«ساو باولو للكتاب»: الثقافة الإماراتية تحمل كِتابَها وكُتّابَها إلى القارة اللاتينية
وسط حشد من الشخصيات الدبلوماسية وممثلي المؤسسات والهيئات الثقافية البرازيلية والمثقفين والكتّاب، احتفلت الدورة الـ25 من معرض ساو باولو الدولي للكتاب باختياره إمارة الشارقة ضيف الشرف الأول في تاريخ الحدث، معلناً عن بدء مرحلة جديدة من العلاقات الثقافية الإماراتية البرازيلية.
جاء ذلك خلال حفل افتتاح المعرض الذي أقيم على أرض المعارض بمدينة ساو باولو، وتحدث خلاله الشيخ فاهم بن سلطان القاسمي، رئيس وفد الإمارة المشارك في المعرض، وعميد المدينة برونو كوفاس، ووزير الثقافة البرازيلي سيرجو سا ليتاو، ورئيس الغرفة البرازيلية للكتاب لويس توريللي، والسيدة الأولى لولاية ساو باولو، لوسيا فرانسا، بحضور القنصل العام لدولة الإمارات العربية المتحدة في ساو باولو، إبراهيم سالم العلوي.
وافتتحت فرانسا، ومدير الدائرة الثقافية للمدينة روميلدو كامبيلدو، وتوريللي، إلى جانب الشيخ فاهم بن سلطان القاسمي، والعلوي، وعدد من ممثلي الهيئات والمؤسسات الثقافية الإماراتية والبرازيلية، جناح الشارقة المشارك في المعرض، وتعرفوا إلى الأهداف والرؤى التي تنطلق منها الهيئات والمؤسسات الثقافية والتراثية والمجتمعية المشاركة ضمن جناح الإمارة.
وتجول الحضور في أروقة جناح إمارة الشارقة، واطلعوا على مجموعة المبادرات الثقافية، والكتب الإماراتية المترجمة إلى اللغة البرتغالية، كما قدم الشيخ فاهم القاسمي مجموعة من إصدارات صاحب السمو حاكم الشارقة باللغتين البرتغالية والإنجليزية إلى السيدة الأولى لولاية ساو باولو.
حتى لا يبقى الآخر مجهولاً
استهل الشيخ فاهم بن سلطان القاسمي، رئيس دائرة العلاقات الحكومية في الشارقة، رئيس وفد الشارقة المشارك في معرض ساو باولو الدولي للكتاب، كلمته في حفل الافتتاح بالقول: «إن وجود إمارة الشارقة في القارة اللاتينية يعني الكثير»، مشيراً إلى أن الثقافة في إحدى تجلياتها تجسيد لمراحل نوعيّة من تاريخ الشعوب، وأن التبادل الثقافي هو في حقيقته تبادل للتجارب التاريخية بين الأمم.
وتابع الشيخ فاهم القاسمي كلمته: «نتواجد اليوم في بلد أنجب كُتاباً رائعين، تركوا بصماتهم الواضحة على الأدب العالمي، بلد شكلت مسيرته التاريخية التي خلدتها الروايات والمسرحيات والأشعار والأغنيات نموذجاً لتطور المجتمعات وبناء الهويات وتوحيد المصالح والمصائر في مواجهة التحديات المشتركة، فالأدب البرازيلي يحمل نكهة خاصة وهوية مميزة وجمالية متفوقة تعكس صورة هذا البلد وروعة علاقاته الداخلية والخارجية».
وفي إشارة منه إلى أهمية تبادل الإنتاج الأدبي بين الشعوب، قال الشيخ فاهم القاسمي: «الكتابة هي تجليات للوجدان، فعندما نكتب، نعيد رسم العالم كما ينبغي أن يكون، وعندما نقرأ الآخر ويقرؤنا نتشارك المخيلة ونفهمه بمعزل عن الفوارق التي أوجدتها اللغة والجغرافيا، وقيل قديماً: نحن نكتب ليفهمَنا الناس، وأنا في هذه المناسبة أقول: نحن نقرأ حتى لا يبقى الآخر مجهولاً، نقرأ لنكتشف أبعاداً إنسانية جديدة، ولهذه الأسباب وغيرها الكثير، نعتبر التبادل الثقافي مدخلاً لعلاقات تتجاوز البروتوكولات الرسمية، علاقات تدوم لأنها أثمرت في وجدان كل منا الصورة الأجمل عن الآخر».
وأكد الشيخ فاهم بن سلطان القاسمي على أن العلاقات الثقافية التي تربط الإمارات مع الجانب البرازيلي، أصيلة وقوية، تعكس حقيقة المسيرة التاريخية للدولة منذ كانت حلماً يتقاسمه القادة، مؤكداً على أن علاقة التبادل الثقافي بين دولة الإمارات والبرازيل متينة، يغذيها الأمل والإيمان بانتصار الإرادة على المستحيل.
وقال القنصل العام لدولة الإمارات في ساو باولو، إبراهيم سالم العلوي: «ترتبط دولة الإمارات العربية المتحدة بعلاقات متينة مع البرازيل، ويشهد على ذلك تعدد البرازيليين في الدولة، الذي يمثل جزءاً من النسيج المجتمعي المتنوع الذي تتميز به الإمارة، وفي حجم العلاقات التجارية، والثقافية، وحتى الرياضية، انطلاقاً من ذلك يشكل اختيار إمارة الشارقة أول ضيف شرف يحل على معرض ساو باولو الدولي للكتاب تعبيراً عن عمق العلاقات، وتقديراً لمكان الإمارة، وخطوة جديدة وبناءة في سبيل فتح منافذ التعاون على مختلف المستويات الثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، خصوصاً أن دولة الإمارات ترى في الفعل الثقافي مرتكزاً لمختلف علاقاتها مع بلدان العالم».
وضم وفد الإمارات والشارقة كلاً من أحمد العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب، وعبدالله العويس رئيس دائرة الثقافة بالشارقة، والدكتور حبيب الصايغ الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وعبدالعزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث، وعلي المري رئيس دارة سلطان القاسمي، والشيخة هند بنت ماجد القاسمي رئيس مجلس سيدات أعمال الشارقة بالوكالة، ومروة عبيد العقروبي رئيس المجلس الإماراتي لكتب اليافعين، وراشد الكوس المدير التنفيذي لجمعية الناشرين الإماراتيين، وريم بن كرم مدير مؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة، وارم مظهر علوي مستشار أول في المكتب التنفيذي لسمو الشيخة جواهر القاسمي، ونخبة من الكتاب والأدباء والناشرين الإماراتيين.
تاريخ طويل من المعرفة
بدوره، تحدث عمدة مدينة ساو باولو، برونو كوفاس، عن أثر اختيار الشارقة ضيف شرف معرض ساو باولو الدولي للكتاب، على حجم العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة مع البرازيل، بقوله: «نطلع من خلال استضافة الشارقة إلى تمتين العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع دولة الإمارات، لما تمثله من حضور واسع وكبير، ليس على مستوى الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط فحسب، وإنما لما يجسده حضورها الاقتصادي على مستوى العالم، كما نعمل جاهدين لفتح أفق العمل المشترك والبناء بين مدينة ساو باولو وإمارة الشارقة، التي نجحت في تشكيل تاريخ طويل من الجهد المعرفي والثقافي، الذي تحولت بفضله إلى واحدة من أقطاب الحراك الثقافي العالمي».
من جانبها، قالت السيدة الأولى في مدينة ساو باولو لوسيا فرانسا: «يؤكد الفعل الثقافي تاريخياً أنه واحد من المرتكزات التي تكشف حجم المشتركات الإنسانية بين شعوب العالم، وتبيّن مسارات الحوار والتواصل بين الثقافات والحضارات، واليوم يأتي اختيار الشارقة ضيف شرف معرض ساو باولو الدولي للكتاب كخطوة جديدة للانفتاح على الثقافة الإماراتية والعربية والإسلامية بصورة عامة، إذ تمثل الإمارة مركزاً ثقافياً كبيراً على خارطة العالم، ومشهود لها تاريخها وجهودها الواضحة على مستوى دعم المعرفة وصناعة الكتاب».
جسور مع ثقافات العالم
وزير الثقافة البرازيلي، سيرجو سا ليتاو، تحدث عن مكانة الشارقة الثقافية في العالم. وقال: «نحن في البرازيل نعرف إمارة الشارقة بحجم استثمارها في المعرفة، وجهودها المتواصلة والواسعة الرامية إلى تعزيز الخطاب الإنساني وقيم الخير والسلام والمحبة من خلال الاطلاع على الآخر عبر القراءة والكتاب، الأمر الذي يجعلها نموذجاً للمدن الناهضة وذات الرؤية الواضحة في مد جسور التواصل مع مختلف ثقافات وحضارات العالم».
وعبّر رئيس غرفة الكتاب البرازيلية، لويس توريللي، عن أهمية اختيار الشارقة ضيف شرف معرض ساو باولو الدولي للكتاب، بالقول: «تمثل إمارة الشارقة عاصمة الثقافة في دولة الإمارات العربية المتحدة، هذه الدولة التي تشكل علامة فارقة على خريطة المنطقة العربية والشرق الأوسط، ونتطلع من خلال الاستضافة إلى التعرف إلى الفنون، والآداب، والتراث الكبير لدولة الإمارات، إضافة إلى ما يقابلها على المستوى العربي والإسلامي، فالشارقة تحمل لقب عاصمة الثقافة العربية، وعاصمة الثقافة الإسلامية، واليوم تحتفي باختيارها من قبل (اليونسكو) عاصمة عالمية للكتاب لعام 2019».
التجارب الثقافية الإماراتية
تأخذ إمارة الشارقة زوار المعرض في جولة عن الثقافة الإماراتية، ومسيرة تطورها خلال أربعة عقود من الزمن خلال مشاركتها في الحدث، حيث تنظم سلسلة من الندوات والجلسات النقاشية التفاعلية التي تتناول الشعر، والرواية، والتراث في دولة الإمارات، بمشاركة وفد يضم 20 كاتباً وناشراً و15 هيئة ومؤسسة ثقافية إماراتية.
وسيحظى سكان ساو باولو، الذين يزيد عددهم على 21 مليون نسمة، بفرصة مشاهدة العروض الفنية الإماراتية، التي تجمع بين الغناء الشعبي والرقص الفلكلوري، وتقدمها فرقة الشارقة الوطنية عبر شوارع المدينة الكبيرة.
وستمثّل الشارقة في معرض ساو باولو الدولي للكتاب وفود من العديد من المؤسسات الثقافية والمعرفية والأكاديمية، ومن أبرزها: هيئة الشارقة للكتاب، واتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، وجمعية الناشرين الإماراتيين، ودائرة الثقافة في الشارقة، ومعهد الشارقة للتراث، ودارة الدكتور سلطان القاسمي للدراسات الخليجية، ومؤسسة الشارقة للإعلام، والمجلس الإماراتي لكتب اليافعين، وثقافة بلا حدود، ومبادرة 1001 عنوان، ومنشورات القاسمي، ومجموعة كلمات، ومؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة، ومجلس إرثي للحرف المعاصرة، ومجلس سيدات أعمال الشارقة، والجامعة الأميركية في الشارقة.
المعرض يأخذ زائريه في جولة حول الثقافة الإماراتية ومسيرة تطورها خلال 4 عقود من الزمن.
فعاليات اليوم الأول
يشهد اليوم الأول من فعاليات الشارقة أمسية شعرية بعنوان «أطياف شعرية»، يشارك فيها كل من الشاعر حبيب الصايغ، والشاعر طلال سالم، وتديرها الشاعرة والإعلامية شيخة المطيري، فيما يقدم عازف العود طارش خميس سعيد الهاشمي مقطوعات موسيقية تحت عنوان «موسيقى الروح».
كما يدير الكاتب والإعلامي خالد بن ققة ندوة حول «عام زايد»، يعرض خلالها الباحثان الدكتور حمد بن صراي، أستاذ التاريخ في جامعة الإمارات، وسعيد حمدان، مدير إدارة برامج المكتبة الوطنية في دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي، قراءة في جهود المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في بناء الدولة، وتكريس قيمها الحضارية، وأسس بنائها ونهضتها.
عروض فنية تجوب الشوارع
ينظّم معهد الشارقة للتراث عروضاً شعبية لفرق إماراتية ستجوب شوارع المدينة التي تعتبر حلقة وصل الشمال البرازيلي بجنوبه، حيث ستوجد العروض أمام كل من متحف كرة القدم، إلى جانب متحف ساو باولو للفنون، وحديقة ابيرابويرا الشهيرة، وتتضمن العروض أربعة فنون هي: النوبان على آلة الطنبورة، والليوا على آلة المزمار والطبل الكبير (شيندو)، إضافة إلى فن الأنديما بالقربة التي تشبه القربة الأسكتلندية، والهبان على القربة الجلدية.