ذاكرة الوطن: صناعة الفخار.. ذاكرة الطين تقاوم الزمن
«ذاكرة الوطن»
صفحة أسبوعية تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، بهدف التعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها، وربطها بما يحققه قادة الإمارات، اليوم، وأبناؤها من إنجازات شهد لها العالم.
تمثل صناعة الفخار والخزف واحدة من الصناعات الأكثر قدماً وعاملاً مشتركاً بين كثير من الحضارات القديمة، وتشير عمليات التنقيب والبحث عن الآثار إلى أن الإمارات عرفت صناعة الفخار منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد (3000-2000 قبل الميلاد)، وقام السكان الأوائل بصنع الأدوات والأواني المختلفة لاستخدامها في حياتهم اليومية لحفظ الطعام، وغير ذلك من الأغراض.
وتشير التنقيبات إلى أن صناعة الفخار انتشرت من آلاف السنين، وصنع سكان المنطقة العديد من الأواني الفخارية، من بينها أوان استخدمت في حفظ الطعام ونقله، أو في تقديم القرابين، إضافة إلى صناعة المباخر والمزهريات والمدافئ. ومن بين الأشكال الفخارية التي لاتزال مستخدمة حالياً «الحِب»، وهو عبارة عن إناء مصنوع من الفخار يقوم بتبريد مياه الشرب الموجودة في بيئة مرتفعة الحرارة وفي مناخ صحراوي جاف، و«البرمة»، وهي قارورة مستخدمة في حفظ وتخزين الحليب الطازج، ووعاء «الجِر»، وهو وعاء مخصص لتخزين التمر والسمك المجفف.
ألوان الطين وأنواعه
توفر الخامات المستخدمة في صناعة الفخار في المنطقة، وحاجة السكان لأدوات فخارية لطهي الطعام ونقل الماء وحفظه، كانت من أبرز أسباب انتشار صناعة الفخار واستمرارها، بحسب ما تذكر «موسوعة زايد.. الإمارات والتراث»، الصادرة عن الأرشيف الوطني، للكاتب حمدي تمام، لافتاً إلى أن هذه الصناعة تتركز الآن في إمارة رأس الخيمة. كما تشير الموسوعة إلى أن أنواع الطين المستخدم في صناعة الفخار تختلف من مكان إلى آخر وفقاً لاختلاف التربة وطبيعتها، وفي الإمارات هناك ثلاثة أنواع يتم استخدامها هي: الطين الأحمر والطين الأصفر والطين الأخضر، ويتم خلط الأنواع السابقة مع بعضها بنسب معينة، ويتم جلب الطين من الجبال القريبة في وادي شمل.
هناك ثلاث طرق لصناعة الفخار: الأولى تتمثل في التشكيل عن طريق عمل نماذج مفردة كل قطعة تعمل باليد على حدة. والثانية استخدام القوالب حيث يتم عمل قالب لكل آنية تصب فيه العجينة وترفع بعد «فخره»، أي وضعه في النار ثم إخراجه من الفرن. أما الطريقة الثالثة فتعتمد على استخدام «الدولاب» أي العجلة، وذلك بوضع الطين في دولاب يدور وتشكل الطينة أثناء الدوران من أعلى وأسفل إلى أن يتم الشكل المطلوب.
مراحل صناعة الفخار
تشير الموسوعة إلى أن الحِرفي «الفخاري» كان يتولى تصنيع الفخار في السابق بالورشة في كل مراحله، وهي: الجلب والإعداد والتحضير والصنع والتوليف والحرق، وبعد أن زادت كثافة العمل احتاج الحِرفي لمن يساعده حتى يتمكن من تلبية الطلبات وزيادة الإنتاجية، فأصبح العمل بالورشة يقوم به أكثر من شخص، وأدى ذلك إلى توزيع العمل وفقاً لكل مرحلة، وأصبح هناك نوع من التخصص في العمل، ومن أهم الوظائف في الورش هي: الصنّاع وهو الحِرفي الذي يقوم بصنع الفخار، والمولف أو المشطب وهو العامل الذي يتدرب على الصناعة ولا يتقنها فيقوم بعمل الأشياء البسيطة، مثل التوليف والتشطيب النهائي للإناء، والمساعد الذي يقوم بتجهيز الطين وتحضيره، ويساعد في نقل الأواني وصفها داخل الورشة والفرن عند الحرق.
ويتم إعداد الطين عبر خطوات عدة، تبدأ بجلبه من مكان وجوده بواسطة الدواب قديماً، وحالياً ينقل بالسيارة إلى الورشة، ويتم ضربه بعصا «القصار»، لتنعيمه ما يساعد على نخله، وبعد ذلك يكون جاهزاً لعملية الإعداد، وتتم العملية في بركة دائرية الشكل نصف قطرها متر ونصف المتر بجوارها ثلاث برك مستطيلة الشكل، ويتم وضع 24 جفيراً من الطين الأحمر و65 من الطين الأبيض والأخضر، ويصب عليها الماء ثم يترك لمدة ساعتين، ثم يأتي العمال وينزلون إلى داخل البركة الدائرية التي بها الماء والطين لعملية الخلط واستخراج الشوائب بواسطة «المشخال»، وعند التأكد من عدم وجود أي شوائب في الطين، يتم وضع المصفاة على فتحة في البركة، كي يتم توزيع ما بها على البرك الثلاث الأخرى، وتتصل البرك الثلاث بواسطة فتحات مع بعضها، ويترك الطين حتى يتماسك، ثم يأخذ الصانع منه ما يريد.
تاريخ الفخار في الإمارات
يعود تاريخ الفخار في الإمارات، حسب الدليل الأثري، إلى فترة «أم النار»، أي الـ1000 الثالث قبل الميلاد، إذ وجد في المقابر التي اكتشفت في أبوظبي والعين، ثم ظهر في رأس الخيمة، ومن ثم في الشارقة وبقية إمارات الدولة، بوفق ما أوضحه مديرعام هيئة الشارقة للآثار، الدكتور صباح جاسم، في تصريحات له نشرت في تقرير للباحثة شيخة الغاوي في عام 2011، وكان في منصب مدير إدارة الآثار رئيس بعثة التنقيب المحلية في إمارة الشارقة في ذلك الوقت، مشيراً إلى أن الإنسان الإماراتي بدأ في صنع الفخار قبل 2500 عام من الوقت الحالي، حيث تؤرخ فترة أم النار من عام 2500 قبل الميلاد، وتنتهي في عام 2000 قبل الميلاد، وقد احتوت مقابر أم النار على كميات كبيرة من الأوعية الفخارية، لافتاً إلى أنه لا يوجد دليل واقعي قبل هذه الفترة على ظهور الفخار، مرجحاً في الوقت ذاته أن بعض الفخار الذي ظهر في المواقع الأثرية - التي يعود تاريخها إلى الـ1000 الخامس قبل الميلاد - كان مستورداً.
وأوضح جاسم أن بعض المواقع الأثرية القديمة احتوت على جميع أنواع الصناعات، ولكن لم يوجد بها فخار وقال: «ربما لم يكن الإنسان القديم قد اهتدى لصناعة الفخار بعد، لكن بداية معرفته بهذه الصناعة قد يكون خلال فترة أم النار عن طريق الفخار المستورد، خصوصاً أن الإمارات شهدت منذ الـ1000 الخامس قبل الميلاد علاقات تجارية قوية مع عدد من الحضارات المجاورة».
أول مرة
قال الباحث الأثري الدكتور صباح الجاسم: «إنه تم اكتشاف الفخار لأول مرة في دولة الإمارات من قبل البعثة الدنماركية في أواخر الخمسينات في جزيرة أم النار بأبوظبي، ثم ظهر في مدينة العين وفي أماكن أخرى من الدولة». وأضاف أن «حضارة أخرى سُميت حضارة وادي سوق ظهرت في بداية الـ1000 الثاني، حيث استمر صنع الأواني الفخارية وزادت أنواعها وتعددت أشكالها، وتغيّرت طرق صناعتها وزخرفتها وتطوّرت مع مرور الوقت».
- يعود تاريخ الفخار في الإمارات إلى فترة «أم النار»، أي الـ1000 الثالث قبل الميلاد.
- تم اكتشاف الفخار لأول مرة في دولة الإمارات من قبل البعثة الدنماركية في أواخر الخمسينات.
- السكان الأوائل صنعوا أدوات وأواني للاستخدام في حفظ الطعام، وغير ذلك من الأغراض.
- «الحِب»،عبارة عن إناء مصنوع من الفخار يقوم بتبريد مياه الشرب الموجودة في بيئة مرتفعة الحرارة.