«أعجوبة» صبي الـ 27 جراحة.. صالحة للكبار قبل الصغار

مثل كثير من قصص الفتيان ذات الغايات النبيلة، والنهايات السعيدة، تأتي حكاية «أوجست»، أو أعجوبته التي تصلح للكبار قبل الصغار، لاسيما في مجتمعات مازالت قناعات بعضها بأن الابن الذي يحمل تشوهاً ما، أو خِلقة مختلفة، ينبغي ستره، كي لا يرى الناس، ولا حتى الشمس، ليبقى بعيداً في الظل، أو في الحبس المنزلي بين أربعة جدران على وجه الدقة.

تروي آر. جيه. بالاسيو في «أعجوبة»، التي ترجمها إلى العربية إيهاب عبدالحميد، قصة الفتى ابن الـ10، أوجست، أو أوجي، الذي لم تفلح 27 جراحة في التخفيف من تشوّهات ولد بها نتيجة خلل جيني، بقي وجه الصبي يستدعي تأوهات من يصادفه، ويستوقف من حوله، أو بالأحرى يثير ذعر من لا يستطيعون السيطرة على مشاعرهم. تفصّل الحكاية يوميات عام الحسم، الذي قرر فيه الوالدان إلحاق «أوجي» بالصف الخامس في المدرسة، وعدم الاكتفاء بالتعلّم في البيت، ومخالطة أطفال ومراهقين، وخوض الصبي العاشق لسلسلة «حرب النجوم» التجربة كاملة، ودفع ضريبتها، مهما كانت باهظة.

بريق لا يخبو

رغم أن «أعجوبة» حظيت برواج كبير، وانتقلت من الورقة إلى الشاشة، فتحولت إلى فيلم سينمائي: Wonder، إلا أنها مازالت محتفظة ببريقها، وتشهد حتى في نسختها العربية إقبالاً كبيراً، إذ ظهرت منها طبعات عدة، وتصدرت الأكثر مبيعاً في عالم الكتب، ليس فقط بسبب مضمونها الإنساني، وقصة الفتى المؤثرة وعائلته ذات الوعي، وعزف الحكاية على أوتار حسّاسة، حول الرضا عن الحياة كما هي، وقبول الذات، والآخر المختلف، وإنما بسبب الحِرفة التي نسجت بها الكاتبة القصة، ويمكن تخيّل الفارق لو كانت بقلم عربي ما، عن كمّ المواعظ التي كانت ستفخخ بها من الغلاف إلى الغلاف، وتراجع كل شيء من أجل الدروس المستفادة من القصة.

احترمت المؤلفة آر. جيه. بلاسيو، عقل القارئ، صغيراً وكبيراً، فسردت «أعجوبة» ذلك الطفل، بوجهات نظر متعددة، لم تكتف بصوت أوجي وكفاحه في معاركه اليومية، ولا حتى بشهادة أخته المقربة (أوليفيا - فيا)، إذ ابتعدت عن البيت، وذهبت إلى آخرين، فأسمعت متابع الحكاية أصواتاً مغايرة، لا تدعي الإنسانية منذ الوهلة الأولى، ولا تقول إنها لم تصدم بهيئة الفتى، ولم يصفه بعضهم بـ«الزومبي» أو الكائن المسخ، أو وجه السحلية، أو الغول، وسواها من الأوصاف غير اللائقة، فلا مجتمع ملائكياً.

«يانصيب»

ومن أجواء الحكاية على لسان صديق الأخت: «العالم لم يكن طيباً مع أوجي بولمان. ماذا فعل هذا الفتى الصغير ليستحق هذه العقوبة؟ ماذا فعل الوالدان؟ أو أوليفيا؟ لقد ذكرت ذات مرة أن أحد الأطباء أخبر والديها بأن احتمال أن تجتمع في شخص واحد تلك المتلازمات التي اجتمعت في وجه أوجي لا يزيد على واحد لكل أربعة ملايين. ألا يجعل هذا العالم إذاً (يانصيب) عملاقاً؟ تشتري تذكرة لحظة ميلادك. وتبقى مسألة حصولك على تذكرة جيدة أو سيئة مجرد أمر عشوائي. إن كل ذلك ليس أكثر من حظ سيئ... لا، لا، ليست الأمور عشوائية بحق، لكان العالم قد تخلى عنه تماماً، لكن العالم لم يتخل عنا، إنه يعتني بمخلوقاته الأضعف بطرق لا نستطيع أن نراها، مثل: والدان يحبانك لدرجة العبادة بلا مقابل، وشقيقة كبرى تشعر بالذنب تجاهك لمجرد ضعفها الإنساني، وفتى بصوت مبحوح قليلاً هجره أصدقاؤه بسببك، بل وفتاة ذات شعر وردي تحمل صورتك في محفظتها، ربما كان (يانصيب)، لكن العالم يساوي بين الجميع في النهاية، العالم يعتني بكل طيوره».

جرعة تحتفي بالكتاب ومنابع المعرفة في شهر القراءة بالإمارات.. تطلّ على عناوين مازالت محمّلة برائحة المطابع.. تبرز إهداءات إلى البلد الطيّب أو إلى أعزاء محلّهم القلب، وتغريدات من عالم غير افتراضي، واقتباسات من ندى الماضي البعيد، وغيرها مما تيسّر.. علّها تكون إشارات إلى حدائق ذات بهجة: الكتب في شهرها.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

محمد إسماعيل

mismail@ey.ae

 

الأكثر مشاركة