سامية يوسف عمر.. أسرع صومالية.. أبطأها البحر
جرعة تحتفي بالكتاب ومنابع المعرفة في شهر القراءة بالإمارات.. تطلّ على عناوين مازالت محمّلة برائحة المطابع.. تبرز إهداءات إلى البلد الطيّب أو إلى أعزاء محلّهم القلب، وتغريدات من عالم غير افتراضي، واقتباسات من ندى الماضي البعيد، وغيرها مما تيسّر.. علّها تكون إشارات إلى حدائق ذات بهجة: الكتب في شهرها.
على خلاف ملايين الجنوبيين، لم تكن الهجرة إلى الشمال حلماً للفتاة سامية يوسف عمر، إذ كان طموح تلك المحاربة الصغيرة التي ولدت عام 1991، وركضت حتى تفوقت على الجميع؛ وأصبحت أسرع فتاة بالصومال، أن تحقق ميدالية لبلدها المثخن بالحروب، وأن تلحق الصبية النحيفة كالمسمار بالمشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في لندن، لترتدي زياً يحمل نجمة بلدها، بلون البحر.. ذلك الأزرق الشاسع الذي شهد نهاية الحكاية على مشارف عبير الحرية وشواطئ الشمال.
في الثاني من أبريل 2012، تحولت سامية إلى خبر عادي تناقلته جرائد ومواقع في أسطر، عن العدّاءة الصومالية التي لقيت حتفها – مثل كثيرين – في قوارب الهجرة غير الشرعية، لكن الكاتب الإيطالي جوزبه كاتوتسيلا كانت له كلمة أخرى، إذ وثّق مسيرة الفتاة منذ البداية وحتى النهاية، سارداً الحلم والكابوس وما بينهما من محطات حياتية، في روايته «لا تقولي إنك خائفة»، التي ترجمها إلى «العربية» معاوية عبدالمجيد، وصدرت عن منشورات المتوسط.
دموع الأخت
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط. |
لجأ المؤلف المهموم بالأزمات الإنسانية، وعلى رأسها الهجرة، إلى أخت سامية، هودن، التي أفلحت في عام 2007، في ما أخفق فيه كثيرون، إذ وصلت إلى أوروبا، واستقرت بهلسنكي، لتعاود ممارسة هوايتها في كتابة الأغاني، بعد أن منعت من ذلك على يد المتشددين في مقديشو. يستمد كاتوتسيلا روايته من حكايا هودن عن أختها، وسط الدموع، وكذلك من أخريات، قابلن سامية، وعايشنها في طرابلس، وهي تنتظر كلمة المهرّبين، عن أن القارب المتهالك الذي سيقلّ الحالمين بالهجرة إلى سواحل إيطاليا.. جاهز. «لا تقولي إنك خائفة» أكثر من مجرد عنوان، بل أشبه بتعويذة.. وصية متوارثة من الأب لبناته تدفعهن إلى مواصلة الأحلام، في أمكنة تخاصم الأحلام وتحاول وأدها، خصوصاً إذا كانت تراود أنثى؛ ومأساة الحكاية أن صاحب الوصية، دفع حياته ثمناً لها، اختاره الموت المجاني بالصومال، ويستطيع قارئ الرواية معرفة التفاصيل المركبة، إذ انطلقت الرصاصة من يد غير متوقعة بالمرّة، وحينها أيقنت العداءة الصغيرة أن الصومال قد انتهى بالنسبة لها.
متفائلة إلى حين
في أجواء مسممة، تمسّكت سامية - قدر استطاعتها لزمن - بحلمها، وبلا مدرب ولا رعاية وحتى بلا حذاء رياضي، نالت ألقاباً، ومثلت بلدها مع رياضي آخر في دورة الألعاب الأولمبية ببكين، وقفت في مضمار تجاورها فيه بطلات عالميات تنبعث منهن روائح النعمة والعطور الغالية، إذ يحظين ببرامج غذائية وطواقم عمل كاملة، بينما هي تتدرب ليلاً في الخفاء بحذاء ممزق، وعصابة بيضاء أهداها إياها الأب الراحل، بين جنبات استاد منقوش برصاص الحرب وناره، ومع ذلك كانت متفائلة إلى حين، وتكافح من أجل البقاء في ذلك الوطن الذي تعشق عشبه وبحره: «يا للروعة! كانت رائحة العشب التي تغمر كل شيء تلهب حواسي، بعذوبتها، ورقتها. أن أملك الاستاد بأكمله، فارغاً؛ كله ملك لي، يضيئه القمر وحسب، لا يضاهي هذا الشعور روعة إلا الفوز بالسباق». قصة سامية حافلة بالتفاصيل التي نسجها من جديد ذلك المبدع الإيطالي، ليجعل حكاية العدّاءة أيقونة، ترفض أن تكون مجرد جثة طافية على مشارف السواحل الأوروبية، ولعل ذلك ما دفعه إلى نهاية حالمة بديلة، لتكون حياة لا موتاً، إذ ينجّي روح سامية من الغرق، يجعلها تمسك بحبل سفينة لم تطله في الحقيقة، بل وأكثر من ذلك يحقق حلمها ويجعلها تلتقي ابن بلدها البطل محمد فرح، وتشارك في دورة الألعاب الأولمبية بلندن.