المقدسيات والموسيقى.. عزف في وجه الحواجز والجدار
من بين جنبات المستوطنات الجاثمة على أراضيهن، وعبر انحناءات جدار الفصل العنصري الذي عزل أحياء مدينتهن المقدسة، تتنقل عشرات الفتيات من سكان مدينة القدس المحتلة لتعلم الغناء، وإتقان مهارات العزف على الآلات الموسيقية، وجزء آخر منهن يتجرع مرارة الانتظار على البوابات والحواجز العسكرية للمشاركة في المهرجانات والجوقات الموسيقية، ليحققن حلماً راودهن طويلاً، وليثبتن أن طموحاتهن وإرادتهن أقوى من جبروت الاحتلال.
هكذا تشق طالبات فرقة بنات القدس الموسيقية طريقهن اليومي، للالتئام في الحصص التدريبية التي رصدت «الإمارات اليوم» إحداها داخل معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى فرع القدس، ليتناغمن معاً على وقع ألحان الآلات الموسيقية الشرقية والغربية، فيما تصدح حناجرهن بأغانٍ تحاكي النضال الوطني الفلسطيني، وأخرى عربية كلاسيكية.
بنات القدس فرقة مقدسية تابعة لمعهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى في مدينة القدس المحتلة، تأسست عام 2014، وتضم 25 عازفة مغنية تراوح أعمارهن بين 14 و22 عاماً، إذ يشكلن مجتمعات مساحة داعمة ورافعة للطاقات النسائية الشابة في القدس رغم ممارسات الاحتلال وحصار الجدار، إلى جانب تشكيلات وفرق فنية مختلفة في المدينة المقدسة تضم فتيات شابات، أثبتن قدرتهن على إثراء وتنشيط الموسيقى الأصيلة في فلسطين بشكل عام وفي مدينة القدس بشكل خاص، فقد أظهرت الطالبات قدراً كبيراً من التميز في العزف على الآلاف الموسيقية، ما جعلهن مؤهلات للمشاركة في أوركسترات موسيقية وجوقات في القدس والضفة وخارج الأراضي الفلسطينية.
الصورة النمطية
شاركت فرقة بنات القدس منذ تأسيسها بعروض موسيقية وحفلات ومهرجانات عدة في فلسطين وخارجها، من بينها مهرجان «ليالي الطرب في قدس العرب»، الذي ينظمه معهد إدوارد سعيد، وتقدم الفرقة خلال حفلاتها أغاني من التراث العربي، وبعض الأغاني القديمة لسيد درويش ومحمد عبدالوهاب والشيخ إمام والأخوين رحباني وأحمد قعبور، كما قدّمت الفرقة خلال عروضها المنوعة إنتاجات موسيقية وغنائية جديدة لموسيقيين فلسطينيين وعرب، بروح وتوزيعات موسيقيّة جديدة، وذلك لإبراز جماليات الموسيقى العربية.
وللحديث عن ذلك، يقول مدير فرع معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى في القدس، محمد الأعور «حرص المعهد الوطنيّ الفلسطينيّ، منذ تأسيسه فعام 1994، على إحداث نهضة موسيقيّة في أوساط الصّغار والأجيال الشابة، عن طريق رفع مستوى طالباته بشكل خاص، وقد انعكس هذا الاهتمام على مستوى العزف لديهن على الآلات الموسيقية العربية والغرببة، وعلى مستوى تطوير معرفتهن الموسيقية، وإسهامهن في إثراء وإحياء وتنشيط الموسيقى العربية الأصيلة في فلسطين ومدينة القدس بشكل خاص، وإدراكاً لمستوى الإبداع والتميز لدى طالبات المعهد المقدسيات ولدت الفكرة لتأسيس فرقة بنات القدس».
ويضيف: إنشاء فرقة بنات القدس كان من أجل التأكيد للعالم الخارجي أن المرأة الفلسطينية شريكة في كل شيء الغناء والموسيقى والحب والنضال، «فهذه الفرقة وبعد أربع سنوات على تأسيسها باتت اليوم تمثل جزءاً مهماً من أعلام الثقافة الفلسطينية المميزة، ومن خلالها استطعنا أن نوصل صورة حضارية مشرقة عن فتيات فلسطين».
ويشير مدير فرع معهد إدوارد سعيد في القدس، خلال حديثه لـ«الإمارات اليوم»، أن هذه الفرقة أسهمت منذ إنشائها في إثراء وإحياء الموسيقى العربية بما فيها الفلسطينية الأصيلة من خلال الأعمال التي تقدمها، وهي خليط من الموروث العربي والفلسطيني بالإضافة لبعض الأعمال العربية التي كُتبت بالأساس لفلسطين كمقطوعات لمارسيل خليفة والشيخ إمام وأحمد قعبور.
ويوضح أن فكرة فرقة بنات القدس هي لتغيير الصورة النمطية التي تسلط الضوء فقط على المغني أو المغنية، مضيفاً: «على المسرح هناك موسيقيون أيضاً يجتهدون لنجاح اللوحة الغنائية وإظهارها بصورة متكاملة، وهذا ما نجحت فيه فرقة بنات القدس من خلال مهرجانات الأوركسترا والجوقات التي تشارك فيها».
ويؤكد الأعور أن طالبات الفرقة أظهرن قدراً كبيراً من التميز في العزف على الآلات الموسيقية العربية كالعود، والقانون، والإيقاع، وكذلك الآلات الغربية كالكمان، والتشيلو، والكونترباص، والفلوت، والكلارينيت، بالإضافة إلى جوقة الغناء التي تتميز بأصوات واعدة، والمهرجانات الموسيقية الأخرى.
جوائز إقليمية
طالبات فرقة بنات القدس لم يدركن نتيجة صغر أعمارهن وتجربتهن القصيرة أن عمق وعيهن الموسيقي وأداءهن المتميز في العزف والغناء سيمنحانهن الفوز بإحدى الجوائز المهمة والتقدم على فرق أكبر سناً وتجربة، فقد حازت الفرقة جائزة أفضل جوقة في الشرق الأوسط في مهرجان دبي للجوقات عام 2016 Choirfest Middle East، كما حاز الطالبات جوائز محلية في مهرجان القدس السنوي، وفعاليات مهرجان ليالي الطرب في قدس العرب، إلى جانب المشاركة في مهرجانات عدة داخل فلسطين وخارجها أهمها كان في أثينا.
وعن ذلك تقول لمى إلياس، 19 عاماً، عازفة كمان في فرقة بنات القدس: «لقد تحولت أغنية نبض الضفة للفنان أحمد قعبور، التي أعدنا عزفها وغناءها، إلى واحدة من أهم الأغاني التي تعبر عن نكبتنا ونكستنا وعن وجع الجرح الفلسطيني المستمر، فقد تقدمنا بهذه الأغنية في الجولة النهائية لجائزة مهرجان دبي للجوقات، في حين أبكت أغنية (سلام لغزة) الجمهور ووثّقت الرباط والانسجام بين الجمهور والكلمات والموسيقى».
وتؤكد أن أجمل لحظات حياتها تلك التي أُعلن بها اسم فرقتها كأفضل جوقة في الشرق الأوسط، خلال مهرجان جوقة دبي، مضيفة: «هذا يدفعني للتعلق بهذه الفرقة، التي باتت جزءاً كبيراً من حياتي».
وتتابع إلياس قولها: «إن شعب فلسطين برجاله ونسائه موهوب، ويملك الإرادة والصمود رغم ظروفه القاسية، ونحن نوصل صوتنا من خلال أرقى الوسائل، فبالعزف والغناء نتخطى كل الحواجز والحدود، وبالأعمال الفنية الملتزمة».
أما الشابة نور جمال علوي 17 عاماً، فإنها تتولى مهمة أخرى في فرقة بنات القدس وهي الغناء، إذ انضمت إلى جوقة الفرقة قبل أربعة أعوام، بعد اكتشاف موهبتها في الغناء رغم صغر سنها في ذلك الوقت.
وتشير نور إلى أن مشاركتها في فرقة بنات القدس الموسيقية طورت موهبتها في الغناء، مضيفة: «الغناء بالنسبة لي شغف وحب منذ الطفولة، وانتظرت فرصة لإظهار موهبتي إلى العلن، وكانت الفرصة من خلال معهد إدوارد سعيد عندما شاركت في المعهد كطالبة غناء غربي أوبرا في البداية، ومن ثم استطعت الانضمام إلى فرقة بنات القدس».
وتتابع علوي، قائلة: «أشعر بفخر كبير، عندما أقدم أنا وزميلاتي في الفرقة عروضاً فنية في المهرجانات الموسيقية الداخلية والخارجية، لأننا نعرض بذلك قضيتنا للعالم، ونثبت للجميع أن الغناء فن راقٍ تنهض به المجتمعات».
معيقات
قال مدير فرع معهد إدوارد سعيد في القدس، محمد الأعور، إن أعداد المشاركات داخل مدينة القدس محدودة، نتيجة الظروف الأمنية من الحواجز العسكرية التي يبلغ عددها 13 حاجزاً إسرائيلياً، والحصار المفروض على مدينة القدس بفعل جدار العزل الذي يحيط بالقدس المحتلة بطول 142 كيلومتراً، والذي وقف عائقاً أمام تنقل الفرقة للتعريف بها في الضفة الغربية والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأضاف الأعور «حصار القدس يعيق عملنا، فنجد صعوبة ومخاطر عدة أثناء تنقل 25 فتاة عبر الحواجز، وتعرضهن للتفتيش المذل في كل مرة».
وأكد الأعور أن فرقة بنات القدس تطمح لتوسيع نطاق مشاركتها، وضم فتيات متميزات في الغناء والعزف من رام الله وبيت لحم وغزة، لافتاً إلا أن الجدار والسيطرة الإسرائيلية على المعابر وصعوبة منح تصاريح العبور، صنعت صعوبة في لمِّ شمل الفتيات الفلسطينيات من جميع المدن الفلسطينية.
العازفات
طالبات فرقة بنات القدس، يبلغ عددهن 25 طالبة، وحصدن جائزة جوقة دبي، وهنّ: لينا كمال (فلوت)، مارغو حنا مصلح (غناء)، هيفاء متولي (غناء)، سارة مشعشع (غناء)، عايدة قنبر (غناء)، سهى أبوعكر (غناء)، نور جمال علوي (غناء)، يارا قاسم (غناء)، أميرة إمام (كلارينيت)، ياسمين أبوشلباية (إيقاع)، ريم عبيدي (قانون)، سلمى عبّاسي (عود)، ريم شريف (غناء)، مريم عفيفي (كونترباس)، انتصار أبوشلباية (عود)، سهيد عزة (غناء)، رامة بدارنة (قانون)، شادن مكاوي (غناء)، رند خوري (تشيللو)، عرين شامي (غناء)، لمى إلياس (كمان)، كارول إبراهيم (كمان)، وإلين مسعود (كمان).
إنشاء الفرقة كان من أجل التأكيد للعالم الخارجي أن المرأة الفلسطينية شريكة في كل شيء.
شاركت الفرقة، منذ تأسيسها، بعروض موسيقية ومهرجانات عدة، في فلسطين وخارجها.
طالبات الفرقة أظهرن قدراً كبيراً من التميز في العزف على الآلات الموسيقية العربية.