بهدف توثيق الحكايات الشعبية وما تحمله من قيم

صبحه الخييلي تستعيد «خراريف» البادية وحكمتها

غلاف الكتاب. من المصدر

تعتبر الحكايات الشعبية، جزءاً مهماً من تراث الإمارات، لما تتضمنه من حكمة وقيم توارثتها الأجيال عبر السنين؛ ولذلك اختارت الشيخة صبحه محمد جابر الخييلي، في كتابها الجديد «خراريف - حكايات من التراث تجتمع فيها المتعة والحكمة»، الذي صدر بالتزامن مع الدورة الـ29 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، أن تتناول مجموعة من الحكايات الشعبية التي كانت متداولة ومعروفة في المجتمع الإماراتي القديم، وتحديداً في بادية أبوظبي، بهدف توثيقها، وهي حكايات متوارثة من الأمهات والجدات، ولا يعرف لها زمان أو مكان محدد.

وحرصت الشيخة صبحه في الكتاب الصادر عن دار مداد للنشر والتوزيع، وهو حوار وإعداد فاطمة النزوري، وتحرير يحيى الغلابي، على اختيار الحكايات المتضمنة الدروس والحكم بين سطورها لتستخدمها في تعليم السنع لبناتها كما يقال: (مزاح وفيها دز رماح)، وللتوعية وغرس القيم وبناء شخصياتهن. وكما كان للبنات نصيب من هذه الحكايات، كان الأولاد يستمتعون بالحكايات في مجالس الرجال، والتي كانت تسرد بطولاتهم وانتصاراتهم، وقصص القنص، وسير القدماء، والغزوات في التاريخ، وضياع واسترداد الحلال، والسوالف التي عاشوها، إضافة إلى الاستماع للشعر.

الحياة في البادية

وتصف الخييلي في مقدمة كتابها الحياة في البادية قائلة: «كان للبادية جوّها الخاص، ويوميات يفتقدها الكثير ممن عاشها وعايشها، فيوم المرأة البدوية يبدأ قبيل الفجر، فهي تخبز قبل بزوغ الفجر لتعد طعام الإفطار لأسرتها، ثم تمشط شعر بناتها، ثم تسرح بالأغنام، ثم تبدأ مرحلة الإعداد لطعام الغداء. وفي العصر لابد لها أن تجهز فوالة العصر (التمر والقهوة)، ويداهمها الوقت فيحل المساء وتبدأ تجهيز وجبة العشاء، وبعد العشاء تجد المرأة الوقت اليسير لراحة هذا الجسد الذي أخذ التعب منه كل مأخذ، فتارة تجتمع بنات العائلة ونساؤها ويتبادلن الحكايات الشعبية والسوالف، وتارة تحكي هذه الأم لبناتها بعض الحكايات التي هي ليست للتسلية فقط، بل تحوي العديد من القيم، وهذا كان من أساليب التربية القديمة، إذ يعمد كبار السن إلى تأليف حكايات من نسج خيالهم وتضمينها بعض النصائح التي يريدون تمريرها لأبنائهم، ولاشك في أن تأثير النصيحة من خلال القصص أقوى وأثبت في نفوس الفتيات من النصيحة المباشرة، وقد أثبت هذا علم التربية الحديث»، موضحة أن معظم البدويات لديهن رصيد كبير من الحكايات الشعبية المشوقة التي يروينها لبناتهن، والتي قد تختلف من فريج إلى آخر، ونظراً لدقة تفاصيل وأحداث الحكايات تولّد لديهن إيمان بأنه ليست جميع الحكايات خيالية، وأن بعضها قد يكون واقعياً، لكنه حدث في عصور قديمة أو أماكن بعيدة.

حكايات الفريج

وتستحضر الراوية الشيخة صبحه أجواء وآلية سرد الحكايات في الفريج قديماً فتقول: «تحكى الحكايات يومياً في المساء ما عدا أيام الأعياد أو الأوقات التي يظعنون فيها، فهم في الصباح منشغلون في أعمالهم اليومية ما بين الرعي وجمع الحطب والاهتمام بشؤون البيت، وبعد تناول العشاء وغسل (الوعيان) تتجمع البنات من سن السابعة أو الثامنة فما فوق حول الجدة أو الأم أو الخالة أو الأخت الكبيرة في شكل حلقة ليسمعن منها (خروفة)، وذلك للترفيه والتسلية عن أنفسهن، وتقول لهن (تعالوا أخرفكم) أي أحكي لكم خراريف، وتنضم إليهن في معظم الأوقات بقية بنات الفريج الذي يتكون عادة من خمسة أو ستة بيوت، وكأنه موعد يومي للسمر ولشغل الفراغ قبل النوم، وكنا لا نمل من سماع الحكاية نفسها أكثر من مرة في حال إعادتها أمام بنات الجيران اللواتي قد يسمعنها لأول مرة، ومع كثرة تكرار هذه الحكايات حفظناها عن ظهر قلب. وتوارثت الأجيال هذه القصص حتى وصلت إلينا، وتداولناها في ما بيننا، فالأخت الكبيرة تحكيها لأخواتها الصغيرات، وهكذا، ومازالت راسخة في ذاكرة جيلنا، وحفاظاً عليها من الاندثار رغبت في تدوينها وتوثيقها، وأحببت أن أهديها لأحفادي وللأجيال القادمة».

سيرة

الشيخة صبحه محمد جابر الخييلي هي أرملة الشيخ سعيد بن شخبوط آل نهيان، رحمه الله، ولدت في منطقة العشوش بالقرب من سويحان، وعاشت في بادية أبوظبي حتى عام 1964، كما عاشت في قصر الحصن من عام 1964 وحتى عام 1966. وبدأ شغف الخييلي بالشعر وكتابته وإلقائه وسماعه منذ صغرها، وكتبت قصائد دينية واجتماعية ووطنية، وأصدرت ديواناً شعرياً في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، بعنوان: «أنوار طيبة»، كما نشرت لها قصائد في كتاب «وين الطروش؟».

تحرص الشيخة صبحه في كتاباتها على تسجيل الموروث الثقافي في بادية أبوظبي للحفاظ على هذا الإرث الضخم من الاندثار، من خلال سرد ذكرياتها في بادية أبوظبي في مؤلفات عدة، وهي: كتاب «وين الطروش؟»، وكتاب «الخيل دوا العليل» التداوي في بادية أبوظبي، الذي صدر خلال فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب العام الماضي، عن دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي - دار الكتب.

تويتر