تم اختيارها في 2008 الشجرة الوطنية للإمارات
«ذاكرة الوطن».. «الغاف».. شجرة «التسامح» التي منع الشيخ زايد قطعها
«ذاكرة الوطن»
صفحة أسبوعية تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، بهدف التعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها، وربطها بما يحققه قادة الإمارات، اليوم، وأبناؤها من إنجازات شهد لها العالم.
يمثل احتفال العالم بـ«اليوم العالمي للأخوة والإنسانية» في الرابع من فبراير، احتفاءً بـ«وثيقة الأخوة الإنسانية»، التي وقّعها فضيلة شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الكاثوليكية في أبوظبي عام 2019، دليلاً على ما تبذله دولة الإمارات في سبيل نشر قيم التسامح والمحبة وقبول الآخر على مستوى العالم، وهو نهج كرّسه الوالد المؤسّس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، باعتباره واحداً من أسس قيام الدولة.
وتحفل الثقافة الإماراتية بالعديد من الرموز التي ارتبطت بالتسامح والعطاء والتعايش، ومن بين هذه الرموز شجرة الغاف، التي سبق وقامت الإمارات باختيارها شعاراً رسمياً لـ«عام التسامح 2019»، ووصفها صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، قائلاً: «شجرة الغاف مصدر الحياة وعنوان الاستقرار في وسط الصحراء، كانت ظلالها الوارفة مركزاً لتجمع أجدادنا للتشاور في أمور حياتهم».
«الغاف» الشجرة الوطنية
وتم إعلان شجرة الغاف الشجرة الوطنية لدولة الإمارات في عام 2008، ويرجع هذا الاختيار لما تمتلكه هذه الشجرة من قدرة عجيبة على التأقلم المثالي مع البيئة الصحراوية القاحلة للدولة، فهي شجرة تتحمّل الجفاف، ويمكن أن تظل خضراء حتى في البيئات الصحراوية القاسية، إلى جانب أهميتها للإنسان والحيوان وللحفاظ على توزان البيئة كذلك.
وقد اهتمّ المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بزراعة الأشجار عموماً، وأشجار الغاف خصوصاً، وأصدر توجيهاته بمنع قطعها في جميع إمارات الدولة، كما أمر باستزراع غابات جديدة منها، حتى أصبحت هناك ملايين الأشجار في الدولة.
مشكلة التصحر
وتعدّ شجرة الغاف واحدة من أكثر الأشجار البرية التي تتحمّل درجات الحرارة والجفاف الشديد، وهي تنمو في الإمارات بكثرة مع أشجار القرط والنيم والسدر، كما تتحمّل الملوحة العالية ولا تستهلك الكثير من المياه وتتحمّل تقلبات الجو والرياح، وهي ملائمة للزراعة في التربة الملحية الرملية، بما يجعل منها حلاً مثالياً لمشكلة التصحر، إذ تثبت الكثبان، وتحسن التربة، وتتكاثر تلقائياً بإطلاق فروع جديدة من جذورها الأصلية، وهو ما جعلها أصلح وأنسب ما يمكن أن يتم به تشجير الصحاري، وإقامة مصدات للرياح مع أحزمة الوقاية الخضراء، كما تستخدم لتشجير الشوارع والطرق والمتنزهات العامة تزيّنها وتضفي عليها سمة جمالية راقية.
منجم نباتي وبيئي
تعتبر شجرة الغاف منجماً نباتياً، إلى جانب أنها من أغنى الأشجار بالفوائد التي استفاد منها سكان الصحراء، فكانوا يأكلون أوراق الغاف، ويستخدمون خشبها وقوداً ومادة للبناء والأثاث، ويقيمون حظائر مواشيهم في غياضه. واليوم أضيفت إلى قيمتها الاقتصادية ميزة جمالية في بعض المدن والقرى، حيث باتت تزرع بكثافة. ومن فوائدها البيئية قدرتها على تقليل الانبعاثات الكربونية من خلال امتصاصها، وبذلك تساعد في تقليل آثار التغيّر المناخي، حيث إن شجرة الغاف التي يصل عمرها إلى 10 سنوات، يمكنها أن تحتجز نحو 34.65 ألف كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، إلى جانب قدرتها على تحمّل الجفاف، وتستطيع الشجرة امتصاص المياه من 20 متراً تحت سطح الأرض.
وتلعب أشجار الغاف دوراً مكملاً للسلسلة الغذائية في النظام الإيكولوجي، إذا زال أحدث انقراضاً نهائياً لأنواع أخرى في ذلك النظام، حيث تعتبر أزهار شجرة الغاف وثمارها وأوراقها وأغصانها ولحاؤها وجذورها، موارد وموائل لتشكيلة من النباتات والحيوانات المتوطنة، فتبني طيور كثيرة أعشاشها في شجر الغاف، ومنها البومة النسرية الصحراوية والغُداف البني الرقبة والدوري والصقر الطويل القائمتين. وتعشش أنواع أخرى في تجاويف الجذوع والأغصان. وتلجأ طيور كثيرة إلى هذه الأشجار لتبيت فيها. وتقيم يرقات الخنافس والفراشات على ثمارها. ويدخل أبو بريص (سام أبرص) شقوقاً في لحائها الخشن ليستريح أثناء النهار، كما يضع بيضة فيها. ويجني النحل رحيق أزهارها لينتج عسلاً رفيع الجودة. وتمتص الزيزان العصير من لحائها، فيما تستخلص يرقاتها الغذاء من الجذور، وتتخذ نباتات شجيرية ومتعرشة من أشجار الغاف دعامات تنمو عليها. وتوفر ظلالها مناخاً مؤاتياً لكثير من الحيوانات في حر الصيف الحارق، وتؤوي الجذور جراثيم تثبت النيتروجين الجوي في التربة ما يزيد خصوبتها.
محمية نزوي
وتقديراً لمكانة «الغاف» في الثقافة الإماراتية، وفوائدها البيئية، تم إنشاء محمية «غاف نزوي» في دبي، وتعتبر من أصغر المحميات في دبي، بهدف الحفاظ على النظام البيئي والتنوّع البيولوجي فيها، وتتميز بوجود أعداد من أشجار الغاف، التي تظهر على شكل غابات من الأشجار التي تكسو المنطقة، وتوفر بيئة ظليلة وجاذبة لمختلف أنواع الطيور والحيوانات، وضمن مشروع ترقيم الأشجار المعمّرة سجلت بلدية دبي 5972 شجرة غاف معمّرة من بين 10 آلاف شجرة تم رصدها في المناطق الحضرية.
«الغاف» في الثقافة الإماراتية
لم تغب شجرة الغاف عن الأدب والثقافة الإماراتيين قديماً وحديثاً، ويكشف الكاتب والباحث سلطان العميمي، في كتابه «معجم الغاف في دولة الإمارات»، الذي يعدّ أول معجم من نوعه يصدر في المنطقة، أن تاريخ ورود شجرة الغاف في الشعر النبطي في الإمارات قديم، ويعود بحسب الرواة إلى أكثر من 300 سنة، إذ يرتبط بأقدم شاعر نبطي وصلنا إنتاجه الشعري في الإمارات، وهو الماجدي بن ظاهر (توفي في مطلع القرن الـ18)، ويروي الرواة الشفاهيون تغرودة له عن شجرة الغاف التي لجأ إليها، كي تنقذ ناقته «إختيلة - ناقة ابن ظاهر» من الموت قائلاً:
«الغاف لو ينفع نفع إختيله ماتت وهوه لها يخرط الكيلة».
ويتطرّق العميمي في الكتاب إلى ارتباط «الغاف» بالثقافة الشعبية في الإمارات، موضحاً: «تحضر الغافة في الثقافة الشعبية المحلية لأهل الإمارات بشكل واضح في جوانب عديدة، إذ تتجلى في جانب منها ظاهرة المسميات، التي أطلقت على عدد غير قليل من أشجار الغاف وأماكن وجودها ونموها، والتي ساعدت في تخليد عدد غير قليل من الأحداث التاريخية والأسماء والظواهر البيئية في المنطقة مثل: غافات زايد وعود ميثا ودمية بخيتة وشرف الركبان وقط الصفارد، كما حملت بعض المناطق والآبار والمرتفعات الرملية أسماء كان لوجود شجرة الغاف فيها أو قربها دور في اشتقاق التسمية، مثل: أم غافة والغويفات والغافية، وتحمل هذه المسميات الدلالات الخاصة بفلسفة تسميتها».
«الغاف» والتسامح
يتجه الباحث سلطان العميمي، إلى وضع تفسير لعلاقة «الغاف» بقيم التسامح والتعايش في المجتمع، مشيراً إلى أن «هذا التعايش بين الإنسان والحيوان والنبات في المنطقة، يظهر لها جوانب حضارية مجتمعية مهمة، نابعة من رؤية بعيدة المدى لحاضر ومستقبل مختلف الأجيال، وإدراك عميق بأهمية المحافظة على التوازن البيئي في المنطقة، ولا شك أن في هذا التعايش جزءاً من منظومة التسامح الذي لا يقتصر حضوره على عالم الإنسان فقط، بل ويتصل أيضاً بالإنسان والحيوان، وهو المنطلق الذي يمكن من خلاله الوقوف على حضور التسامح والتعايش بين أهل المنطقة وبقية عناصر الحياة، حيث تنتفي أنانية العيش الفردي، ويحضر الحرص على حياة الجميع وحصولهم على موارد كافية ومتساوية للحياة والعيش تحت مظلة منظومة العدالة، حتى في هذه الحالة».
استخدامات عدة
تمتلك أشجار «الغاف» مميزات عدة، ما يجعلها صالحة لاستخدامات كثيرة، فخشبها لا يصدر دخان عند الاحتراق، ما يجعله مناسباً لطهي الطعام، إلى جانب استخدامه في أغراض البناء وصناعة الأدوات الخشبية والأثاث، ويمكن طحن ثمرة شجرة الغاف وتحويلها إلى خبز حلو الطعم يؤكل كغذاء مفيد غني بالمواد البروتينية والسكرية، ويستخدم صمغ أشجار الغاف في طلاء الفخار، وكغراء، وتدخل مكوناته في تصنيع صبغات الشعر. بينما اعتاد العديد من الناس على زراعة شجرة الغاف لمنافعها الطبية، فهي تعمل على حل مشكلات الجهاز الهضمي المتعددة، وتستخدم في صناعة الأدوية المتخصصة في علاج التهاب الحلق والأمراض الجلدية وغيرها.
- طيور كثيرة تبني أعشاشها في شجر الغاف، مثل البومة الصحراوية والغُداف.
- تلعب أشجار «الغاف» دوراً مكملاً للسلسلة الغذائية في النظام الإيكولوجي.
- من أكثر الأشجار البرية التي تتحمّل درجات الحرارة والجفاف الشديد.
- 5972
شجرة «غاف» معمّرة في دبي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news