فنان جزائري: «شظايا بيروت» أصابتني وأصبحت جريحاً مثلك يا لبنان
«شظايا انفجار بيروت تناثرت ووصلت إلى الجزائر وأصابتني، وأصبحت جريحاً مثلك يا لبنان».. بهذه الكلمات عبّر الفنان التشكيلي الجزائري، عبدالحليم كبيش، عن عمله الذي يحمل عنوان «شظايا بيروت»، الذي رسم فيه هول الفاجعة التي أصابت مدينة كاملة، فدمرت بيوتاً وقتلت أبرياء، فكانت لوحته غارقة بالدمار، ومدرّجة الدماء، ثم ما لبث أن استكملها بالإيحاء، ليجعلها أكثر نقلاً للواقعة، فرسم على جسده باللون الأحمر واستلقى على الأرض بقربها، ليجسّد الشظايا التي أصابته، وأصابت كل من رأى حجم الكارثة.
بكثير من الألوان القاتمة التي تحتل مساحة كبيرة من اللوحة، جسّد كبيش الدمار، ليترك النار تتصاعد منها إلى السماء، وتحل مساحة شاسعة من العمل الفني، فيما وبعد الانتهاء منها ولتقديم الإيحاء، ترك الدماء تتدرج من اللوحة وتطال جسده المُلقى على الأرض.
نرتبط باللحظة
قال كبيش، لـ«الإمارات اليوم»، عن العمل: «أنتمي لمجموعة فنانين يستلهمون موضوعاتهم من الواقع، فأعمالي دائماً ترتبط باللحظة، وما يعيشه الإنسان في كل مكان، سواء في الجزائر أو في أي مكان حول العالم، وعندما رأيت الانفجار، وهو مصيبة موجعة، كانت لي ردة فعل، ومن هول الكارثة وحجمها، وبما أنني ارتبط بعلاقة عميقة بلبنان، حتى على المستوى الشخصي، إذ لدي كثيرون من الأصدقاء في هذا البلد الحبيب، تناولت الفرشاة والألوان ووصلت الليل بالنهار وجسّدت اللحظة». وأضاف: «عندما أتممت العمل، وجدت أن اللوحة لا تكفي، وأنها غير مكتملة، وهناك عنصر معين ينقصها، ولهذا ارتأيت استكمال الألوان بفن الإيحاء، فجعلت جسدي جزءاً من اللوحة، إذ أصبح الفضاء واللوحة والجسد جميعاً تمثل العمل ككل، وهي صيغة معاصرة للتعبير في الفن».
ورأى المبدع الجزائري أن «فن الإيحاء الذي استخدمه في العمل، يمنح العمل كثيراً من القوة في المشهد الذي يقدم، إذ تعمد استخدام هذا النوع من التعبير، لأنه أراد وسيطاً تعبيراً ينجح في إيصال المشهد والوجع للمتلقي بالقوة نفسها التي اتسمت بها الكارثة، خصوصاً أن الجرح كان كبيراً».
وأكمل عن مفهوم العمل: «أردت أن أوصل للعالم، أن هناك شظية وصلت الى الجزائر، إلى بيتي ومرسمي وأصابتني، وأصبحت جريحاً مثلك يا لبنان، فالشظايا من هذا الانفجار وصلت إلى كل العالم، وأصابتنا جميعاً».
لم أشعر بالوقت
قدم كبيش العمل بعد ساعات متواصلة من العمل، فبعد رؤية الخبر على شاشات التلفزيون، وجد نفسه في لحظة تستدعي التعبير من خلال الرسم، موضحاً أنه «في أثناء العمل الفني لم يشعر بالوقت، فعمل لساعات متواصلة على اللوحة، وصلت إلى ما يقارب 10 ساعات، ووصل فيها الليل بالنهار دون أي شعور بالتعب».
ولفت إلى أنه «حين يبدأ الرسم يغيب عن الواقع وعن البُعد الزمني، وفي لحظتها وجد نفسه في عالم آخر، وتحديداً في وسط بيروت».
يرتبط كبيش ببيروت من خلال الذاكرة، فكانت له زيارات للمدينة، ويعرف شوارعها وأبنيتها وهذا ما جعله أكثر تأثراً بالحادثة، فالعلاقة عميقة مع المدينة، وليس فقط لأنه رأى المشهد عن بُعد، إذ شعر بالفاجعة، خصوصاً أن هناك تشابهاً وتقارباً كبيراً بين العاصمة الجزائرية وبيروت.
ورأى أن «الفنان حين يجد نفسه أمام الكوارث لا يمكنه ألا يتأثر، وعندها تتكون لديه الأحاسيس الموجعة، ولكن تعبيره يكون مختلفاً، فهناك من يبكي أو يصرخ أو يغني والتشكيلي يرسم».
ليست بيروت فقط هي التي أصابت كبيش بالألم، إذ جسد الكثير من أوجاع الأوطان العربية في لوحات تعبّر عن الكوارث التي طالت العديد من البلدان، معتبراً أن «الفنان ينتمي للإنسانية».
قدم الفنان، أخيراً، لوحة خاصة عن «كورونا»، التي رسم فيها الطبيب الذي يحمل معه كثيراً من أدوات المستشفى، وكأنه وحده يحمل الهمّ الأكبر في محاربة الوباء، ليعبّر من خلالها عن الثقل الكبير الذي يلقى على عاتق الطبيب، الذي يعاني هذه المرحلة.
سيرة «حليم»
ولد عبدالحليم كبيش في عام 1972، ودرس الفنون الجميلة، وحاز دبلوم الدراسات العليا في الفنون. شارك في معارض فردية وجماعية، ونال عدداً من الجوائز. ويتجه إلى المدرسة التعبيرية في رصد الواقع، ولكنها تعبيرية تحمل ملامح خاصة أطلق عليها النقاد «تعبيرية حليم».
لوحة غارقة في الدمار، ومدرّجة بالدماء، وبقربها جسد مُلقى على الأرض ملوّن بالأحمر من أثر «الشظايا».