خبيرة صحية: المساواة والثقة والمحاسبة شروط حيوية لمنع انتشار الأوبئة
بغض النظر عن الموقع الجغرافي، ومستوى دخل الفرد والنظام السياسي، تعتبر الفجوات في أنظمة الدول لمنع حالات انتشار الأمراض المعدية والتحكم فيها متماثلة بشكل لافت للنظر. ومعالجة هذه الفجوات أمر أساسي لمحاربة مرض «كوفيد-19» الذي يسببه فيروس كورونا المستجد - والذي يبدو أنه سيمثل تحدياً متكرراً - كما يوفر فرصة للاستثمار الذي يعزز في الوقت نفسه المساواة والرفاه بصورة أوسع نطاقاً.
وتقول الدكتورة ميشال خان، الخبيرة الصحية المتخصصة في مجال الأوبئة، إن الحصول على الرعاية الصحية، مجاناً وفي وقت الحاجة إليها أثبت أنه يمثل تحدياً لقدرة الدول على احتواء حالات تفشي الأمراض المعدية. فعدم التمتع بتغطية صحية شاملة يحول دون حصول بعض الأشخاص - مثل الذين لا يستطيعون الدفع مقابل الخدمات، أو لا يحظون بتغطية تأمينية من جانب أرباب العمل، أو المهاجرين غير المسجلين - على خدمات الاختبار والعلاج بسرعة.
وتقول خان في تقرير نشره موقع معهد تشاتام هاوس البريطاني، والمعروف رسمياً باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية «إن هذا يسفر عن انتشار - يمكن تجنبه - للعدوى والوفاة في أوساط هذه الفئات، وفي الدولة على نطاق أوسع. واتضحت مثل هذه المظاهر لعدم المساواة في الرعاية الصحية في دول ذات دخل مرتفع مثل الولايات المتحدة، وفي دول ذات دخل منخفض مثل كينيا».
وبالمثل، فإن عدم المساواة الهيكلية في الظروف المعيشية وظروف العمل، يعني أن أولئك الذين يقضون فترات طويلة في أماكن مزدحمة للغاية، لا يمكن فيها تطبيق التباعد الاجتماعي أو السلوكيات المثلى للنظافة الصحية، أكثر عرضة للخطر. وتعتبر سنغافورة مثالاً واضحاً على ذلك، حيث واجهت استراتيجية فعالة، تبنتها للتحكم في مرض «كوفيد-19»، عرقلة بسبب ظروف الازدحام والافتقار إلى النظافة في بعض مهاجع العمال المهاجرين.
وهناك فجوة أخرى، وهي الافتقار إلى شبكات الأمان المالية بالنسبة لقطاعات كبيرة من السكان مثل العمال غير الرسميين، ما يعني عدم حصولهم على دخل من أصحاب العمل أو الدولة إذا عجزوا عن العمل بسبب المرض، أو بسبب تحمل مسؤوليات رعاية الأسرة، أو متطلبات التباعد الاجتماعي.
وتؤكد خان أنه لا يمكن التقليل من أهمية تأثير عدم توافر الدخل المأمون على التحكم في مرض كوفيد-19. فملايين الأشخاص هاجروا من المدن في الهند إلى مناطق ريفية، بعد أن أصبحوا دون مصدر دخل بمجرد إعلان الإغلاق؛ واعتبر هذا سبباً في نقل الفيروس إلى المناطق الريفية. ويعتبر ضمان الحصول على دخل في حالة المرض أمراً أساسياً للأشخاص لكي يتوقفوا عن العمل في حالة شعورهم بأعراض المرض أو تعرضهم للفيروس بسبب شخص مريض في الأسرة، وذلك من أجل منع انتشار العدوى في أماكن العمل.
وهناك أيضاً قضية تتعلق بعدد المواطنين الذين يثقون بحكوماتهم، وهذا يتأثر بالتواصل الحكومي الفعال أثناء حالات الطوارئ. فالثقة والتواصل أمران مهمان للالتزام بتوجيهات الصحة العامة، مثل التباعد الاجتماعي.
وعلى سبيل المثال، يعتقد أن التزام مواطني المملكة المتحدة بإجراءات التباعد الاجتماعي الجسدي لم يعد قائماً عندما اهتزت الثقة برئيس الوزراء والمستشارين. وهناك دول أخرى، من بينها الولايات المتحدة ونيجيريا وباكستان، بذلت جهداً كبيراً لإقناع فئات من المواطنين بتجنب التجمع في أماكن العبادة، وذلك لأن ثقتهم أكبر برجال الدين الذين يقولون لهم إن حضورهم مأمون.
وتضيف خان أنه من الواضح أن الجميع، فقراء أو أغنياء، لديهم الآن بعض الاهتمام بسد هذه الفجوات. فقد أظهر مرض «كوفيد-19» أن معالجة التفاوتات الهيكلية لا تفيد الفئات المهمشة فحسب، بل إنها تحمي الدولة كلها من تداعيات الأمراض المعدية.
المراقبة والمساءلة والإنفاذ
ترى خان أن التصدعات في الأساس الذي تعتمد عليه كل السياسات والقواعد - وهو وجود نظام قوي للمراقبة، والمساءلة والإنفاذ - أصبحت واضحة في أنحاء العالم. فديناميكيات السلطة، والفساد أتاحت للأشخاص «أصحاب النفوذ» تجنب القواعد الخاصة بالتباعد الاجتماعي والعزل الذاتي بعد السفر. ومثل هذا النوع من عدم الالتزام يمكن أن يسفر عن زيادة انتشار المرض وضعف الثقة بالسلطات.
الذين يقضون فترات طويلة في أماكن مزدحمة للغاية أكثر عُرضة للخطر.
لا يمكن التقليل من أهمية عدم توافر الدخل المأمون على التحكم في «كوفيد-19».