في ندوة حول رواية «كيميا»
وليد علاء الدين: أنا لستُ ضد جلال الرومي
قال الروائي والباحث الدكتور عمار علي حسن إن «عوالم التصوف تمثل ذخيرة شديدة الثراء من شأنها أن ترفد الرواية العربية وتسهم في تطويرها على صعيدي الشكل والمضمون والمفردات، وأن تُحدث نقلة في اتجاه الواقعية السحرية العربية شريطة أن يُحسنَ استخدامُها».
جاء ذلك خلال الندوة التي استضافها مركز زايد للدراسات والبحوث لمناقشة رواية «كيميا» للروائي المصري وليد علاء الدين، ضمن البرنامج الثقافي المصاحب لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته هذا العام التي تنتهي في الـ30 من الشهر الجاري.
وقال عمار علي حسن إن رواية «كيميا» اختارت مدخلاً مميزاً للتواصل مع عالم التصوف والصوفية، في محاولة جادة للانتصار لشخصية منزوية في سيرة ذائعة الصيت: سيرة جلال الدين الرومي، وسحب هذه الشخصية الهشة من الهامش إلى المتن.
وهو ما اعتبره علي حسن قبولاً بالتحدي على المستويين الفكري والفني، قام به الروائي من أجل أن يلتقط من ركام المنسي والمهمل والمبعد - عن عمد أو بلا قصد - درةً ثمينة، يمحو عنها ما علق بها من شوائب التجاهل والقهر والظلم والاستغلال، فتعود تبرق من جديد، وهي شخصية «كيميا» التي اتخذتها الرواية عنواناً لها، والتي أتت على ذكرها أليف شافاق في روايتها «قواعد العشق الأربعون» وقبلها فعلت مفروي في روايتها «بنت مولانا»، وهما الروايتان اللتان رأى وليد علاء الدين أنهما لم تحترما وجود كيميا الإنساني، ولم تقيما اعتباراً لروح الفتاة المقهورة وسط حالة انبهار بالبطلين الرومي والتبريزي، فقرر أن يبحث خلفها غير راضٍ بما انتهى إليه من سبقه إليها روائياً.
وأضاف علي حسن: «خصوصية رحلة البحث هذه عن فتاة همشها المؤرخون وظلمها الأدباء، انعكست على النص، إذ كان على مؤلفه أن يجمع بين الاستطلاع الميداني وأدب الرحلات والتحقيق التاريخي وحدس الأديب وتخيله من أجل أن يرمم الشروخ، ويصل المسافات المنقطعة، ويمزج بين الذاتي والموضوعي، وما يوفره العلم من طرائق ومعطيات، حتى يحصل في النهاية على هذا النص».
واختتم الباحث والروائي عمار علي حسن حديثه حول رواية «كيميا» بالتأكيد على أنه عمل روائي لافت، فيه جاذبية، وصور تسعى إلى الاكتمال، وسرد مشوق، وحيلة فنية. وأضاف: «لوليد علاء الدين رواية أولى بعنوان (ابن القبطية) وهي رواية جيدة وفيها تجريب حسن، لكنه في رواية (كيميا) نجح في توظيف ألوان عدة من الكتابة هي السيرة التاريخية، والتحقيق الصحافي، والعمل البحثي الاستقصائي، والمشاهدات الميدانية، وأدب الرحلات، والتأمل في الوارد من التاريخ المؤثر على الحاضر، من أجل أن يخرج في النهاية بعمل روائي فوق كفّي (كيميا) المنسية، نستطيع القول إننا أمام روائي قادر على الإمساك بزمام سرده، والقبض على أدواته».
البحث عن «كيميا»
من جانبه، استعرض الروائي وليد علاء الدين تجربته مع شخصية «كيميا»، وكيف قرر أن يجعلها بطلة لروايته، إذ بدأ الأمر بمهمة عمل صحافية إلى مدينة قونية مرقد جلال الدين الرومي، لتدوين كتاب رحلة بمناسبة مرور ثمانية قرون على ميلاد الرومي. وقال: «قرأت أعمال الرومي، والكثير مما كُتب حول حياته وعلاقته بشمس تبريز وأشعاره والطريقة التي أسسها، وأبرز أحداث عصره وما شهد من اضطرابات وصراعات. خلال القراءة سيطرت عليّ روحُ (كيميا)، تلك الفتاة التي نشأت في حجر الرومي، وعاشت تحت سقف بيته بين أبنائه، ثم بعد ذلك زوجها بشمس الدين التبريزي، متجاهلاً أنه أولاً درويش جوال لا صلة له بالنساء، كما أنه يفوقها في العمر بما لا يقل عن خمسين عاماً، وهو لم يزوجه بابنته الأصلية مثلاً من زوجته كيرا، بل فضَّل أن يمنحه المسكينة التي يرعاها متجاهلاً قصة عشق جمعتها بابنه علاء الدين. وكانت النتيجة أن كيميا الطفلة التي تحبو على أعتاب الأنوثة ماتت قهراً بعد أسابيع فقط من زواجها بشمس تبريز».
وأضاف علاء الدين: «هكذا غادرت كيميا الحياة، واختفى شمس تبريزي، واكتملت أسطورة الرومي وانشغل الناس بها، وتبارى الكتاب في تدوينها وضخ الدماء في أوردتها وشرايينها، وسالت أحبار كثيرة للبحث في: هل اختفى شمس أم قُتل؟ ومن قتل شمس؟ وهل قتله علاء الدين؟ وما طبيعة العلاقة التي جمعت الرومي بشمس؟ إلا أن سؤالاً انطلق في سماء الكون في اللحظة نفسها، ولكن لم ينشغل به أحد، وهو: من قتل كيميا؟ وأين قبرها؟ لأنه سؤال الإنسانية في حقيقتها المجردة بلا شعارات ولا فلسفات».
وقال علاء الدين إن اللحظة الحاسمة التي جعلته يشرع في كتابة «كيميا» جاءت عندما سأل المرشد السياحي في مزار الرومي عن قبر كيميا وسط كل هذه القبور لأقارب وأفراد أسرة مولانا ومريديه وأحبابه، فاستنكر المرشد السؤال، وقال إن كيميا لم تكن شيئاً يُذكر! ولا أحد يعرف لها مكان قبر! وربما تكون في مقابر الصدقة أو غيرها من مقابر حول المزار. وهو الأمر الذي دفع الروائي إلى القيام بهذه الرحلة بحثاً عن قبر الفتاة المظلومة، قادته في هذه الرحلة عبر أنحاء قونية روحُ حبيبها علاء الدين التي لم تهدأ منذ ثمانية قرون في انتظار تكريم روح كيميا. وفي ختام حديثه أكد علاء الدين أن الرواية ليست ضد الرومي، ولا ضد تعلق الناس بحكاية أو أسطورة يروون فيها ومنها عطشهم لحالة مثالية من العشق والسلام والإنسانية، فيرددون القصص والحكايات ويتبادلون الأشعار. إلا أنها دعوة للانتباه إلى أن كل الأفكار الكبرى والدعوات والنماذج المؤسطرة لا قيمة لها إن هي تسببت في قهر إنسان أو قتل روح بريئة أو حرمانها من حقها في الحياة.
سيل التعظيم
قال الدكتور عمار علي حسن إن وليد علاء الدين نجح في روايته «كيميا»، الصادرة حديثاً عن دار الشروق المصرية، في أن يشق لنفسه مساراً مختلفاً، برواية تمد ساقيها من التاريخي إلى المعرفي، ومن الماضي إلى الحاضر، ومن الثابت الراقد منذ قرون إلى المتحول والمتحرك الذي يجري بين أيدينا، مشيراً إلى أنها رواية فيها إعمال للعقل داخل سرد بديع، ينقل لك عدوى التفكير وإعادة النظر، ويسمح لك بأن تختلف فكرياً أو حتى أن ترفض محاججاته للتاريخ، تلك التي ليس بوسعنا أن نصل فيها إلى برهان، وإن وصلنا فلن يصلح في وقف سيل التعظيم والتقريظ والتتيّم والإشادة الذي يحظى به البطلان الكبيران: جلال الدين الرومي وشمس تبريزي. يشار إلى أن لوليد علاء عدداً من الإصدارات التي تتنوع بين الدواوين الشعرية والروايات والكتب النقدية.
عمار علي حسن: عوالم التصوف ذخيرة ثرية ترفد الرواية العربية.
«قواعد العشق» و«بنت مولانا» تجاهلتا الطفلة بطلة الرواية.
علاء الدين:
«كل الأفكار الكبرى والنماذج المؤسطرة لا قيمة لها إن هي تسببت في قهر إنسان أو قتل روح بريئة».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news