بطي بوشليبي: أتمنى أن تقودني تجربتي إلى اكتشاف يرفع اسم الإمارات
مبكراً؛ اجتذب الإماراتي بطي بوشليبي سحر الكواكب، وعوالمه البعيدة، ليرتحل إلى فضاءاتها المفتوحة باقتحام مجال التصوير الفلكي، الذي بدأت حكايته الاحترافية معه منذ نحو أربع سنوات، فقرر الانخراط فيه بشكل جدي، وممارسته بالتوازي مع بعض هواياته الأخرى، التي طوعها لتنمية مهاراته في هذا الإطار.
يؤكد المصور الإماراتي، في حواره مع «الإمارات اليوم»، أن الصدفة لعبت دوراً مهماً في خطواته الأولى التي قادته إلى ذلك الشغف، مضيفاً «يبدو أن اجتماعي الدائم مع عدد من الأصدقاء، من هواة التصوير الضوئي، فتح الباب واسعاً أمامي للمضي قدماً في مجال الاكتشافات المتتالية، بعد أن قادتني أولاً لمرافقة أصدقائي في مختلف الرحلات الجماعية التي كنا ننظمها خارج المدن، بحثاً عن الأجواء المفتوحة والبعيدة عن (التلوث الضوئي) المبالغ فيه بالمدن والأماكن المأهولة، حينها، ومع مرور الوقت، تبادرت إلى ذهني فكرة اقتحام عالم التصوير، وبداية التركيز على الجزء الذي يعنيني فيه، وهو التصوير الفلكي».
وتابع «علمت صدفة من أحد الأصدقاء أن أحد المصورين الفلكيين يرغب في بيع أدواته، ومنها (التيلسكوب) الخاص به، فأحسست بأنها فرصة ستمكنني من الانطلاق في هذا العالم غير المتناهي بنجاح، فلم أتردد في انتهازها».
وبالفعل، استطاع بطي، من خلال محاولاته الأولى، التقاط بعض الصور المتنوعة للقمر، بعد أن طوّر أدواته في ميدان التصوير في فترة محددة وبتقنيات متعددة. وأوضح: «تمكنت من تصوير (السدم)، وهي أجرام سماوية تبعد عنا ملايين الأميال والسنوات الضوئية، ويمكن رؤيتها بوضوح ليلاً مثل السديم الجبار، وعامة تبدو في مظهر منتشر غير منتظم، ومكون من غاز متخلخل من الهيدروجين والهيليوم والغبار الكوني».
آفاق المعرفة
هوايات متعددة إلى جانب التصوير الفلكي، يجد بطي فسحة من الوقت لتنمية معارفه في مجال العلوم التقنية والبرمجة الإلكترونية، في محاولة لدمج التقنيات الجديدة مع فنون التصوير الذي يعشقه. وقال: «أحاول دائماً مواكبة آخر التطورات في هذا المجال، سواء على صعيد عملي كرئيس لقسم إدارة المعلومات بإحدى الشركات العاملة في الدولة، أو من خلال تحضيري رسالة الماجستير في مجال الابتكار وإدارة التغيير. وأؤمن بأنه من المفيد دوماً الدمج بين العلوم المكتسبة والخبرة الحياتية اليومية للشخص، لتحقيق نتائج أفضل». ذرة تراب بشغف واضح؛ يتحدث بطي بوشليبي عن تجربته مع التصوير الفلكي، مؤكداً أنه «من الجميل اكتشاف أننا لسنا وحدنا في هذا الكون المترامي، ولاشك في أن هذا الإحساس يولد لدينا شعوراً واضحاً بحجمنا الحقيقي، الذي لا يعدو مجرد ذرة تراب في هذا الفلك العظيم، ما يدفعنا للتفكير خارج الصندوق، وبطريقة أقل أنانية تدفعنا حتماً إلى البحث والتعلم، والاطلاع على مختلف العلوم المرتبطة بالفلك كعلوم الطاقة والحركة والفيزياء وغيرها». • «نحن بحاجة إلى ساعة تركيز واحدة في اليوم لتعلم المهارات النافعة، واكتشاف العالم، والاقتداء بالتجارب الملهمة، التي تدفعنا نحو التطور». • «لدينا اليوم في الإمارات مجموعتان صغيرتان، تضم كل واحدة منهما ثلة من هواة الفلك ومحبيه». |
ودعا بطي بوشليبي الشباب الإماراتي إلى تكريس تجربة الاكتشاف، وفتح آفاق المعرفة بالاعتماد على الذات، وعلى ما يطرحه الفضاء الرقمي اليوم من كم هائل من المعلومات المتاحة بكبسة زر وعدم الانتظار، مضيفاً: «نحن بحاجة إلى ساعة تركيز واحدة في اليوم لتعلم المهارات النافعة، واكتشاف العالم والاقتداء بالتجارب الملهمة التي تدفعنا نحو التطور، وأتمنى أن تقودني تجربتي في هذا الإطار إلى اكتشاف جديد يسهم في رفع اسم الإمارات فوق السحاب».
وعن تحديات البدايات، قال بطي بوشليبي: «لا أنكر أن تعلّم التصوير الفلكي أمر شاق بعض الشيء، خصوصاً إذا كان ذاتياً، ويعتمد بالدرجة الأولى على الجهود الشخصية والبحث الدؤوب والمتواصل عن مصادر المعلومة وخبرائها، من خلال الإنترنت والمراجع المتخصصة التي ساعدتني لاحقاً على تصوير (السدم الكوكبية)، التي يعادل حجمها حجم الكواكب السماوية الأخرى، والتي بتنا قادرين اليوم على التقاط تفاصيلها البديعة».
وحول التقنيات التي يعتمدها المصور الإماراتي في هذا المجال، تحدث بطي عن إمكانية التصوير في معظم الأوقات دون مشكلات تقنية، باستثناء الأجواء المغبرة والأماكن التي تتميز بالإضاءة العالية كالمدن والمناطق المأهولة، التي تجعل مهمة التصوير الفلكي مفتقدة للدقة والجدوى: «إذ نحتاج دائماً إلى أماكن بعيدة مفتوحة، إلى جانب المعدات اللازمة لممارسة هذه الهواية، وهي معدات أساسية تزودنا بالدقة والوضوح المطلوبين في عملية تصوير الكواكب».
عدد قليل
وعن المصاعب التي يمكن أن تقف حاجزاً أمام ممارسة هذه النوعية من الهوايات، قال بطي: «نحتاج إلى مزيد من الدعم من قبل الجهات المهنية في الدولة، لمزيد من تسليط الضوء على أنشطتنا في هذا الإطار، خصوصاً أن الاهتمام بالتصوير الفلكي متأخر عن الاهتمام الملحوظ بالعلوم الفلكية، رغم أن معظم الاكتشافات على صعيد المجرات وعلوم الفلك بشكل عام، تمت عن طريق تجارب التصوير الفلكي التي حثت المختصين والعلماء في هذا المجال على متابعة طريق الاكتشافات الأولى للمصورين، وما رصدته عدساتهم في هذا الإطار».
وعن مدى انتشار هذه الهواية وأعداد الناشطين فيها؛ أفاد بطي: «لدينا اليوم في الإمارات مجموعتان صغيرتان تضم كل واحدة منهما ثلة من هواة الفلك ومحبيه، الأولى في أبوظبي والثانية تتبع جمعية دبي الفلكية التي أنتمي إليها، إلى جانب ثلاثة مصورين فلكيين آخرين فحسب».
التلوث الضوئي
وشدد بطي بوشليبي على ضرورة الحد من ظاهرة «التلوث الضوئي»، التي تشهدها المدن في الإمارات، واعتمادها الإضاءة القوية المنتشرة، سواء في الأماكن المأهولة أو المحميات الطبيعية في الدولة «وبخلاف الحديث عن توفير مصادر الطاقة، نتمنى أن تبادر الجهات المعنية باعتماد سياسة تخفيض الإنارة القوية في هذه الأماكن التي باتت تشكل عائقاً حقيقياً أمام رصد مشهد السماء بشكل طبيعي. ومن خلال أنشطتنا المتنوعة نحاول تسليط الضوء على هذه الظاهرة، ودعوة الجمهور والمهتمين إلى مزيد من الاستمتاع بشغف وسحر التصوير الفلكي، وذلك من خلال تصحيح النظرة الخاطئة حول ارتفاع تكاليف ممارسة هذه الهواية، وغلاء المعدات وأدوات التصوير الملائمة، إذ يمكن اعتماد أدوات التصوير الاحترافي كبداية جيدة لهذه الهواية».
ولفت إلى مجموعة من الدورات التدريبية، التي يعكف على تنظيمها للمهتمين بهذا النوع من التصوير، مضيفاً: «نحاول دعم معارف الناس، واستقطاب المهتمين بهذه الهواية في الإمارات، وذلك بعد أن بدأنا الدورة التدريبية الأولى في محمية السهيلي، وسنبدأ دورة جديدة مع زميلي المصور عبيد المصبح، وذلك بعد تجربتنا الناجحة مع أحمد الزرعوني في هذا الإطار».