جاهدة وهبة: أقرّب «الفن النخبوي» للشباب دون تنازلات
يُصنّف الفن الذي تقدمه الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة، بـ«النخبوي»، فهي الملحنة والمغنية والمسرحية التي تغوص بين دفات الكتب لتنتقي من القصائد ما يعبّر عن روحها، وتقدمها بصوتها الرخيم، إذ تغني من ألحانها غالباً، وتشدو بكلمات تحرض على الجمال، وتنتزع الوجع من عالم مستمعيها، وتتميز أعمالها بكونها «أشبه برحلة في عالم الأحلام».
وأكدت جاهدة وهبة، في حوارها مع «الإمارات اليوم»، أنها تسعى إلى جذب الشباب إلى هذا النوع من الفن، دون الحاجة إلى تقديم تنازلات، كاشفة أنها تحضّر لغناء نصوص مترجمة لويليام شكسبير في عمل درامي قريباً.
وأضافت: «يُصنّف ما أقدمه بكونه نخبوياً، ومنذ بداية عهدي اخترت الطريق الجدي في الموسيقى، وفي ألبومي الأخير (أرض الغجر) عملت على جذب الناس إلى المنطقة التي نغني فيها ونقترب منهم من دون أن نقدم تنازلات في الموسيقى، فقد رأيت مع الوقت أن الناس سيتلقفون ما هو راقٍ بشكل جميل».
وأكدت أنها تحب التوجه للشباب، لأن ذائقتهم تُسطح من كل ما يقدم لهم، من خلال الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، وأحاول أن أحفر كوة في جدار هذا الظلام، ومع الوقت لابد أن يصل ما أقدمه إلى الناس، معولة على البيئة السياسية والاجتماعية، والأحداث التي يمر بها العالم، إذ ترى أن تلك الظروف أوجدت صحوة عند الشباب، وهي بدورها من الممكن أن تقود إلى نهضة بالموسيقى.
ورأت وهبة أن الحاصل لابد أن ينعكس على الفن، فالفن ابن بيئته بامتياز، موضحة: «عندما أرى ما هو جدير بالاهتمام من مواهب جديدة أشعر بأنها لا تنال ما تحتاج إليه من إرشاد، علماً بأن هذا يعطي نهضة ويؤدي إلى التحسّن بالمشهد الفني عموماً، فهو لابد أن يأخذنا إلى مكان يحفر كوة في الظلام، فوسائل التواصل الاجتماعي لها الكثير من السلبيات، لكنها في الوقت ذاته توسع مدارك وآفاق الناس، وبالتالي يصبحون أكثر قدرة على تفرقة ما هو سلبي وما هو إيجابي، وبالتأكيد هناك مناداة بالحاجة إلى تقديم ثقافة للناس، وليس المعرفة الهشة، فالثقافة تزيد الوعي والتطلعات السامية أكثر».
مواهب
في ما يخص برامج الهواة، أشارت إلى أن بعضها مناسب، وبعضها الآخر لا يدعم المواهب، وليست جيدة، مشيرة الى أن المواهب يتاح لها الظهور الإعلامي الكبير والمتابعة، وتكون بدايتها جيدة ومختلفة، ثم يتم أخذها إلى ما هو استهلاكي، فهناك لهاث نحو الشهرة والمردود المادي، واصفة الفن بأنه «مقدس»، وعلى الجميع المحاولة للاستثمار في بنك الأصالة والحضارة، فالفن هو الوجه الذي يجعل حياتنا أجمل.
وقالت وهبة إن «كل لون له رداءته، لكن في عصرنا باتت الرداءة توضع بالمشهد المباشر أمام الناس»، لافتة إلى أن التعاون بين شركات الإنتاج، التي أطلقت عليها اسم «الغيلان» والمهرجانات، فهي تسيطر على المهرجانات والفضائيات، وكأننا ندور في حلقة يسيطر عليها الإنتاج الاستهلاكي في الفن.
أغنيات مترجمة
قدمت وهبة مجموعة من الأغنيات المترجمة، منها أغنيات إديث بياف، بالمناسبة المئوية لولادتها، وقدمت حفلاً تضمن 15 أغنية.
وقالت المطربة اللبنانية: «عكفت مع شعراء عدة على ترجمة أعمال بياف لمدة سنة كاملة، للوصول إلى معادل بجمالية أغنياتها، فكانت تجربة صعبة، وتعاونت مع شعراء لنترجمها بشكل سلس وجميل وحافظنا على الوزن، علماً بأن الترجمة أحياناً تظلم النص».
وكشفت أنها ستغني نصوصاً لويليام شكسبير في عمل درامي قريباً، وسيحتوي على نصوص أيضاً لعدد من الشعراء، منهم بدر شاكر السياب، وهو من تأليف أسامة عبدالرسول، وتتعاون فيه مع إحدى الفرق الموسيقية في العالم وهي «براسيل أوركسترا جاز».
حوار الأرواح
يصعب على وهبة أن تختصر نفسها في وصف معين: «أنا عاشقة قبل أن أكون ملحنة ومطربة ومسرحية، وقد حنيت صوتي وأدواتي بالعشق، ولهذا أمد الجسر الجميل من التواصل مع الناس، ولابد أن يلمسهم بمكان ما».
أما شغفها بالشعر، فذكرت أنه في البدء كانت الكلمة «وهي التي تتيح الوصل والعلاقة بين الإنسان والوجود وكل الكائنات، والكلمة حوار الأرواح، والشعر هو الزاد لكل الناس، ويجب أن يكون متاحاً كالخبز اليومي، فهو نهج حياة، وكلما كان المرء شاعرياً تحمل صلف وصعوبة هذا العيش».
أما العلاقة مع القصيدة واللحن ومكان بدء الأغنية، فوصفتها وهبة بـ«غرام وحب»، وكأنها الكائن المعشوق، مشيرة إلى أنها تجلس إليها وكأنها تشكلها، ولكن الموسيقى أيضاً عشقها، مؤكدة أنها لو لم تكن امرأة لاختارت أن تكون موسيقى، فالموسيقى هي النغمات التي تلتقطها من أي شيء أثيري، سواء من خرير النهر أو حفيف الشجر أو صوت دمعة.
أنثى تلحن
رأت جاهدة وهبة أن تجربتها كامرأة تلحن لا تنفصل عن الجاهدات الأخريات، فهذه المسيرة والترحال الطويل عبر البلاد والعالم بدندنة القصائد، جعلتها تقدم الشعر للناس على طبق من موسيقى، ليس محاولة للإضافة على الشعر، وإنما توصيله كي يكون أقرب إلى آذانهم.
ونوّهت بأنه عبر العصور كانت السيطرة في التلحين ذكورية، ولم يتح للنساء أن تكون تجاربهن واضحة وجلية في المشهد التلحيني، ولكن هناك نساء ملحنات بارعات، مضيفة أنها غذت هذا العمل بالدراسة، من خلال تجاربها مع الملحنين والكتّاب والشعراء، وتعتز بأن تكون من الملحنات البارزات في العالم العربي.
• «الشعر هو الوجه الأنقى الذي يجعلنا نتحمل صلف الحياة».
• «في عصرنا باتت الرداءة توضع بالمشهد المباشر أمام الناس».