إبراهيم الحمادي.. يبدأ رحلة الـــــرواية بـ «سطور مهملة»
في سن الـ17 عاماً، يحلم طالب الثانوية العامة، الإماراتي إبراهيم الحمادي، بأن يكون اسماً أدبياً معروفاً في عالم الرواية العربية، وصوتاً مؤثراً في المجتمع.. حلم يبدو أنه انطلق في تحقيقه مبكراً جداً، عبر الانخراط طفلاً في مجال الكتابة ومن قبلها القراءة، التي انقاد إليها الحمادي منذ نشأته مستلهماً تجربة محيطه العائلي، وتحديداً عمته التي كانت قارئة شغوفة، وكاتبة مبدعة، عزلتها الظروف الاجتماعية عن نشر ما أبدعته من قصص وروايات، واصل مشوار حلمها ابن أخيها إبراهيم الحمادي، فتعلم الغوص فيها واستيعاب معانيها فلم يغدو طفلاً: «سحرني البوح بأفكاري مبكراً، فلم أغدو ذلك الطفل، بل كبرت مع خيالات رواياتي».
وقال الحمادي لـ«الإمارات اليوم»: «عندما تكون شخصاً كتوماً يحفظ أفكاره وخواطره ومواقفه من الواقع وشخصياته، ويجد صعوبة أكبر كل مرة في التعبير عما يجول في خاطره، لا ملجأ لديك إلا البوح للورق لإيصال رسائلك للناس»، لافتاً: «لدي أصدقاء أتواصل معهم وأتفاعل بشكل كبير، لكنني شخص كتوم بطبعي، لا أفصح عن أفكاري بشكل دائم ومباشر لمن حولي، وهذا ما دفعني نحو دفاتري في البداية، فكنت أدوّن بين سطورها ما أعجز عن قوله في الواقع».
«سطور مهملة»
بفخر واعتزاز يتحدث إبراهيم الحمادي، عن أول عمل روائي أمضاه في 2019 في معرض الشارقة الدولي للكتاب «سطور مهملة»، باكورة أعماله الإبداعية الناجحة التي كرّس بها حلم كتابة رواية، مزج عبرها واقع الشخصيات بخيال شاب، انطلق كاتبه في نقله عبر أحداث واقعية وتراكمات نفسية تتجلى فيها محطات الحياة بتفاصيلها المعقدة، لتحيلنا إلى مخبر الاكتشافات الإنسانية بأبعادها وتفاصيلها وخباياها، عبر تقاطعات متنوّعة كالحب والكراهية، الأمل والخيبة، الخير والشر، ومن ثم مسارات شخصياتها الشائكة في تحقيق الغلبة والفوز.
صعوبات وتحديات
وعن انطلاقته في عالم الكتابة الروائية، لفت الحمادي إلى التحديات الكبيرة التي واجهها في مسيرة نشر روايته الأولى، وتعلقت بالكلفة والميزانيات الثقيلة التي تتطلبها هذه العملية، قائلاً: «النشر بحد ذاته موضوع صعب، فكل دور النشر التي تواصلت معها كانت تفرض مبالغ عالية لم أقدر عليها، وهذا بحد ذاته عائق كبير في طريق الأقلام الصاعدة، فعقبة النشر باتت شبه مستحيلة»، لا فتاً: «تواصلت مع أكثر من 15 دار نشر، كلها تطلب مبالغ تصل إلى 15 ألف درهم، وهذا مبلغ خيالي بالنسبة لطالب ثانوية، كما كان موضوع طلب المساعدة من أهلي لم يكن مطروحاً آنذاك لم يأخذوني مأخذ الجد، لكنني في النهاية تحديت نفسي وفتحت باباً بالتعاون مع دار (قهوة للنشر والتوزيع) الإماراتية التي، دعمتني في طرح عملي على الساحة».
أصداء إيجابية
«نحن مجتمع مثقف جداً».. بهذه العبارة وصف الحمادي موجة الدعم اللامحدود الذي تلقاه لاحقاً من عائلته، وأصدقائه ومعارفه، وكذلك من الوسط الثقافي الإماراتي، الذي دعمته شخصياته بالاهتمام والحضور والمساندة في حفل توقيع كتابه الأول في معرض الشارقة، كذلك هيئة المهرجان والقائمين عليه، الذين فتحوا له المجال واسعاً لطرح تجربته الروائية ومناقشتها خلال فعاليات المعرض، لافتاً إلى الصدى الإيجابي الذي خلفته الرواية لدى القرّاء بالقول: «رغم بداياتي المتواضعة في عالم الكتابة، فإنني أظل سعيداً بالصدى الإيجابي الذي تركته تجربتي في (سطور مهملة)، ولعلني لجأت في هذه المعالجات إلى قصص وحبكات فنية بسيطة، اعتمدت فيها الأسلوب السردي البسيط، لكشف خبايا الشخصيات وتفرعاتها وتجليات الضعف والقوة فيها، وهذا أظنه أكثر مآثر الرواية التي يعثر فيها كل قارئ على نفسه أو على (الآخر) المقابل بشكل أو بآخر».
أحلام
يتحمس الكاتب الإماراتي الشاب إبراهيم الحمادي، في الحديث عن نهج الكتابة الإبداعية، الذي تعلق به وراهن على الاستمرار فيه في المستقبل، كاشفاً لـ«لإمارات اليوم»، خبر إصداره الثاني، رواية «من قتل أبي»، التي سيطرحها الحمادي قريباً، وهي رواية واقعية مؤثرة بأحداثها المتلاحقة وشخصياتها المثيرة، وكذلك اكتشافاتها التي أتمنى أن تنال ما تستحقه من التأثير والصدى لدى القرّاء، باعتبارها تكريساً لبعض تجليات النضج الذي وصلت إليه بعد تجربتي الروائية الأولى.
بيئة محفزة
يبدو أن إبراهيم الحمادي، القاطن في جزيرة اللؤلؤ (دلما) المقابلة لسواحل إمارة أبوظبي، قد توفق في استثمار البيئة الطبيعية الخلابة للمكان الواقع في عرض البحر، بمياهه الزرقاء الصافية وحقول فاكهته الموسمية الطازجة، وكذلك خضرة بساتينه الممتدة على مدى العين، إذ يعترف: «مثل أهل الجزيرة، أعتمد على النقل البحري والجوي للوصول إليها والتنقل منها إلى أماكن أخرى، ولكن هذا الشيء لم يقيدني أبداً، فأنا أتحرك بسهولة كلما سنحت لي فرصة لقاء أو تظاهرة أدبية أو ثقافية أو معارض كتب تقام في الدولة. أما الكتابة، فلا أنكر أن الحياة الهادئة في الجزيرة وبساطة العيش هنا ألهماني ودفعاني دوماً إلى التأمل والتفكير ومن ثم إلى الكتابة، لهذا اعتبر دلما ببيئتها الساحرة.. ملهمة بكل المقاييس».
للكلمات حياتها
لا يتخلى الحمادي في مسيرة البداية ومشوار تحقيق الحلم، عن المبادئ التي لطالما آمن بها وكرّسها لتحقيق أهدافه فيقول: «منذ انصهاري في عالم القراءة والمعرفة اكتشفت حقيقة أساسية، هي (الكلمة) وقدرتها على الاستمرار والتأثير، فنحن ماضون والكلمات باقية، لأنها صانعة أثر وقادرة على إحداث الفرق»، لافتاً: «بالكتابة انخرطت في نهج صنع الأثر، وهذا القرار بداية طريق طويل سلكته مع الكتب، وتشبثت فيه بالكلمات التي أيقنت بها نفسي».
• «تواصلت مع 15 دار نشر، كلها طلبت مبالغ تصل إلى 15 ألف درهم، وأخيراً قامت دار (قهوة للنشر) بدعمي».
• «(من قتل أبي) رواية واقعية مؤثرة بأحداثها المتلاحقة وشخصياتها المثيرة».