كاهن النحت 70 عاماً من النقش على الحجر
آدم حنين.. «علامة فارقة» في رحلة النحت
في رحلة فنية فريدة، يصحب معرض «علامات فارقة.. آدم حنين»، الذي تنظمه مؤسسة الشارقة للفنون، بالتعاون مع هيئة الشارقة للمتاحف، زواره في جولة في تاريخ الفنان المصري المخضرم آدم حنين أبرز الفنانين التشكيليين في الوطن العربي.
وحنين الذي عشق النحت المصري القديم، وترسخ في وجدانه، جاعلاً من منحوتاته دليلاً فنياً على أثر أجداده العظام، في استنطاق الأحجار التي تبوح بالأسرار هو واحد من أبرز فناني ومبدعي المنطقة، الذين تركوا بصماتهم على المشهد الفني في الوطن العربي، ويسلط المعرض الضوء على أبرز أعماله الفنية، والتي شكلت تاريخه الفني في عالم النحت، منذ خمسينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا.
مسيرة فنية
مسيرة فنية طويلة تجاوزت 70 عاماً، خاضها كاهن النحت آدم حنين، فتميزت تجربته النحتية بجمعها مراحل متباينة في الفن المصري والعربي في القرنين الـ20 والـ21، والتي قُدّمت حولها أفلام وثائقية عدّة.
ولد حنين في عام 1929، وبدأ عشقه للنحت في طفولته المبكرة، حين زار المتحف المصري بمدينة القاهرة في رحلة مدرسية، ليعود إلى منزله محفورة في ذهنه التفاصيل كافة: ملمس الأحجار، رائحة المكان، التماثيل التي كانت تنتشر في أرجائه كافة، سحر الماضي وأسراره الغامضة.
ظلت تطارد مخيلته أشكال التماثيل التي رآها، حتى نجح في صناعة أول تمثال له من الصلصال أخذه والده ووضعه داخل ورشته الصغيرة التي كان يمتلكها لصناعة الفضيات، ولم يتخيل حينها أن هذا التمثال الصغير هو النواة الأولى لميلاد نحات من طراز فريد، تُدرَّس أعماله الفنية وتتزيّن بها عشرات المعارض الدولية الفنية في أنحاء العالم كافة.
70 عاماً من العطاء
على مدار 70 عاماً، استطاع الفنان المصري من خلال أعماله استكشاف البنية الأساسية لجوهر الأشكال التي يتناولها مستفيداً من إرثه الفرعوني ومن الرؤى والخبرات المعاصرة، وكانت فرصته الحقيقية لدراسة الفن المصري عن قرب، عقب انتهائه من دراسته الجامعية وحصوله على منحة إلى مدينة الأقصر في جنوب مصر لقضاء عامين هناك، تلك المنحة التي كانت تقدم لأوائل الدفعات.
بين الأقصر وأوروبا
خلال إقامته في الأقصر اقترب حنين من الصور المرسومة داخل المقابر، ليقارن بما شاهده في الطبيعة، فبدأ يتعرف عن قرب على الكيفية التي كان المصري القديم يترجم بها الأشياء من حوله.
وبدأ يتلمس هويته الفنية، محاولاً أن يفتش بداخله عن بداية الطريق، وتملكه إحساس وحيد وهو أنه مزيج من مؤثرات عدة، فهو امتداد للتراث المصري العظيم، وفي الوقت نفسه لا يستطيع أن يغفل وجوده في عصر مختلف له طبيعته الخاصة ومقوماته المختلفة.
وبعد أن أنهى حنين منحة الأقصر حصل على منحة أخرى لدراسة الفن في ألمانيا، لمدة عام ونصف العام، وكانت الرحلة بمثابة أول احتكاك له بالغرب، وكانت فترة الدراسة فرصة له لكي يتعرف على الفن الغربي عن قرب، فحرص على زيارة المتاحف الأوروبية، بدلاً من رؤية الأعمال في الكتب، وأن يتعرف على العقلية الغربية بدلاً من القراءة عنها.
وبمجرد عودته إلى مصر عام 1960، انتقل للإقامة في جزيرة وسط النيل بالنوبة ليتعرف على ثقافة أهلها، محاولاً البحث عن بقايا الحضارة القديمة، خصوصاً أن حياة النوبة كانت أكثر محافظة على التقاليد الثقافية والفنية وذات صلة مباشرة بالفنون والعادات المصرية القديمة في العمارة والأدوات والملبس وفي الطباع والسلوك العام لأهلها.
وعقب نكسة 1967، سافر حنين مرة أخرى إلى أوروبا، قاصداً باريس حيث كانت الأجواء المصرية معبأة باليأس والهزيمة، ولم يكن المناخ مناسباً في مصر وقتها لإنتاج الفن أو للبحث عن مسارات جديدة في التجربة الفنية، فكانت الحياة شبه متوقفة والأجواء مكرّسة تماماً لفكرة الحرب والهزيمة ورد الاعتبار، ووجد في (مدينة الأنوار) مناخاً مناسباً للاستقرار وفرصة إيجابية لمقابلة الفنانين من شتى الأطياف والاتجاهات والجنسيات، ورغم الصعوبات الحياتية التي واجهته، إلا أنه مكث فيها أكثر من 20 عاماً، وبعد عودته للاستقرار في مصر كان في انتظاره «سمبوزيوم النحت الدولي» الذي يقام في مدينة أسوان.
بصمات إبداعية
يدرك المتتبع لمسيرة حنين الفنية أن أعماله تنقسم لمراحل عدة ترتبط كل منها بأسلوب فني معين، فأثناء إقامته في الأقصر أنجز سلسلة رسوم بعنوان (البشارة) تجسد غزالة، كما قدّم عمل (فاطمة) وهو تمثال لرأس امرأة، و(حصان)، و(الزمار)، و(راحة)، و(أم الشهيد).
وفي مرحلة فنية أخرى تخصّص الفنان المصري برسم النباتات، فأنجز (الحديقة 1)، ورسوم خاصة بكتاب رباعيات صلاح جاهين، إلى جانب منحوتات تمثل الحيوانات مثل (البومة) و(الحمار) و(طائر أسطوري).
أما تجربته النحتية التجريدية ضمت مجموعة من الأعمال المتميزة ومنها (نسمة)، و(شيخ البلد)، و(مراقبة صامتة)، و(انتصار يتصاعد)، و(امرأة وحصان) و(صبية بضفيرة).
علامات فارقة
عن اختيارالمعرض السنوي «علامات فارقة» لاستضافة أعمال النحات آدم حنين في دورته العاشرة، قالت قيّمة المعرض الشيخة نورة المعلا، إن «المعرض يسلط الضوء على مسار تجربة تمتد نحو 70 عاماً أنتج فيها حنين مجموعة ثرية من الأعمال النحتية والرسوم التي تشكل بحد ذاتها علامة فارقة في تاريخ الفن العربي الحديث والمعاصر، وتعكس اشتغالاته الجمالية وأسلوبيته الخاصة التي اجترحها عبر بحثه وشغفه الدائم بتوسم الفرادة في الشائع، والخصوصية في الموروث، والشمولية في المحلي».
وأشارت المعلا إلى أن «حنين يُعد واحداً من رموز الفن العربي الحديث، الذين قدموا صياغة بصرية جديدة أغنت المشهد الفني، وجمعت في مكوناتها الفنية بين الموروث الجمالي والروح المعاصرة، وبين الهوية المحلية والبعد العالمي» موضحة أنه «أنتج خلال مسيرته منحوتات استلهمت البيئة المصرية وامتازت بأسلوبها الواقعي، إضافة إلى صياغاته البصرية المتفردة التي استندت إلى الفن الفرعوني وتجلت في سلسلة من الأعمال التي تمثل حيوانات مختلفة مثل الطيور والقطط والخيول».
وأضافت المعلا أن «تجربة حنين اكتسبت ملامح جديدة بعد إقامته في باريس وتفاعله مع أعمال النحاتين الحداثيين، حيث برز ميله نحو التجريد عبر موضوعات لها صلة بالسمو الروحي، وهو في كل ما أنتج سعى إلى خلق لغة فنية لا تخاطب البصر وحده، بل تخاطب الوجدان والانفعالات».
متحفه الدائم في بيته
شارك آدم حنين في معارض جماعية دولية، منها بينالي الإسكندرية وبينالي فينيسيا وبينالي القاهرة الدولي، ومعارض جماعية محلية، إلى جانب معارضه الشخصية، واستطاع في عام 2013 افتتاح متحفه الدائم في بيته.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news