19 إطلالة على ربوع أذربيجان المبدعة

محطات تعيسة وبهيجة، يحفل بها تاريخ أذربيجان، إذ مرّ ذلك البلد القوقازي بأحداث فارقة، ولم يقف مبدعوه على الحياد، فترجموا ما عاناه على امتداد تاريخه الضارب في القدم، وكذلك هموم الشعب، وأحلامه المتطلعة، لاسيما بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي منذ 27 عاماً.

وفي تلك المساحة المجهولة، على مستوى الحرف والكلمة، حتى وإن صارت أخيراً وجهة سياحية تجتذب طبيعتها ووجهاتها الخلابة سياحاً عرباً، يصحب كتاب «مختارات من القصة الأذربيجانية المعاصرة»، القارئ في رحلة مع المبدعين وقصصهم، إذ يتخيّر الكتاب، الذي ترجمه إلى اللغة العربية، الدكتور أحمد سامي العايدي، 19 مشهداً، تطوف بين أقلام عدة، اختصرت الكثير عن ذلك البلد، وشعبه، وتاريخه، وكذلك جغرافيته، وعاداته، وثقافاته المتداخلة، وإرثه المثقل بالحوادث، ومحاولاته لاكتشاف الذات، بعد أن ارتبط بسواه طويلاً (الأصل التركي، والاندماج الروسي، والصراع مع الجارة أرمينيا، وغيرها كثير).

تيمور لنك والغلام

في ركاب الأدب الروسي، سارت الكلمة الأذرية لفترة، إلا أنها شقت لنفسها دروباً جديدة بعد الاستقلال في عام 1991، فتفاعلت مع قضايا مجتمعها الخاصة، لتبرز موضوعات أكثر خصوصية، ليحضر التراث الأذري والأصوات الشعبية، في العديد من القصص القصيرة، كما الحال في قصة بعنوان: «الغلام الحجري» للكاتبة عزيزة جعفر زاده (1921 - 2003)، التي تمجّد البطولة، وتستعين بما يشبه الأسطورة الشعبية عن راعٍ صغير، حاول تيمور لنك مع مجموعة من جيشه والحراس، أن يجبروه على أن يرشدهم إلى عيون الماء، بعد أن ضلوا الطريق، وأنهكهم العطش، وأصابتهم ضربة شمس، إلا أن الفتى أشار إلى برك جفّ منها الماء، قائلاً: «كل شيء سوف يجف عندما يراكم». حاول تيمور أن يستميل الراعي: «قل على مكان الماء! سوف أعطيك عطية، ولو أردت مالاً، سأعطيك مالاً، ولو أردت جاهاً، سأعطيك.. قال الغلام وهو يلعب في الأرض بعصاه: لا حاجة لي بمال أو جاه، ولن أقول عن مكان عين الماء، سوف تنضب منكم. هل تعرقني، بالطبع أعرفك، من أنا؟ تيمور.. أتعلم أني أستطيع أن آمر بشنقك، أو ألقيك حياً إلى الكلاب؟ أعرف. تعجب قادة جيش تيمور، ورجاله الملتفون حول الغلام من جرأة هذا الراعي الصغير. أي قلب يحمل هذا الطفل؟ قل على مكان نبع الماء، أيها الغلام، لا تثر غضبي! الماء مقدس مثل الأرض أيها القائد، لا يقال على مكانه للغرباء. وأنا لن أخون أبداً».

تمتزج في قصص الكتاب، الذي صدر عن المركز القومي للترجمة في مصر، بالتعاون مع مركز الترجمة التابع لمجلس الوزراء الأذربيجاني، الأنفاس الروسية بالتركية بالعربية، يترجم أحاسيس شخصيات مازالت تبحث عن هوية «جعفروف أم جعفر» تُسائل نفسها هل تتخلص من هذه الـ«وف» أم تبقيها شاهدة على زمن طويل، وتداخل غريب بين أكثر من ثقافة في وجدان أهل أذربيجان، والتصالح بين الماضي والحاضر، والانطلاق إلى حياة بأفق خاص.

سخرية حاضرة

رغم مأساوية بعض القصص إلا أن حسّ السخرية لا يغيب عن الأجواء، كما في «مصير قاشي» للكاتب إلتشين: «كان قاشي عندما ينقض كل مرة على منافسه، وينزل به الضربة القاضية، كان المشجعون الذين تحلقوا حول ساحة النزال، يقولون عن تأثير هذه الضربة: ما شاء الله! هذا ليس ديكاً، هذا تايسون، تايسون! أقسم لك، هذا لم يولد من بيضة دجاجة، بل من بيضة نسر!».

تحضر الأسماء العربية، والعادات الشرقية، وتبجيل الرموز واحترامها، فمثلاً في قصة «لابد أن ينفطر قلب» للكاتب فريمان كريمزاده، تدور الحكاية حول الخالة أمينة والطالب الجامعي سراج، وما بينهما حجرة المعاطف التي تشهد على عمل الخالة، والشاب الذي يتعاطف معها، حين يجدها لا تستطيع تمييز معاطف الطلبة نظراً إلى عدم امتلاكها خبرة في العمل الذي التحقت به حديثاً، ولا يقف الأمر عند ذلك، إذ تركز القصة على مشاهد إنسانية، فالخالة حين تجد (سراج) لا يمتلك معطفاً كزملائه، تمنحه واحداً يخص زوجها الراحل، ويسعى الشاب إلى رد الجميل، فيهدي الخالة مالاً اكتسبه في الأصل من الشعر الذي كتبه فيها، وفي كل الأمهات.

ومن مبدعي الكتاب: إسماعيل شيخلي، عيسى مغانا، صابر أحمدلي، إيسي مليكزاده، يوسف صمد أوغلو، مولود سليمانلي، آفاق مسعود، ونريمان عبدالرحمنلي.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

الأكثر مشاركة