في آخر عروض «الأيام المسرحية»
الحليان يكسب الرهان.. والعامري يستعيد «المجنون»
كسب الفنان مرعي الحليان، رهاناً وتحدياً فرض نفسه، في أيام الشارقة المسرحية، في دورتها الـ28، أول من أمس، في مسرحية «موال حدادي»، التي جاءت بمثابة ثاني أعماله الإخراجية لنصوص الفنان إسماعيل عبدالله، وقام بالدور الرئيس والمحوري، في المسرحية، اضطراراً، بعد تعرض بطلها الفنان جاسم الخراز لظرف صحي طارئ قبل عرضها بـ48 ساعة.
إسماعيل عبدالله: أدهشني الحليان مرتين أثنى الفنان إسماعيل عبدالله، كاتب نص «موال حدادي»، على أداء مرعي الحليان، مخرجاً وممثلاً. وقال عبدالله: «أدهشني الحليان مرتين، أولاهما حينما تصدى ببراعة لورطة إصابة بطل العمل المحوري، ليحل بديلاً عنه، في توقيت صعب، والمرة الأخرى، بتمكنه من تسيير العمل، بدقة واتقان، كمخرج، رغم وجوده على الخشبة». في المقابل، اعتبر مرعي حصوله للمرة الثانية على نص إسماعيل عبدالله، مكسباً على الصعيد الشخصي. احتفاء بـ «المجنون» على الرغم من حالة الاحتفاء التي وجدها عرض «المجنون»، وكأنها تصويت جماهيري على جودة العرض ونجاحه، إلا أن المخرج محمد العامري، لم يخفِ خياره للاتجاه الى مزيد من البحث، من أجل تطويره. وأضاف العامري: «ملاحظات عديدة وصلت إلي من أساتذتي وعشاق المسرح ومحبيه، وفي مقابل الاحتفاء، من واجبي، كمخرج أن أفتح فكري لاستيعاب كل تلك الخبرات، التي تمثل قطعاً إضافات ثرية بالنسبة لي، سوف يكون مآلها بكل تأكيد، إبراز مزيد من جماليات (المجنون)، في العروض المقبلة». |
في المقابل، اختار الفنان محمد العامري، الشخصية المحلية المكرمة في الدورة الحالية للمهرجان، أن يعود لإحدى الروائع الروائية للشاعر جبران خليل جبران، وتحديداً من مكتبة الفنان العراقي الراحل قاسم محمد، الذي أنجز سيناريو مسرحياً، مستوحى من نسيجها، ليقدم رهانه المسرحي الجديد هذا العام بعنوان «المجنون».
الحليان قدم على خشبة مسرح قصر الثقافة، أداء تمثيلياً واثقاً، ومتقناً، في «موال حدادي»، على الرغم من أن التكثيف الدرامي، جاء باتجاه عمق الشخصية، داخلياً، مصبوغاً بخصوصية اللغة الشاعرية، لمؤلف النص إسماعيل عبدالله.
العمل الذي أنتجه مسرح رأس الخيمة الوطني، وضم إلى جانب الحليان كلاً من سعيد بتيجا وموسى البقيشي ومبارك خميس وعبدالحميد البلوشي، افتتح بسينوغرافيا غير متكلفة، واءمت حالة التعمق الشعري التي فرضت حضورها على العرض، بشاعرية عنوانه، مروراً بعذابات نفس «حميدان»، الشخصية الرئيسة الممسوخة، التي أتلفها، انبطاحها للآخر، وتنازلها عن كل شيء، من أجل تحقيق غايات ذاتية، مادية، لتكون الكرامة، والنخوة، والأرض، وحتى العرض، جسراً للوصول إليها.
ولم يكن الحليان، مخرجاً، بحاجة إلى أكثر من طاولتين، ومقعد، ومساحة، هي المتقدمة فقط من الخشبة، لنسج «موال حدادي»، انفتح بحوار بين قائد معسكر إنجليزي، مشغول بعلاقاته المبتذلة، وغارق في تعاطي الكحول، وبين ساقيه الذي ينتمي لأهل البلدة، ويكاد لا يفارقه في المعسكر، والذي يفخر بحصوله على وسامين من سيده، وحاجته إلى الوسام الثالث.
حالة الغوص في الأحلام القصيرة للساقي، ورغبته في الحصول على المال، والوسام، جعلته بمثابة الطعم لمزيد من المنبطحين من أبناء بلدته، المتنازلين عن كل شيء.
وبالإضافة إلى حالة الإقناع التي واكبت أداء البلوشي في دور «القائد جون»، جاء أداء الثلاثي سعيد بتيجة وموسى البقيش ومبارك خميس، شديد التناغم، لاسيما أنهم مثلوا جميعاً حالة شعورية متسقة، مثلت في البداية النقيض الفطري لوصولية «الساقي»، قبل أن ينضموا للفئة المنهزمة نفسها.
ووجد جمهور «الأيام» نفسه، مضطراً لأن يغادر بخطى سريعة مسرح قصر الثقافة، من أجل اللحاق بعرض «المجنون»، على خشبة معهد الفنون، والذي يعد ختام عروض المهرجان، من اخراج محمد العامري، وتمثيل مروان عبدالله، الذي أدى الدور الرئيس في العمل «المجنون»، بالاضافة إلى عبدالله مسعود، حميد سمبيج، يوسف الكعبي، عذاري، هيفاء العلي، وآخرين.
ولم يكن أكثر المستعدين لمفاجآت العامري، ليتوقع أن يصل المخرج صاحب الجوائز المهرجانية، إلى هذه المرحلة، بعد عرضه السابق، «غصة عبور»، على الأقل من حيث السينوغرافيا، وخيارات الخشبة، التي جعلها بمثابة مساحة للعرض بين صالتين، بيضاوية الشكل، وكأنها الكرة الأرضية، تدخلها وتخرج منها الشخصيات، دون أريحية، لاسيما أن الكثير من المشاهِد، جاءت على أطراف الخشبة.
حلول العامري لم تأتِ، عُلوية فقط، عبر استغلال الأفق الرأسي للمساحة الضيقة، بل جاءت، وبشكل رئيس، سفلية، من خلال مربعات مفتوحة، تُخرج كل شيء، بدءاً من رؤوس الممثلين، وانتهاء بالكائنات النورانية، في نهاية العرض.
وبأداء مدهش لمروان عبدالله، غاص العامري في وجدان وعقل «المجنون»، الذي يشغل العالم بقدومه من بعيد، ليغير القناعات، ويدّعي إمكانية نشر «المحبة»، ليدخل في صراع مع جميع الشخصيات، لكنه في كل مرة، ينجو، ليكون ذروة الصراع بين كائنات نورانية، بشَّر بها، وبين المتكالبين عليه، الذين راحوا يسعون أيضاً للقضاء على تلك الكائنات، رغم سلميتها، وضعفها، في حين استمر هو بالدعوة إلى «المحبة».
لا يمكن المرور على «مجنون» العامري، دون الإشارة إلى جماليات تصميم وتنفيذ الماكياج للبحريني ياسر سيف، لاسيما في ما يتعلق بشخصية «المجنون»، وهو الجهد الذي شكل تواؤماً، لأداء متقن ومتعمق في دواخل الشخصية، للفنان مروان عبدالله، الذي انتهى العرض، وظلت عباراته وعمق نظرته الداعية إلى «المحبة»، وكأنها محفورة في مخيلة كل من تابع عرض ختام «الأيام».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news