشهد الأخير، الذي بدا وأنه إشارة إلى سطوة عجلة الزمن وبطشتها، في تأكيد على حقيقة أنه لا مفر من التعايش مع حالة انكسار في خريف العمر، وأن كل الحلول التي قد تبدو ممكنة، هي في الحقيقة ليست كذلك، أو هي سباحة ضد تيار العمر الذي لن يعود. وجاء ازدحام خشبة العرض بعد ختامه مباشرة، جرياً على عادة باتت تشهدها عروض أيام الشارقة المسرحية، بشكل لافت، لتكون بمثابة تصويت فوري على مدى إعجاب الحضور، من رفقاء الخشبة خصوصاً بالعرض، وهو المشهد الذي أبرز احتفاء بالرباعي مخرج العمل ومؤلفه، بجانب حميد فارس وبدور خصوصاً.
الخامسة تجمعنا
حالة من التناغم أصبحت تسود في ثنائية مرتضى جمعة، مخرجاً، وأحمد الماجد مؤلفاً، إذ تعد «تداعيات» هي التجربة الخامسة التي تجمعهما.
وتبادل الطرفان في تصريحهما لـ«الإمارات اليوم»، التعبير عن ارتياحهما للعمل معاً. وقال جمعة: «أعرف خصوصية نص الماجد، رغم ذلك أتعامل مع تفاصيله بحذر، وغالباً احتاج لقراءة نصه معمقاً، وربما لأشهر، قبل أن أشرع في التعامل فنياً معه».
ورأى الماجد أن «المؤلف رغم وقوف دوره عند تسليم النص لمخرج تؤهله أدواته للتعامل معه، فإنه يبقى الأكثر أريحية بين عناصر العمل، حينما يلمس أن الرؤية التي بين السطور عرفت طريقها إلى المتلقي، وهو ما صادفه في (تداعيات)».
إسماعيل عبدالله: مسرحنا بخير
هنأ رئيس جمعية المسرحيين الإماراتيين، الفنان إسماعيل عبدالله، أسرة «تداعيات»، على الخشبة، فور انتهاء العرض مباشرة.
وقال عبدالله لـ«الإمارات اليوم»: «هذا العرق المتصبب من جبين حميد فارس، والأداء الاحترافي لسائر عناصر العمل، والطاقات التي نضجت على خشبة (الأيام)، فضلاً عن جماليات التنظيم وتنافسية العروض، وروح أسرة المسرح الواحدة، التي نلمسها من مختلف الفرق المشاركة.. كلها عوامل تؤكد أن مسرحنا بخير».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news