«نزوة» تونسية في شرم الشيخ
لايزال مهرجان شرم الشيخ الدولي في دورته الثالثة، التي تستضيفها محافظة جنوب سيناء المصرية، يراهن على كسر المألوف المسرحي، سواء على صعيد الشكل أو المحتوى، وهو ما ينسجم مع روح الشباب، لكنه لايزال يلقى تجاوباً مختلفاً من روّاد المسرح أنفسهم، الذين اعتادوا على طقوس بعينها، مرتبطة بآليات التعاطي مع الإبداع المسرحي ومضمونه.
وصول أسرة العرض الإماراتي وصل إلى مطار شرم الشيخ الدولي، صباح أمس، أسرة العرض الإماراتي «قلب يرى»، الذي سيكون أمامه 48 ساعة بروفات فقط، من أجل تجديد جهوزيته للعرض. وانضم المخرج الشاب أحمد الشامسي، إلى أسرة «قلب يرى» في وظيفة مساعد مخرج، حيث يضم العمل الذي يخرجه سعيد الهرش، ونص باسمة يونس ومن إنتاج مسرح الفجيرة الوطني، كوكبة من شباب المسرح الإماراتي، سبق وأن تألقوا في افتتاح آخر دورات العروض التنافسية لمهرجان دبي لمسرح الشباب. الكرة لا تنافس المسرح مزجت إدارة مهرجان مسرح شرم الشيخ الدولي لمسرح الشباب، بين شغف الحضور بمتابعة مباريات كرة القدم، وتوفير فرجة مسرحية ممتعة. وقامت اللجنة المنظمة بتوفير فرصة لمتابعة مباراة جماهيرية بين ليفربول ومانشيستر يونايتد، شهدت مشاركة النجم المصري محمد صلاح، ليتابع الجميع سيدة المسرح العربي سميحة أيوب أثناء تشجيعها الكروي بحرارة ملحوظة. وقالت سميحة أيوب لـ«الإمارات اليوم»، تعليقاً على تلك الحالة: «المسرح لا يغار من جماهيرية الكرة أو غيرها، المسرح كما هو (أبوالفنون)، مظلة تستوعب كل المتناقضات والمتجانسات أيضاً بتنوّعها، المسرح انتماء، وفي التشجيع الرياضي، بعض الانتماء». |
واستضافت قاعة «الكونجرس» - وهي القاعة الرئيسة التي تستضيف معظم عروض المسابقة الرسمية - عرضاً مسرحياً يعتمد على لغة الجسد والتعبير الحركي، بتغييب شبه كامل للحوار المنطوق، الذي لم يظهر إلا في الجزء الختامي من العمل، في حين استدرج عرض «عسل وطحينة» المصري، السوق القديم في إحدى الساحات العامة بشرم الشيخ.
وأتاح المهرجان في أجوائه الكرنفالية لروّاده متابعة مباراة كرة قدم بدوري أبطال أوروبا، بين فريقي ليفربول ومانشيستر يونايتد الإنجليزيين، قبل أن يتوجهوا جميعاً إلى الشارع لمتابعة «عسل وطحينة».
جاءت «نزوة» التونسية لترسّخ حضور عرض ينتمي للمسرح الطقسي، ويطرح بشكل حركي المجال الإشكالي للحقيقة، في إطار السعي المتواصل للإنسان لبلوغ الحقيقة كمثل أعلى لكل معرفة أو بحث نظري، وغاية اسمى لكل سلوك عملي حسب رؤية مخرج العرض، الذي صب اهتمامه الأكبر على الأداء الحركي لأبطاله، وكأننا في مقام حوار الجسد، لا الألسنة.
جاءت رقصات الممثلين في «نزوة» أشبه بلوحات فنية صيغت بعناية شديدة، انسجمت مع لوحات موسيقية حية على المسرح، بوساطة الكمان، الذي قلص كثيراً من مشكلات الإضاءة من جهة، وغياب مفردات الديكور، بحكم العرض على مستوى جلوس الحضور في القاعة، بعيداً عن مفهوم الخشبة التقليدية.
وتحقق لـ«نزوة»، الذي يقدم بدعم من وزارة الشؤون الثقافية في تونس، ومن إخراج أشرف بن الحاج مبارك، وأداء نورهان بوزيان نزلي وفريال قلال ومريم الصباح وشرف الدين التوريتي ومهدي بالحاج وأشرف بن الحاج مبارك، إشادة جماهيرية حضرت بتصفيق ملحوظ بعد العرض، في الوقت الذي شهد أيضاً تحفظاً كبيراً، خصوصاً في ما يتعلق بتغييب الحوار، والعديد من المشاهد التي اعتُبرت خادشة، وغير مقبولة بإيحاءاتها الجنسية المباشرة على خشبة المسرح.
وفي موعد مسائي، اقترب في نهايته من منتصف ليل شرم الشيخ، قدمت فرقة «أوبرا عربي» المصرية، بمشاركة 15 طالباً من الجامعات المختلفة من خريجى قسم المسرح، عرضاً مسرحياً لتجسيد شخصيات افتراضية للعسل والطحينة، سعوا من خلاله بآليات مسرحية جمالية إلى فضح مفهوم التمييز على مستويات مختلفة، بما يحيط بأنصاره من تناقضات لا تنسجم مع ادعاءات بالحداثة والمدنية والفكر المتحرر.
واستخدم الطلاب المبدعون حقيقة التناقض في لون العسل والطحينة، وهي الطبيعة التي لا تحول دون امتزاجهما، وكذا بالنسبة لأى علاقة في المجتمع مع الآخر.
ووقع العرض إلى حد ما في فخاخ السردية، خصوصاً في مفاصل استعادية واستدعائية، وجاء باللهجة المصرية الدارجة، لكنها في الوقت ذاته، وجدت انصهاراً من جمهور مسرح شرم الشيخ متعدد الجنسيات، فضلاً عن عابرين وجدوا في العرض، الذي اختار الشارع فضاء له، فرصة لمتابعة مسرحية من إبداع طلبة معهد الفنون المسرحية.