رسالة إلى الأجيال للتعرف على ماضيهم.. وطقوس تنبض بالفرح والحياة
مواطن يستعيد تفاصيل العرس الإماراتي القديم
شهدت مدينة العين عودة خط الزمن إلى الثمانينات من القرن الماضي، وذلك بإحياء عرس تراثي أصيل مُميّز للأجيال الموجودة، وقد استبشر به الأهالي ولبوا الداعي دعوته بكل ودّ وشغف وتهانٍ. حقبة زمنية جميلة لم يعشها الجيل الحالي فكان هذا هو المقصد الرئيس من الفكرة التي استطاع المواطن محمد راشد مشاري الشامسي، إيصالها إلى سكان مدينة العين في العرس الجماعي، الذي نظمه لتزويج أبنائه وأبناء عمه (فهد ومشاري وفاضل وأحمد) في حفل جمع بين الأصالة والتقاليد الإماراتية العميقة، التي كانت في أعراس الحقبة الزمنية الجميلة في الثمانينات، حرصاً منه على إحياء الموروثات والتقاليد القديمة التي كان عليها الآباء والأجداد من تكاتف في إحياء الأفراح للأجيال الصاعدة.
وروى المواطن محمد راشد مشاري الشامسي تفاصيل حفل الزواج، قائلاً: «حفل الزواج الذي أقيم أخيراً هو رسالة إلى إحياء الأعراس القديمة والموروث الشعبي والتقاليد والعادات التي تحث على غرس التلاحم والتعاون في إعداد وطبخ الولائم واستقبال الضيوف والترحيب بهم، من خلال توزيع الأدوار عليهم إلى إنشاء وترتيب مواقع فعاليات الحفل من خيم وأماكن الطبخ ومظلات العرسان واحتطاب الحطب وجلبه إلى مقر الحفل وهو منزل أهل العروس».
وأضاف أنه «تم العمل على تسوية ومسح الأرض وتجهيز المكان وفرشه بالسجاد ومقاعد خشبية تراثية وإنارات موزعة على المكان، وجلب سيارات الجيب (موديل 63) وركنها عند المداخل بشكل منظم، وبناء (العرشان) لحفظ مؤنة الطبيخ وإيحاء عن السكن القديم، وبناء حظيرة (القعادين)، فيما ضم مكان الطبخ عدداً كبيراً من القدور الكبيرة (المرايل)، وتم توقيف (كروزر) أحمر الذي استُخدم للحطب في (البدي)، مع أكوام من حطب السمر».
وأشار إلى أن «الشباب شاركوا في الحدث، فمنهم من أحضر تنكر الماء (صهريج الماء) ورش أرضية العرس، ومنهم من قام ببناء (العرشان)، ومنهم من رفع الخيم ومنهم من ذهب للاحتطاب، ومن كان على الذباح وتقطيع اللحم، ومنهم من رفع الأعلام في الشوارع وعلق زينة وإنارة العرس، إذ كان التعاون يتجلّى بينهم في الترحيب بالضيوف وتطبيق العادات الموروثة في استقبالهم بصب القهوة عليهم، وتقديم الحلوى الخاصة بالأعراس، وأخذ السلام والحال (المقصد من الحال أخذ العلوم والأخبار الطيبة)، إضافة إلى ترحيب الضيوف بالطيب والدخون، إذ كان من الشباب من له دور بتقديم المدخن وتمريره على جميع الحضور مرة ومرتين وثلاث مرات، ومنهم من كان على (مرشات) العطور، وكانت للأهازيج الشعبية دور مهم في هذا الحفل فكانت عيالة العين القديمة حاضرة، كما كانت رزفة الطبل ايضاً تتغنى بإيقاعاتها وأهازيجها الشعبية الجميلة، إضافة الى ارتجال الشعراء في الترحيب بالضيوف كما هو متوارث في مثل هذه الفنون الجميلة».
وأضاف أنه «حينما حان موعد العشاء قام الشباب بدورهم على أكمل وجه، حيث كان لكل منهم دور، فمنهم من كان على (الجدر) أي قدر الغراف ومنهم من كان على جدر اللحم، ومنهم من كان على جدر الهريس والحشوة، وما كان على الشباب إلا مسك الصحون والدوران على تلك الجدور بالتوالي وتقديمها للضيوف في موائد تم إعدادها والوقوف عليها وصفها أمام ضيوف العرس، وعند اكتمال صفوف الموائد يتقدم والد (العرسان) بدعوة الحضور بعبارة متوارثة (تفضلوا على ما حضر وكونوا مسامحين)، وبعد الانتهاء يقوم الشباب بتنظيف المكان وصبّ القهوة مرة أخرى، وتقديم الشاي وتعطير الضيوف بالمرشات والمدخن والعود وإحياء الحفل بالفنون الشعبية من جديد لتكتمل الفرحة لحين انصراف المعازيم من الحفل». وأوضح المواطن سالمين بن أرحمه الشامسي، أننا «نتمنّى أن تعم هذه الأعراس القديمة أرجاء الدولة كافة، لما فيها من إحياء للعادات والتقاليد والموروث الشعبي الأصيل، وتعليم الأجيال الحالية حب التلاحم والتعاضد، والمشاركة مع الأهل وأفراد القبيلة أو الفريج في إحياء مثل هذه الموروثات الشعبية دون الاستعانة بالعمال الوافدة، فضلاً عن أن التكلفة ليس باهظة وتقل عن الأعراس الحالية بنسبة 80%، بمعنى أن فيها توفيراً كبيراً للشباب المقبلين على الزواج وإحياء العادات والتقاليد، إذ إن هذه الأعراس بدأت تقل تدريجياً في نهاية التسعينات وحلت مكانها إقامة الأعراس في الفنادق وصالات الأعراس التي تثقل كاهل المقبلين على الزواج».
وقال إن «الزواج بين العيدين لم يكن محبباً لدى البدو (عيد الفطر وعيد الأضحى)، لاعتقادهم بأن الزواج بين العيدين يحمل فألاً سيئاً للعروسين، وهذه العادة لا تقتصر على البدو وحدهم، بل إنها سمة غالبة عند معظم سكان الإمارات في بيئاتهم المختلفة، ويفضل البدوي الزواج يوم الخميس أكثر من الأيام الأخرى، حيث يتبارك به وبيوم الجمعة الذي يعقبه». وأضاف أن «الفتاة تُطلب للزواج بعد سن البلوغ، بينما يتزوج الشاب من بداية الـ18 إلى منتصف العشرينات، وليس قبل ذلك بسبب ظروف الحياة، ونظراً لقلة عدد النساء في البادية مقارنة بالرجال، فكانت المطلقات تتزوج مباشرة عقب انتهاء مدة عدتها من الزواج الأول». وأشار إلى أن «الزواج في البادية له أنظمة وأحكام، فلا يتزوج الشاب البدوي إلا ابنة عمه، وهو عُرف سائد بين القبائل البدوية، فإن تعذّر ذلك اختيرت فتاة أخرى من بنات (الفريج)، وقد تكون تلك الفتاة من أقرباء الشاب أو جيرانه. وعند الخطبة يذهب والد (المعرس) إلى بيت والد الفتاة لخطبتها لابنه، ويمكن أن يرافقه مجموعة من الرجال الذين لهم مكانتهم عند أفراد المجتمع المحلي، فيخطبون البنت، ويتركون لوالدها الفرصة لمشاورة أمها، ثم يصلهم الرد بعد ذلك». وبين أن «من الصفات التي يجب أن تتوافر في الشاب، الذي يتقدم لخطبة فتاة من الفريج، أن يكون ذا سمعة طيبة، كريم اليد والسجايا فإن تحققت تلك الشروط وكان ثرياً ويمتلك الحلال والمال، أو كان تاجراً مشهوداً له بالأمانة، أو شاعراً يشار إليه بالبنان، فيكون عندها (كامل الأوصاف)».
وقال إن «من عادات الخطبة في الإمارات، وهو الأمر الذي يتعارف عليه البدو كذلك، أن والد الفتاة لا يضع مطالب معينة، ولا يشترط شيئاً إطلاقاً، ويتم في هذه الحالة تطبيق ما هو متعارف عليه من حيث المهر الذي يُسمى (صباحه)، وغيره من المتطلبات الأخرى، وعادة ما يكون مهر العروس في البادية ناقة يأخذها والدها، ويتم تحديد المتأخر، ويُسمى (مالاً) ويكون أيضاً ناقة إسوة بالمهر، وبعد أن يتم تحديد موعد العرس أو الزفاف ينطلق الداعي على ناقته، ليدعو أهل الفريج والقصير، أي الجيران الأبعد عن الفريج، لحضور العرس ومشاركة الجميع أفراحهم. وقبل الزفاف بأسبوع يتم البدء في تجميل العروس وإعدادها، كما يقدم العريس للعروس الزهبة، وهي كل ما تحتاج إليه من مستلزمات شخصية كالملابس والعطور، وفي يوم العرس وقت الظهيرة تحضر الوليمة التي يقيمها المعرس، ويعدها أهل العروس، إذ تذبح الذبائح، وتطهى وتقدم مع العيش (الأرز) على مائدة الغداء. وفي الليل (يشبون) يشعلون النار في وسط الفريج ويصطف الرجال ويؤدون (الحربية)».
• الأعراس القديمة تحيي الموروث الشعبي الأصيل، وتعلم الأجيال الحالية حب التلاحم والتعاضد.
• العرس الإماراتي القديم يشارك فيه شباب العشيرة والجيران، ولكل واحد منهم دوره في تجهيز المكان.
لمشاهدة الفيديو، يرجى الضغط على هذا الرابط.
زفة المعرس إلى بيت العروس
قال المواطن سالمين بن أرحمه الشامسي، إنه بعد تناول الرجال وليمة العشاء التي أعدت للعرس في «الحظيرة»، يزف المعرس إلى بيت العروس الذي أعد مسبقاً لاستقبال العروسين، إذ يُخصص جزء من البيت يُسمى «القطع» يفصل «بالساحة»، وهي قطعة سميكة من القماش مصنوعة من القطن الملون بالأحمر والأسود، ويفرش البيت بالسدو و«المطارح»، وهو غطاء مصنوع من القماش محشو بالقطن يتم شراؤه من الهند، وأفضل أنواعه يُسمى «مطرح مدواس»، وفي اليوم الثاني من أيام الزفاف يُدعى أهل الفريج على «الريوق» (الإفطار)، وينظمون سباقاً للهجن ويضعون «شارة» بسيطة للفائز للتشجيع على المشاركة. ويتم الاحتفال بالجمل الفائز «بتوشيته» بالزعفران. ومع نهاية اليوم تذهب العروس مع زوجها إلى بيتهما، فإن كان قريباً، سارا إليه راجلين على الأقدام، وإن كان بعيداً ذهبا إليه راحلين على ناقة تهيّأ لهما، وغالباً لا تزور العروس التي تقيم بعيداً عن الفريج أهلها لمدة تقارب العام، حتى يحين موعد وضعها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news