مساجد زاهرة تروي حكايا في الظل

في رحاب مساجد زاهرة، وبين تاريخها وأدق تفاصيلها، من عمّارها وعمارتها الجميلة إلى منابرها ونقوشها وقبابها ومآذنها، يرتحل المهندس حسن عبدالوهاب، ليصحطب القارئ إلى بيوت الله الأثرية، ليستهل المسيرة من أول مسجد وضع في إفريقيا، وهو جامع عمرو بن العاص، ليقطع مسارات زمنية طويلة، تمر بالطولونيين والأيوبيين والفاطميين والمماليك والعثمانيين، حتى يصل إلى مؤسس الأسرة العلوية محمد علي باشا، ومسجده الذي يخلد اسمه في قلعة صلاح الدين الأيوبي بالعاصمة المصرية القاهرة.

1019

هجرية، العام الذي تم فيه بناء مسجد الملكة صفية، بينما تعود وقفية «المرحومة صفية أم السلطان محمد خان» إلى سنة 1032 هجرية، بعد دعاوى قضائية حينها.

تختصر حكايا المساجد الكثير، تتجاوز كونها مجرد فضاءات للعبادة وأماكن تنمحي فيها المسافات بين العبد ومولاه، لتشهد حجارتها على أحداث بالجملة، فوراء كل مسجد قصة متشعبة، وربما قصص.

وصف مؤرخون مسجد السلطان حسن بأنه عجيبة من عجائب الدنيا، إذ صرف عليه بسخاء عظيم. ونسب إلى السلطان حسن أنه قال: «لولا أن يقال إن ملك مصر عجز عن إتمام بناء لتركت بناء هذا الجامع من كثرة ما صرف عليه».

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

تختصر حكايا المساجد الكثير، تتجاوز كونها مجرد فضاءات للعبادة وأماكن تنمحي فيها المسافات بين العبد ومولاه، لتشهد حجارتها على أحداث بالجملة، فوراء كل مسجد قصة متشعبة، وربما قصص، بداية من الاسم، فما الدافع إلى تخيّر صيغ وأوصاف جوامع مثل الأزهر والأقمر والأفخر والأنور؟ ومن هن النساء المباركات من آل البيت اللواتي ملأت أسماؤهن مساجد السيدة زينب والسيدة نفيسة والسيدة عائشة؟ ومن تلك الملكة ذات القصة العجيبة التي لم تر مصر، واشتهرت سيرتها بأنها واحدة من «حريم السلطان» ذوات المكائد، ووضع اسمها على مسجد الملكة صفية.

ما خفي

في «تاريخ المساجد الأثرية التي صلى فيها فريضة الجمعة الملك فاروق»، لا يكتفي المؤلف والمؤرخ حسن عبدالوهاب بسرد تاريخ بيوت الله العامرة، أو وصف تصميمها وطرازها المعماري وجمالياتها، بل يكشف ما خفي عن مهندسيها وصنّاعها، فتحفة إسلامية كمسجد السلطان حسن، ظل اسم مهندسه مجهولاً، حتى جاء عبدالوهاب ليزيل الغموض الذي أحاط باسم واحد من أصحاب الفضل في تشييد ذلك المعلم البارز، الذي لم يذكره أحد من المؤرخين، ولا حتى المقريزي نفسه، إذ وضع اسمه على حائط جانبي في الظل بعيداً، كما يكتب حسن عبدالوهاب: «في يوم 14 نوفمبر سنة 1944 أثناء اشتغالي بمراجعة كتابات الجامع لنشرها.. عثرت في المدرسة الحنفية على اسم المهندس مكتوباً في طرازها الجصي.. شاد عمارته (أي المسجد) محمد بن بيليك المحسني)». ووصف مؤرخون هذا المسجد ومدرسته بأنه عجيبة من عجائب الدنيا، إذ صرف عليه بسخاء عظيم، وقيل إن السلطان حسن قال: «لولا أن يقال إن ملك مصر عجز عن إتمام بناء لتركت بناء هذا الجامع من كثرة ما صرف عليه». ومن مظاهر تميز ذلك المسجد، أنه ألحقت به مدارس للمذاهب الأربعة، إضافة إلى مكتبين لتعليم الأيتام القرآن والخط، تصرف لهم الكسوة والطعام، وإذا أتم اليتيم القرآن حفظاً - والكلام لحسن عبدالوهاب - يعطى 50 درهماً ويمنح مؤدبه 50 درهماً مكافأة له. ولم يقف أمر ذلك المكان العامر عند ذلك، إذ عُين له طبيبان: أحدهما باطني والآخر للعيون، يحضر كل منهما كل يوم بالمسجد ليداوي من يحتاج إلى علاج من الموظفين والطلبة، إضافة إلى طبيب ثالث جراح.

الملكة صفية

في استعراضه لمسجد الملكة صفية في شارع محمد علي بالقاهرة، يستهل مؤلف الكتاب الحديث بأثر المرأة في الحضارة الإسلامية، مشيراً إلى أنها لم تكتف بمشاركتها الرجل في شؤونه الاجتماعية والسياسية، بل شاركته وتابعته في أعمال البر والإحسان «والمشتغل في تاريخ العمارة الإسلامية يسره أن يرى اسم المرأة خفاقاً على طائفة كثيرة من الآثار العظيمة، وليس ذلك مقصوراً على مصر فحسب، بل في بغداد والأندلس والحجاز ودمشق وحلب وطرابلس والقدس وسائر الأقطار الإسلامية».

أما عن حكاية الملكة الحسناء صفية (واسمها الأصلي صوفيا)، فهي زوجة السلطان مراد الثالث ووالدة السلطان محمد خان، «وهي من فينيسيا من أسرة بافو النبيلة.. وبينما كانت في سفينة مع فريق من السيدات النبيلات في طريقها إلى والدها سرقها القراصنة، وكان سنها وقتئذ 14 عاماً، وكانت على جانب عظيم من الجمال، وقد بيعت وألحقت بالقصور الملكية باستامبول، فلم تلبث أن تألق نجمها». ماذا بعد التألق؟ وأين وصل طموح تلك الجميلة، وهل زارت مصر؟ ومتى أمرت ببناء ذلك المسجد؟ وما دار من صراعات حول ملكية ذلك المعلم؟ كل تلك الأسئلة وغيرها يجيب عنها مؤلف كتاب «تاريخ المساجد الأثرية». يشار إلى أن الكتاب الذي ظهر في النصف الأول من القرن الماضي، أعادت نشره منذ سنوات الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر.

الأكثر مشاركة