«رحلات إلى شواطئ النار»: عالم يثير فضولي قبل مخاوفي
تتقاطع مفردات الدم والنار والموت والدمار، وتتشابك أدوار المحقق الصحافي والجندي ورجل المخابرات، وتتعانق الأيدي المخضبة بالدماء بتلك المعفرة بذرات الهيروين في عالم من الجريمة والصراع، في كتاب «رحلات إلى شواطئ النار».
ومثلما تتداخل عوالم السياسة والحكم وأجهزة الأمن والمخابرات، وعصابات المافيا وتجار السلاح، في فضاء يموج بالاضطرابات، يتنقل الكاتب، حسين عبدالقادر، بين شواطئ اللغة والتعبير، معتمداً أسلوباً صحافياً سلساً، بمفردات بسيطة تتبدل إيقاعاتها وفقاً لسخونة الأحداث.
يقف الكتاب، الذي يضم بين ضفتيه 136 صفحة، في منطقة خاصة بين أدب الرحلات والسير الذاتية والسرد الصحافي وكتابات الجريمة.
وكأن عبدالقادر يحاول أن يقبض على الجمر من دون أن تحترق أصابعه، في عالم يصفه في مقدمة الكتاب بأنه «يثير فضولي قبل مخاوفي»، على جبهات قتال «لا أعرف حتى الآن كيف كُتبت لي النجاة فيها، إلا أنه أمر ربي ومشيئته».
ويستعرض رحلاته من باكستان بعد تدمير السفارة المصرية في إسلام آباد، والمقابلة التي أجراها مع رئيسة الوزراء بينظير بوتو، ورحلات أخرى في إفريقيا وأوروبا لتغطية خلافات وصراعات.
ويبدأ الكاتب بذكريات رحلتين إلى إريتريا في تسعينات القرن الماضي، ولا يخلو السرد العنيف الصاخب من لمسة إنسانية باكية عندما يتحدث عن أطفال الشوارع، وهي مأساة شاهدها بعينيه ورصدها بقلمه.
وفي آخر يوم من إحدى الرحلتين يصف لحظة تقشعر لها الأبدان، يقول: «بعد الفجر مباشرة ومع أول تباشير الصباح كان السائق قد وصل، بعد أن قضينا الليل نستحم مرات عدة لنغتسل من آثار دماء الجثث»، وفي الفصل الثاني يأخذ الكاتب قراءه إلى السودان، حيث يقول في وصفها: «ما أجمل الخرطوم وأهلها الطيبين».
وفي واحدة من ثلاث زيارات للبنان، يحاول الكاتب تخفيف جرعة المرارة بمواقف ساخرة يرصدها وسط الأحداث المأساوية، فيقول: «أثناء الوقوف في الطابور حضرت صحافية تتميز بجمال غير عادي، اتجهت فوراً إلى الشباك متخطية جميع الواقفين، لكن أحد الصحافيين الكبار، وهو رئيس تحرير جريدة لبنانية يومية، قال إنه بناء على رغبة كل سيدات العالم في المساواة مع الرجل، يطالبها بالالتزام بدورها في الطابور».
وفي فصول تالية يتناول الكتاب تفاصيل زيارات لسورية والأردن وباكستان، والسعودية وإيطاليا والنمسا وتونس وغيرها.
وفي الفصل الثامن يروي، خلال وجوده بمطار قرطاج في تونس، كيف قبضت عليه السلطات لتطابق بياناته مع آخر محكوم عليه بالإعدام: «ولولا اسم أمي لتم تسليمي للإنتربول الدولي».
ويسلط الكتاب الضوء على الدور الكبير الذي يلعبه الصحافيون، وحجم التضحيات التي يقدمونها من دون مقابل تقريباً، إذ لا يمكن أن يكون هناك ثمن لحياة الإنسان، لكن جملة قصيرة في طيات الكتاب تلخص شعوره بالكامل «رغم ضخامة جسدي إلا أنني كنت سعيداً، كنت أقفز وأتسلق المرتفعات».
ونال الكاتب عدداً من الجوائز، من ضمنها الجائزة الأولى للتفوق الصحافي من نقابة الصحافيين المصرية، وأشهر مؤلفاته كتاب «مغامرات كولومبو في شارع الصحافة».