معرض في مركز جميل للفنون بدبي
«محيط في قطرة».. الفن يعيد صياغة الماء
«محيط في قطرة»، هو عنوان المعرض الذي افتتح أخيراً في مركز جميل للفنون بدبي، والمستوحى من عنوان قصيدة الشاعر والعالم جلال الدين الرومي «أنت لست قطرة في محيط، بل أنت محيط في قطرة».
يطرح المعرض الكثير من التساؤلات حول العلاقة مع الماء، وما تحمله من دلالات روحية ودينية واجتماعية، ويعيد صياغة الماء بلغة إبداعية، تبدأ بالخرائط والمخطوطات القديمة وتصل الى الفنون المعاصرة والأعمال التركيبية. ويبرز المعرض الذي يستمر حتى أبريل من عام 2023، تدفق الماء من الماضي لتشكيل الحاضر، ويتطرق الى البيئة والثقافة والتقاليد، وكذلك التجارب الحياتية التي تنتمي الى زمنها.
الماء والخوف
يجمع المعرض بين الأعمال التي تستكشف العلاقات البشرية بالمياه من جميع أنحاء العالم، ويحث على التفكير في المعنى الحقيقي للمياه وتتبع منابعها في الماضي ومجاريها في الحاضر للتعرف الى مصباتها في المستقبل، بالإضافة الى تركيز المعرض على القضايا الملحة المرتبطة بالماء والخوف من الجفاف.
تبدأ رحلة استكشاف الماء في المعرض مع الخرائط التي قدمها الاصطخري، والتي تعود للقرن 13، وتحمل عنوان «كتاب المسالك والممالك»، والتي يقدم فيها الخرائط الخاصة بالمحيطات، ثم ننتقل الى الأعمال الخزفية التي تجسد فكرة نقل المياه التي عرفت في قديم الحضارات، حيث تقدم الفنانة آسونثيون مولينوس جوردو التاريخ الغني بالخزف في الأندلس وإسبانيا من خلال عمل تركيبي لهذه المجسمات، لتعيد صياغة هذا المفهوم بمواد جديدة.
ماء زمزم
أما الفنانة فاطمة أوزدينافا فعملت على تقديم الماء من خلال عملين، ترصد في الأول ارتباط الماء بالدين، معتمدة على تقنية الإبرو، وهي تقنية تمنح الورق شكل الرخام من خلال الألوان والتكرار، بينما وجهت في العمل الصوتي التركيبي دعوة للزائرين لغسل أرواحهم عن طريق البوح الى الماء بأحلامهم السيئة، وهو تقليد قديم تتبعه قبائل كراشاي – بلكار في شمال القوقاز لتجنب سوء الطالع.
أوزدينافا التي تحدثت لـ«الإمارات اليوم» عن العملين، قالت: «اخترت العمل على تقنية الإبرو لأنها ترتبط كثيراً بالإسلام وما حمله من فنون، كما انها ترتبط الى حد كبير بالطقوس الدينية ولاسيما المعروفة في تركيا، فقد بدأت أخيراً بعمل فني عن الحجاج الذين يأتون إلى مكة، ونظرت الى مياه زمزم، وما تحمله من معانٍ دينية، وكيف يحمل الحجاج هذا الماء، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المياه تتبخر، ولهذا كان بالنسبة لي من المهم أن أجد المياه في العمل الفني، ليكون وجودها دائماً، فهذه المياه ترمز للروحانيات والطاقة القوية، وتحمل الكثير من القيم». وحول الاعتماد على التكرار في العمل الفني، أكدت أنها طريقة تظهر الوقت، وهي عملية روحية قوية، يتم العمل عليها للسيطرة على النفس والوضوح.
مياه كولومبيا
ومن الروحانيات والتقاليد، نجد الكثير من الأعمال التي تعكس ارتباط البشر بالماء كعنصر طبيعي مهم، من بينها عمل الفنان الكولومبي دانيال أوتيرو توريس، الذي يسلط الضوء فيه على واقع الماء كمصدر طبيعي، ويبرز العلاقات المتشابكة بينه وبين المكان والثقافة والمجتمع. وقدم توريس عملاً تركيبياً حول تجميع المياه في كولومبيا ومعاناة الناس هناك في جمع مياه المطر، وتحدث عن عمله، بالقول: «استلهمت هذا العمل من زيارتي لكولومبيا عام 2017، حين تنقلت ولاحظت طريقة تجميعهم للماء، لاسيما أنها تُجمع بطريقة خاصة جداً عبر البراميل». ولفت الى أنه اعتمد على المواد التي يمكن الحصول عليها من دبي، وذلك ليكون العمل مصنوعاً بالكامل في دبي، مانحاً العمل التركيبي المؤثرات الصوتية التي توحي بالمطر الحقيقي ليكون شديد الواقعية. ولفت الى ان تنفيذ العمل داخل المركز استغرق ما يقارب أسبوعين مع وجود فريق عمل مساعد في تركيبه.
وتحدثت مديرة مركز جميل للفنون أنتونيا كارفر عن اهتمام مركز جميل للفنون بالقضايا الطارئة من خلال المعارض التي تقام، مشيرة إلى أن المركز يهتم دائماً بالقضايا الملحة، منها الطعام والماء والنفط وغيرها من خلال عيون الفنانين، موضحة أن الجمع بين الأعمال التي تعود للقرن العاشر، وصولاً الى الأعمال المكلفة، يبرز سيطرة المياه على الكوكب وكيف صور الفنانون المساحات الزرقاء في الفترات القديمة، بينما تبرز الأعمال المعاصرة الاهتمام بحفظ المياه، واعتباره هماً عالمياً تجتمع عليه الدول.
سؤال معقد
من جهتها، تحدثت القيمة على المعرض نورا رزيان عن جمع هذه الأعمال، وقالت: «يطرح المعرض سؤالاً أساسياً حول ماهية الماء، وقد يبدو السؤال بسيطاً جداً، ولكن لمجرد البدء بتقديم أي نوع من الإجابة يتبين أن السؤال معقد جداً، وليس هناك من جواب واحد ومحدد له، فالماء يشكل ثقافة البشر، والمعتقدات الدينية والروحية وكذلك العادات، ومازال إلى الوقت الراهن يؤثر على خيارات البشر».
ولفتت الى أنها كانت مهتمة جداً بالعودة إلى تاريخ الماء في العمل الفني، وان وضع مثل هذه الخريطة للأعمال الفنية عبر سنوات طويلة يعتبر مهماً جداً، لاسيما ان الاعمال ترصد الجغرافيا المائية والبحور والمحيطات. وأشارت رزيان الى أن المعرض يعتبر جزءاً من محاولة متعددة الأوجه في فن جميل لمعالجة حالة الطوارئ المناخية، وإظهار دور الفنون والثقافة في تشكيل فهمنا لها، وأردفت بالقول: «نأمل من خلال تجميع الأعمال التي تركز على مجموعة من وجهات النظر العالمية من جميع أنحاء العالم، أن يكون فن جميل منصة لأصوات تلقي الضوء على الجذور التاريخية لتغير المناخ، وتقدم رؤية لمستقبل أكثر عدلاً وإنصافاً واستدامة».
المعرض يتتبع منابع المياه في الماضي ومجاريها في الحاضر للتعرف إلى مصباتها في المستقبل.
«تقارير الطقس»
يتزامن تنظيم معرض «محيط في قطرة» مع مشاركة فن جميل في شبكة الطقس العالمية، إذ تنضم مؤسسة فن جميل إلى 28 منظمة فنية حول العالم لتشكل هذه الشبكة، وهو مشروع عالمي «لتقارير الطقس» يمتد حتى يونيو 2023 يشارك فيه فنانون وكتاب يعدون «تقارير الطقس» على هيئة مشاهدات وقصص وصور وخيالات، تتناول الطقس المحلي لكل منهم والمناخ العالمي الذي يجمعهم، لتجميع أصواتهم ورؤاهم المتنوعة في منصة عالمية جديدة. وتتخذ تقارير محطة الطقس شكل حلقات بودكاست سردية لفنانين وكتاب، يتم إصدارها على مدار العام، ومن بين المساهمين فيها نوش أناند، وراحيل عيمة، وسايرا أنصاري، ونديم شوفي، ونادين خليل، ونيدي ماهاجان، وديباك أونيكريشنان.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news