مسرحيون إماراتيون: «أبوالفنون» سيعود أقوى مما كان
يطول الحديث عن الخسائر التي خلفتها أزمة «كورونا» على صعيد العمل الفني والإبداعي الذي توقف بشكل كلي في الآونة الأخيرة، بالتزامن مع إجراءات العزل المنزلي والتباعد الاجتماعي التي فرضت على الجميع، ما دفع مراقبين وعاملين في المجال إلى توقع تراجع الإقبال على الفنون الأدائية عامة والمسرح خاصة، بسبب التهديد الذي بات يطرحه الوباء لمفهوم الحضور الجماهيري عموماً.
إلا أن الأمر يبدو مختلفاً لدى صنّاع لـ«أبوالفنون»، مع ابتكارهم طرقاً وأساليب جديدة، أسهمت في بث الحياة في فنون «الخشبة»، عبر مبادرات وأعمال وتظاهرات مصاحبة ارتكزت على الفضاء الرقمي لتعلن انتصارها لـ«إرادة الحياة» وبقاءها قيد الإبداع. ولعل تجربة عدد من رواد المسرح الإماراتي، الذين التقتهم «الإمارات اليوم»، خير دليل على الآليات الجديدة والاستراتيجيات الاستثنائية المتخذة لمواكبة المرحلة، عبر أفكار وحلول تحتمل كل «السيناريوهات»، مع رهان على أن المسرح الإماراتي سيعود أقوى مما كان.
عطاء المواهب مستمر
في وصف الآليات الجديدة المتبعة، قال رئيس مجلس إدارة مسرح دبي الوطني، ياسر القرقاوي: «ستستمر الحياة، وستواصل المواهب العطاء والإبداع. أما نحن العاملون في مجال الفنون المسرحية والأدائية والأنشطة الثقافية، فعلى وعي تام بأن المرحلة المقبلة يجب أن تختلف آلياتها عما كنا عليه قبل انتشار الوباء، فقد تعلمنا من هذه التجربة القاسية واستفدنا منها كثيراً».
وأضاف «التواصل الإلكتروني (الذكي) هو الآن محور المستقبل، لذلك كان لزاماً علينا وضع الذكاء الاصطناعي بمختلف ألوانه كأولوية في التعاطي مع جمهور هذه الألفية، استعداداً لجيل مقبل تدرب وتربى على ذلك جيداً، خصوصاً أن أشكال التواصل مع الجمهور باتت واضحة ومحددة المعالم، ليس فقط في الإمارات أو الوطن العربي بل في العالم كله».
وتابع القرقاوي «ستختلف آلية الإنتاج المسرحي، وكذلك طبيعة مشاهدات الجمهور والتغذية، وقد قمنا في مسرح دبي الوطني بتغذية وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات التواصل الافتراضي بفيديوهات المسرحيات السابقة والكثير من المحاضرات والمقابلات والندوات، كما أعلنا عن المسابقات التي يمكن للجمهور المشاركة فيها عن بُعد وقائمة من الفعاليات والمؤتمرات والأنشطة الثقافية في مجال الفنون الأدائية التي ستكون منصاتها متفاعلة إلكترونياً ومتناسبة مع المتغيرات الحالية. أما المسرح فسيعود أقوى مما كان عليه، والجمهور متعطش دوماً لحضور المسرحيات في فضاء القاعات المخصصة لها، فهي متعة لا تضاهيها متعة، واستراتيجيتنا الحالية تحتمل كل السيناريوهات التي نحن مقبلون عليها».
تواصل
من جهته، أكد المسرحي الإماراتي عبدالله صالح، أن انتشار وسائل الإعلام الجديد ساعد على إقامة العديد من الأنشطة المساعدة على استمرارية العرض المسرحي، وأبرزها الورش الافتراضية والمحاضرات، وصولاً إلى «البث التدفقي» لعرض مختلف الأعمال، منوهاً بالحلول العملية المطروحة والخاصة بالعوائد المادية المجزية لتشجيع ثقافة «الفرجة»، مثل بيع التذاكر «أونلاين» وتحميل الروابط الإلكترونية للمسرحيات والأعمال الفنية.
وتوقف صالح عند تجربة مسرح دبي الوطني في إقامة العديد من الندوات والمحاضرات حول دور الفنان الإماراتي في مواجهة هذه الجائحة: «لا أعتقد أن المسرح في الإمارات مهدد، فكل جهة أو هيئة مسرحية استطاعت أن تجد أساليب ناجحة للتواصل مع الجمهور، مثل تجربة جمعية المسرحيين ومسرح دبي الوطني الخاصة بالمجالس الرمضانية الافتراضية التي عقدت في شهر رمضان وفترة العزل، هذا إلى جانب الجهود الحثيثة التي تقوم بها الهيئة العربية للمسرح لإعادة الحياة إلى الحركة المسرحية محلياً وعربياً».
مبادرات مبدعة
أما الفنان الإماراتي عمر غباش، فنوّه بقيمة التفاعل المباشر والاتصال الوجداني مع المتلقي في تكريس جمالية العرض المسرحي وحتى مصداقيته، معتبراً في الوقت نفسه أن الوسائط الإلكترونية وإن كانت بدائل مؤقتة اليوم لمنصات العرض، ساعدت المسرحيين على فتح قنوات جديدة وعدم الانغلاق والعزلة بسبب كورونا.
وأكد أنه لا يمكن للفيروس أن يكون سبباً في توقف المسرح أو أي نشاط فني أو ثقافي يختص بإبداع البشر، لاسيما أن الكثير من الكوارث والأوبئة التي حلت بالبشرية لم تكن السبب في انقراض أي نوع من الفنون وأعتقد أن أفضل فن مسرحي يمكن تقديمه في الفترة المقبلة هو (المونودراما) التي تعتمد على الممثل الواحد الذي قد يكون المؤلف والمخرج وصاحب الرؤية الشاملة للعمل المسرحي»، لافتاً إلى أنه لا توجد في الفترة الراهنة آلية عمل متكاملة تسهم في دعم الأعمال المسرحية التي يمكن أن تقدم حالياً، خصوصاً أن العمل المسرحي لا يمكن أن يعتمد على تمويل شخصي من الفنان نفسه». وذكر غباش أنه استفاد من فترة العزل لإطلاق قناة رقمية مفتوحة عبر منصة «يوتيوب» ومتاحة لجميع المبدعين، أطلق عليها اسم «قناة المسرح والدراما»، لينجح من خلالها في تقديم مسرحيته «الحلاج وحيداً» التي أعدها للعرض الرقمي خلال فترة العزل.
أفكار خلاقة
بينما كشف رئيس مجلس إدارة مسرح أم القيوين الوطني، الفنان الإماراتي سعيد سالم، عن مبادرة مبتكرة تبنى من خلالها مجلس الفنانين المنبثق عن جمعية المسرحيين بالشارقة عرض العديد من الأعمال المسرحية الإماراتية عبر «يوتيوب»، في محاولة لنقل متعة الفرجة المسرحية إلى المنازل وإرضاء الجمهور المتعطش للأعمال المسرحية التي تعطل عرضها بسب الجائحة. وأضاف «لعل هذه الخطوة قد خدمت المسرح الإماراتي بدرجة كبيرة وفتحت الأبواب أمام الجمهور للاطلاع على كلاسيكيات المسرح الإماراتي وغالبية المسرحيات التي قدمت في مهرجانات معروفة؛ مثل أيام الشارقة المسرحية، ومهرجان دبي لمسرح الشباب، ومهرجان الإمارات للطفل، أما ما حدث مؤخراً بسبب الأزمة، فيجب أن يعتبره الفنان والمبدع وقفة تأمل لدراسة وتقييم ما قدمه في الماضي، وما يمكن أن يقدمه من مشاريع فنية جديدة للخشبة».
عبدالله صالح: الكرة في ملعب نجوم «السوشيال»
رغم الانتقادات والمآخذ العديدة التي تسجل بحقهم، يعترف الفنان عبدالله صالح بضرورة استعانة «أبوالفنون» اليوم بنجوم وسائل التواصل الاجتماعي، موضحاً: «لنعترف أن الكرة الآن في ملعب نجوم (السوشيال ميديا) الذين يمكن أن نستعين بهم للمساهمة في الترويج للأعمال المسرحية في هذه الفترة العصيبة، ورفع نسب المشاهدة والمتابعة لمختلف أعمالنا المسرحية». وأضاف «نحن مجبرون في هذه الفترة على التعامل معهم والخروج من البرج العاجي.. لنعترف أن هذا زمن (السوشيال) والإعلام الجديد، وعلينا أن نتكيف مع المتغيرات».
آلية الإنتاج المسرحي ستختلف، وكذلك طبيعة مشاهدات الجمهور.
الأزمة فرصة للمبدع لتأمل وتقييم ما قدمه، وما يمكن أن يطرحه على الخشبة.