تتعامل مع أماكن وأحداث من النصوص الخيالية وحياة مؤلفيها
السياحة الأدبية.. فرصة استثمارية غير مستغلة في العالم العربي
قال مدير إدارة الآداب بالإنابة في هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة»، الكاتب محمد الحبسي، إنه رغم بروز السياحة الأدبية كأحد قطاعات السياحة الرئيسة في كثير من البلدان المتحضرة، فإنها لاتزال غائبة عن خارطة السياحة في الوطن العربي، مؤكداً أن لهذا النوع من السياحة فرصة واعدة لأن تؤتي ثمارها في المنطقة العربية، التي تزخر بالعديد من الأسماء والشخصيات الأدبية العظيمة، التي بنت أمجاداً تضاهي أمجاد أدباء وفلاسفة الغرب، ولابدّ من تفعيل هذه الفرصة.
وأوضح الحبسي الفرق بين السياحة الأدبية والسياحة الثقافية، قائلاً: «السياحة الأدبية هي نوع من السياحة الثقافية بمفهومها الشامل، ولها كيانها المستقل ونقاط جذبها المختلفة، فهي تركز على المجال الأدبي وتتعامل مع أماكن وأحداث من النصوص الخيالية، وكذلك حياة مؤلفيها. ويمكن أن يشمل ذلك اتباع الطريق الذي سلكته شخصية خيالية أبدعها روائي، أو زيارة مكان معين مرتبط برواية أو روائي، مثل منازلهم، أو زيارة قبور شعراء. هناك أيضاً طرق ودروب كانوا يرتحلون فيها سابقاً الشعراء والأدباء، مثل طريق توماس هاردي، على سبيل الذكر».
خطوات تنفيذية
على المستوى المحلي، لفت الحبسي إلى أن السياحة الأدبية لاتزال ضمن الإطار المفاهيمي في الإمارات، ولم تُتخذ بعد خطوات تنفيذية لهذا المفهوم، مشيراً إلى أن هناك بعض الطموحين ممن يولون هذا الأمر أهمية الآن، ويتطلعون إلى رؤية هذا اللون من السياحة مزدهراً على الساحة المحلية في المستقبل القريب، نظراً إلى آثاره الإيجابية على الدول التي تتبناه، وما يعود به من فائدة في دعم الاقتصاد الإبداعي.
وشرح الكاتب الإماراتي أن التنفيذ الفعلي للسياحة الأدبية يكون من خلال التركيز على ثلاثة حقول: الحصر، والبحث، ووضع الأنظمة والمنهجيات. وقال: «على مستوى الحقل الأول، يتطلب الانطلاق بسياحة أدبية في الدولة حصر الأماكن التي تثريها، وهو يتألف من شقين: أولهما حصر الأماكن والمواقع التي أوحت ببعض الإنتاجات الروائية أو الشعرية للأدباء بشكل عام، من شعراء ورواة ونقاد وقاصين، وغيرهم من الوجوه الأدبية، وثانيهما حصر الفضاءات والأماكن التي تناولتها الأدبيات الإماراتية».
مزارات سياحية
أضاف الحبسي: «الإمارات أنجبت رموزاً أدبية من كتاب وشعراء يستحقون أن تتحول بيوتهم إلى مزارات سياحية أو متاحف، كما تستحق أعمالهم الاهتمام بها وتسخيرها لتعزيز حضور السياحة الأدبية. ومن بين هذه الأسماء، الماجدي بن ظاهر أول شاعر نبطي على مستوى الخليج، الذي حقق شهرة واسعة وتوفي قبل 300 عام، وكان منزله في رأس الخيمة. وكذلك الملاح أحمد بن ماجد، الذي توفي في عام 1592، وكانت لديه أراجيز أدبية ذكر فيها الأفلاك والنجوم والرياح ومواسمها، منها ما يدرس في أوروبا، و لايزال جزء من بيته قائماً في رأس الخيمة».
وتحدث الكاتب الإماراتي عن أماكن معروفة في الإمارات كانت تشكل ملتقيات يتسامر فيها الشعراء، ومقاهي يلتقي فيها الأدباء، وطرق ارتحل فيها الشعراء من بيئة لأخرى، مثل «درب عشيو»، وهو الطريق الرابط بين رأس الخيمة والذيد، منوهاً: «لو قمنا بتخصيص 500 متر من هذا الطريق، على سبيل المثال، لإقامة مزار وترميم المنطقة، فستشكل مَعلماً سياحياً أدبياً لدولة الإمارات. كما يمكن أخذ شجرة الغاف كمثال آخر، فهناك شجر ضخم عمره لايقل عن عشرات السنين كان كثير من الشعراء يجلسون تحت ظلالها ويلقون العديد من قصائدهم، فضلاً عن الطويان (الآبار) التي اعتاد الشعراء التحلّق حولها للتغني بأشعارهم وضرب الأمثال، تلك معالم يجب الاحتفاء بها وإحياؤها أدبياً».
أما الفضاءات والأماكن التي تناولتها الأدبيات الإماراتية، فشدد الحبسي على ضرورة إحيائها أيضاً، وذلك عن طريق ترتيب رحلات سياحية إلى طرق وفرجان وأماكن ورد ذكرها في كتب أو أعمال روائية حصلت على جوائز أدبية.
بحث وتصنيف
أكد الحبسي أن الحقل الثاني لتنفيذ هذه السياحة، يكون بعملية البحث والتصنيف وجمع التفاصيل المتعلقة بطبيعة الحياة التي كانت سائدة في الفترات التي عاصرت الشعراء والأدباء الإماراتيين، وتوثيق أشعارهم، والفصول المرتبطة بإبداعاتهم، والأشخاص الذين أسهموا في نشر تلك الأشعار والنتاجات الأدبية، مشيراً إلى أن تلك المعلومات من شأنها دعم عملية الترويج لتلك المعالم الأدبية وجذب الزوار إليها وتقديم تجربة غنية لهم.
أما في ما يتعلق بالحقل الثالث، فنوه الحبسي إلى أهمية وضع أطر تنظيمية ومنهجيات عمل لتطوير السياحة الأدبية، مثل إقامة شراكات واتفاقات بين جهات داخلية وخارجية مختصة بهذا المجال، مشيراً إلى ضرورة الشراكة مع الجهات الدولية المعنية بالسياحة بشكل خاص، لوضع خطط عملية من أجل ترجمة المحتوى الخاص بسياحتنا الأدبية على شكل وثائقيات وصيغ ترويجية متنوّعة تتناول البيئة الإماراتية وترويجها خارجياً، ما يسهم في جذب السياح والشخصيات الأدبية إليها.
رموز ادبية
يرى مدير إدارة الآداب بالإنابة في «دبي الثقافة» أن إمارة دبي تحتضن الكثير من الرموز الأدبية التي يجب أن تأخذ حقها من الاهتمام ضمن خطة تعزز السياحة الأدبية، منوهاً إلى أن «دبي للثقافة» تولي أهمية كبيرة لوضع الأسس لسياحة أدبية في الإمارة، وإنعاش الاقتصاد الإبداعي فيها، باعتبار ذلك واحداً من الأولويات القطاعية لخارطة طريق استراتيجية الهيئة المحدّثة، مشيراً إلى أن الهيئة تعمل على دراسة تتناول السياحة الأدبية، وهي ما تزال في مراحلها الأولية، وسيتم تطويرها ووضع خطط نموذجية لتنفيذها.
الإمارات أنجبت رموزاً أدبية يستحقون أن تتحوّل بيوتهم إلى مزارات سياحية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news