«الأرشيف الوطني» يوثق ذكريات الحُجَّاج الإماراتيين وتفاصيل رحلاتهم قديماً
ضيوف الرحمن.. رحلة الإيمان محفوفة بالمعاناة والمخاطر
يوثق قسم التاريخ الشفاهي في الأرشيف الوطني في مقابلاته مع الرواة من كبار المواطنين الذكريات الخالدة لدى الرعيل الأول من أبناء الإمارات عن رحلة الحج قديماً من الإمارات إلى الديار المقدسة، لأداء الفريضة التي شرعها الإسلام، وتمسك بها أبناء المجتمع الإماراتي قديماً قدر المستطاع، وقد اتسمت رحلة الحج حينذاك بأن القلوب فيها كانت مفعمة بالإيمان، وتكبدت الأجساد فيها المشقة وهي تمضي شهوراً على ظهور المطايا تجتاز دروب الصحراء وفيافيها وقفارها في ظروف بالغة الصعوبة، ساعية إلى بيت الله الحرام، وإلى المدينة المنورة.
حراسة القافلة
من تلك الذاكرة يسرد لنا خليفة سعيد خلف الظاهري، من العين، وهو أحد الرواة الذين وثقت مقابلة التاريخ الشفاهي ذكرياته: كنا نذهب إلى الحج على ظهور الركاب (الإبل)، وكان الحجيج يذهبون من أبوظبي ومن العين، وتستغرق الرحلة إلى مكة شهرين تكون مشوبة بالحذر من قطاع الطريق، وكان الحجاج يتناوبون حراسة القافلة عندما يهجعون ليلاً في الصحراء.
وفي مشهد آخر يروي علي أحمد شاهين القصيلي المنصوري، من الظفرة، أن أحد الحجاج أخبره بأنه حين وصل إلى مكة هو ورفاقه صلوا في أحد مساجدها، ثم تحولوا إلى ركابهم، فبادرهم «المطوع» سائلاً: من أين أتيتم؟ فأخبروه، فسألهم: كم شهراً استغرق طريقكم؟ فقالوا: اليوم نكمل الشهرين، قال وإيابكم يستغرق شهرين؟ قالوا: نعم، قال: هل أنتم في داركم (بلدكم) تعينون الرفيق؟ وتساعدون الجار؟ وتكرمون الضيف؟ فقالوا: هذه عادات طبيعية بالنسبة لنا، فقال: والله إنكم مأجورون، وحاجون وأنتم في دياركم، (أي أن من كان يتمتع بتلك الصفات فله أجر الحاج).
وفي رواية أخرى من مقابلات التاريخ الشفاهي، يقول خالد عبدالله سليمان الهنائي من أبوظبي: كنا نذهب إلى الحج على البوش (الإبل)، والذي ينوي الحج يتفق مع صاحب البوش، وينضم إلى مجموعة يتفق معهم، إذ لم تكن حينذاك السيارات متوافرة، وكانت الطائرات موجودة لكنها قليلة، ولا يحجّ بالطائرة إلا من كان لديه المال.
طاعة الرحمن
وتحكي الراوية كليثم كشيش مبارك الشامسي، من العين، عن ظروف الترحال فتقول: يخبرني أبي أن رحلة الحج تستغرق 90 ليلة، وكانوا يخرجون من بلدنا لأجل طاعة الرحمن، بعضهم يصل إلى الحج، ويُتوفى بعضهم في الطريق، وتشير الراوية إلى أن والدها لم يحج لكنه كان يصف لها رحلة الحجيج حين يخرجون للسفر حاملين الأطعمة معهم التي تتلاءم مع أجواء الصحراء كالخبز اليابس (خبز الرقاق) والسمك الصغير المجفف (السحناة) والسمن والماء، ويمشون مع دليلهم العارف بدرب الحج؛ إذ لم يكن لديهم بوصلة.
جذور ممتدة
وفي كتاب «الحج رحلة في الذاكرة» تقول الدكتورة عائشة بالخير مستشار البحوث في الأرشيف الوطني: «لقد أسهم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في تمكين أبناء شعبه والأمة الإسلامية من أداء فريضة الحج؛ فقد وثقت مجلدات (يوميات الشيخ زايد) الصادرة عن الأرشيف الوطني مبادراته الإنسانية وتعزيزه لدور الإسلام وأركانه، وتسهيل أداء فريضة الحج للناس، ففي عام 1980 أوفد 600 مواطن لأداء فريضة الحج على نفقته الخاصة، وقد وصل اهتمام المغفور له الشيخ زايد إلى وفود الحجاج الذين ينتمون إلى دول إسلامية».
وتشير الدكتورة عائشة بالخير إلى أن الاهتمام بفريضة الحج له جذوره الممتدة في الإمارات، وهذا ما يشير إليه الرواة بما يعرف بـ«البروة» في الإمارات قديماً، وهي ورقة مكتوبة بها أمر يقبض بموجبه حاملها المخصصات المذكورة فيها، فيذهب من كان قاصداً الحج إلى مجالس شيوخ القبائل وأعيان البلاد للحصول على مؤونة الدرب من الأرز والطحين والسكر والقهوة، لذا كانت مبادرة المغفور له الشيخ زايد لإيفاد الحجاج صوناً لكرامتهم.
توثيق
يوثق كتاب «ذاكرتهم تاريخنا» ما قاله الحاج سعيد أحمد ناصر بن لوتاه، عن رحلته للحج: «ذهبت إلى مكة لأداء فريضة الحج أول مرة عندما كنت في السادسة عشرة من عمري تقريباً، وأذكر أنها كانت في فترة حكم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وكان الذهاب على ظهور الركاب، خرجنا إلى الأحساء، ومنها توجهنا إلى الرياض، ثم إلى مكة المكرمة، وإلى المدينة المنورة، وسلكنا الطريق في العودة إلى شقرى ومنها إلى الرياض، ومن الرياض أعطتنا الحكومة سيارتي نقل كبيرتين، فوصلنا الأحساء، ومن الأحساء ركبنا الحمير حتى العجير، ومن العجير ركبنا الزورق البخاري (لنج) حتى البحرين، ومن البحرين ركبنا في (لنج) آخر حتى بلغنا بلدنا، وقد استغرقت الرحلة ذهاباً وإياباً ثلاثة أشهر».
ويتذكر الحاج سعيد أحمد ناصر بن لوتاه أنه لما ذهب إلى الحج برفقة والده، كان حول قصر الملك عبدالعزيز كثير من الكتبة يكتبون للبدو طلباتهم من الملك قبل الدخول عليه، ويقول لوتاه: «فذهبنا إلى كاتب من الكتبة ليكتب لنا الرسالة فقال أخبروني حاجتكم، فقال الوالد: أنا بامليك وأنت اكتب (أنا أملي عليك وأنت اكتب)، فاستغرب الكاتب من هذا الرجل البدوي وشكله ولباسه، وبدأ يكتب وكل لحظة ينظر الكاتب إلى وجه والدي، ثم سأله من أي جامعة متخرج؟ فاستغرب والدي السؤال، فضحك والدي قائلاً: شو جامعة؟! وإن دلّ هذا على شيء فإنه يدل على تغيّر نظام التعليم».
وفي كتاب «ذاكرتهم تاريخنا» يتذكر الراوي عبيد راشد عبيد أحمد بن صندل آل علي كيف سافر من الشارقة إلى الكويت في خمسينات القرن الماضي، ثم اصطحب والدته من الكويت للحج مع رحلات الحج بالسيارة، ويقول استغرقت الرحلة نحو شهر.
ويضيف الراوي: إنه من أجل السفر إلى الكويت عام 1955 حصل على جواز السفر من المغفور له الشيخ سلطان بن صقر القاسمي حاكم إمارة الشارقة (1924-1951)، وكانت الجوازات في تلك الأيام وثيقة بها بيانات الشخص، وأنه من رعايا إمارة الشارقة، وتذكر سنة ميلاده، وعلى الجواز عبارة: نرجو ونطلب من ممثلي الحكومات أن يسمحوا لحامله بحرية المرور، ويسهلوا له الصعوبات، ويبذلوا له ما يحتاج إليه من المساعدة كما تقتضيه الصداقة.
• أسهم الشيخ زايد في تمكين أبناء شعبه والأمة الإسلامية من أداء فريضة الحج؛ فقد وثقت مجلدات «يوميات الشيخ زايد» الصادرة عن الأرشيف الوطني مبادراته الإنسانية وتعزيزه لدور الإسلام وأركانه، وتسهيل أداء فريضة الحج للناس، ففي عام 1980 أوفد 600 مواطن لأداء فريضة الحج على نفقته الخاصة، وقد وصل اهتمام المغفور له الشيخ زايد إلى وفود الحجاج الذين ينتمون إلى دول إسلامية.
خليفة الظاهري:
• «كانت الرحلة إلى مكة تستغرق شهرين، ومشوبة بالحذر من قطاع الطريق».
خالد الهنائي:
• «الطائرات كانت موجودة لكنها قليلة، ولم يحجّ بالطائرة إلا من كان لديه المال».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news