أصدرت «المزامير» باللغة السريانية في عام 1610
أول مطبعة بالعالم العربي تأسست في لبنان عام 1585
قساوة الطبيعة الجبلية، والأشجار العملاقة التي تكسو سفوح الوديان، والسكك الضيقة المتعرجة في درب الوصول إلى دير «مار أنطونيوس قزحيا»، حيث تقع أول مطبعة في العالم العربي، تبعث إلى فكرك بسؤال عصيّ الإجابة، كيف تمكن أهل تلك المنطقة من العيش في هذه القرى والبلدات المكوّنة للوديان والجبال في زمن لم يعرف الكهرباء، ولا المواصلات الميكانيكية، ولا بالطبع وسائل الاتصال حتى البدائي منها مثل التلغراف، بل الأدهى من ذلك، كيف تمكنوا من بناء دير حجري في بطن الجبال حتى إذا ما استقام الأمر بديرهم، فكر رهبانهم باستقدام مطبعة لنسخ الكتب باللغة السريانية.
يقع دير مار أنطونيوس قُزْحَيَّا في قضاء زغرتا في محافظة الشمال في لبنان، وللوصول إليه سلكنا طريق الساحل على امتداد شاطئ البحر، انطلاقاً من مدينة بيروت وصولاً إلى بلدة شكا القريبة من مدينة طرابلس في الشمال اللبناني، ومنها بدأنا الصعود باتجاه الدير، مروراً بمتحف الأديب والرسام جبران خليل جبران، المقام في دير مار سركيس في مدينة بشري، التي تبعد عن بيروت نحو 115 كيلومتراً.
يعتبر دير «قزحيا» أحد أقدم الأديرة في وادي قاديشا، وقد تم تأسيس أول مطبعة في العالم العربي في الدير في عام 1585، ليصدر عنها بعد سنوات نسخة عن كتاب «المزامير» بالحرف السرياني في عام 1610، وذلك وفقاً لأدبيات الرابطة المارونية، حيث تعود ملكية الدير للكنيسة المارونية.
ليس ثمة ما يذكر في التقارير التي اطلعنا عليها، من تفاصيل مكتوبة عن مطبعة قزحيا وأهميتها، والدور الذي لعبته في حياة أهل المنطقة آنذاك، باستثناء التركيز على أنها تكتسب أهمية كبرى كونها أول مطبعة تأسست في الشرق العربي، وأن ذلك كان قبل تأسيس مطبعة دير مار يوحنا في بلدة الخنشارة، التي تعد أول مطبعة للحرف العربي، حيث طبع فيها أول كتاب باللغة العربية في عام 1734 بعنوان «ميزان الزمان».
ويضمّ دير «مار أنطونيوس قزحيا» متحفاً مُدرجاً على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو، ويحتوي المتحف على المطبعة بحروفها السريانية، بالإضافة إلى أوانٍ كنسية وثياب كهنوتية، إلى جانب عدد من الأواني الفخّارية والمعدات الزراعية التقليدية.
أما وادي «قاديشا»، الذي يحتضن الدير، فيبدأ عند بلدة بشري، ويصبّ فيه عدد من الوديان الرافدة التي تجتمع مياهها فيه لتسيل باتجاه البحر، بعد أن يكون النهر قد عبر مدينة طرابلس وتحوّل فيها اسمه من نهر قاديشا إلى «نهر أبوعلي». وينفصل الوادي إلى شعبتين عند بلدة طورزا، تتجه إحداهما إلى بلدة إهدن، وتعرف باسم «وادي قزحيّا»، فيما تتجه الشعبة الثانية نحو الأرز، وتُعرف باسم «وادي قنوبين».
ويعد وادي قاديشا أعمق وديان لبنان، ويبعد عن العاصمة بيروت 121 كيلومتراً، ويرتفع عن سطح البحر 1500 متر. وينبع نهر قاديشا الذي يجري في عمقه من مغارة تقع عند أقدام «أرز لبنان»، التي تُشرف عليها «القرنة السوداء»، أعلى قمم جبال لبنان.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news