غرف الفنانين في دبي.. حوارات بصرية تتلاعب بـ «الضوء» و«البحار السبعة»
ثلاث تجارب فنية تحمل رؤى بصرية متنوعة، ووسائط مختلفة، تقدمها معارض «غرف الفنانين» في دبي، التي نظمت بالتعاون مع فناني مقتنيات فن جميل في مركز جميل للفنون بدبي.
تهدف المعارض التي تستمر حتى الرابع من مايو المقبل إلى إبراز الممارسين الفنيين المؤثرين والمبتكرين من منطقة الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا، حيث تسلط الضوء على الأشكال الفنية المتعددة، ولاسيما الأعمال التي تتلاعب بالأبعاد الثنائية والثلاثية والضوء، وذلك من خلال رصدها الطبيعة والبيئة، والانتقال منها إلى الحيز المكاني والزماني في اللوحة، لمعالجة القضايا والهموم الحياتية.
«ضوء أعمى»
ترتكز غرفة الفنانة دانييل جينادري، التي تعيش وتعمل بين بيروت وباريس، على اللوحة الرئيسة التي تحمل عنوان «ضوء أعمى»، إلى جانب مجموعة من الأعمال الجديدة التي قدمتها استناداً إلى أبحاثها الأخيرة في لاروشيل بفرنسا، وغراند كانيون في الولايات المتحدة الأميركية.
تركز جينادري على المسافة والضوء والحركة واتحادهما للتأثير في التجارب المرئية، فترسم الجبال كأنها تضع حاجباً بين الضوء والمشاهد، وتأتي الإطلالة على اللوحة كما لو أنها ضبابية. تتمحور ممارسة جينادري الفنية حول العلاقة بين الرسم والتصوير واستكشاف إمكانات الصورة، والذهاب بها إلى حدودها القصوى.
وقالت جينادري لـ«الإمارات اليوم»: «إن الأعمال التركيبية تحمل فكرة الضوء والانطباع الذي يتركه، وما كنت أسعى إليه من خلال الغرفة هو إيجاد تجربة فيزيائية من خلال الضوء والتركيب والطريقة التي ينظر بها الناس إلى المعرض بسبب هذا التلاعب بالإضاءة، حيث توجد الأعمال نوعاً من الوعي حول التفاصيل، خصوصاً أنها تسعى إلى خلق الوعي بالضوء».
ولفتت جينادري إلى أن المشاهد التي ترسمها هي مشاهد تلتقط صورها في الواقع، وثم تعمل على رسمها بشكل ضبابي وشفاف، مشيرة إلى أنها تبدأ برسم المشهد وفق طبقات لونية خفيفة جداً، وهذا ما يجعل الأعمال تبدو كما لو أنها مغلفة بطبقة بيضاء. وأكدت جينادري أن اللوحات الموجودة في مركز جميل تعود مشاهدها إلى بلدان متنوعة، منها ما يعود إلى لبنان حيث تعيش، ومنها ما يعود إلى أميركا وفرنسا، وهذه الصور تعتبر رد فعلها الصادق والفني على الطبيعة، ولكنها ما تقوم به هي أنها تجعلها مبهمة بالنسبة للمتلقي.
«البحار السبعة»
أما الفنانة ريشام سيد، فيتألف معرضها من العمل التركيبي الرئيس «البحار السبعة»، وهو عبارة عن سلسلة من الأغطية كبيرة الحجم التي تصور خرائط تعود إلى القرن الـ20 لمدن ساحلية مختلفة كانت تقع في مواقع استراتيجية على طريق التجارة الأوروبية الاستعمارية، بما في ذلك رأس الخيمة في دولة الإمارات، وإزمير في تركيا، وكاندي في سريلانكا وغيرها كثير.
تربط الفنانة تعقيدات الجغرافيا السياسية المعاصرة بتجارة القطن في الإمبراطورية البريطانية في القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20 بالعمل نفسه، والذي تم صنعه من الأقمشة التي جمعتها خلال رحلاتها إلى تركيا وبنغلاديش ودولة الإمارات وسريلانكا والمملكة المتحدة والهند وداخل موطنها باكستان. تصيغ أعمالها من الخرائط الجغرافية التي تطرزها بالألوان، وتضع فوقها الكثير من الرموز، لتحملها الكثير من الهموم السياسية والاقتصادية، حيث تبدو الأغطية كأنها رواية سردية متسلسلة الأحداث.
وقالت سيد لـ«الإمارات اليوم»: «إن الممارسة الفنية الخاصة بي تطورت من خلال الدمج بين الماضي والحاضر، وهذا ما يجعلني في الكثير من الأحيان أستخدم الخيال في العمل الفني، لأنه يساعدني على منح العمل الكثير من الرموز وكذلك الإيحاءات التي تجعله يبدو قديماً كأنه ينتمي إلى حقبة قديمة». ولفتت إلى أنها حين قامت بتنفيذ الأعمال، عملت على جمع الأقمشة التي تصمم منها الخرائط، فالأقمشة تنتمي إلى حدود جغرافية متنوعة، وهذا يعزز مصداقية العمل في التطرق للقضايا السياسية والاقتصادية. أما من الناحية التقنية، فأشارت إلى أنها بدأت بطباعة الخرائط على أقمشة الأغطية، ومن ثم قامت بالجانب الروائي من خلال التطريز والكتابة، مع الإشارة إلى أنها اعتمدت كثيراً على المصادر المحلية المنشأ تبعاً للخرائط، وكذلك اتباع فنون البلدان، مستعينة بفريق عمل. وشددت على أن معرضها هو الأول في مركز جميل، ولكنها قامت بتقديم معرض من خلال الإقامة الفنية في دبي، مشيرة إلى أن المركز متميز لجهة المساحات التي يمنحها للفنانين.
بين الورق والمعدن
قدمت الفنانة عائشة سلطان أعمالها الحديثة المصممة على الورق، وتفاعلها الطويل مع المادية والتجريب في الفضاء التصويري، من خلال أعمال ورقية على هيئة المعدن. ويمثل العمل «دراسات الأشكال»، وهو سلسلة من الرسومات بالألوان المائية ما يشبه المقترحات لتركيبات أو مشاريع أو تجليات ثلاثية الأبعاد. وتجسد سلطان من خلال هذه الأشكال العائمة، والمستوحاة من الأشكال المادية في مدينتها دكّا في بنغلاديش، زوايا الشوارع والأوجه المعمارية الحضرية مثل الحواف والواجهات والسلالم وأسطح الجدران.
وتتمحور ممارستها الفنية حول التجريب المادي، والمتمسك بالشكليات، ففي لوحة «الشبكة» و«بدون عنوان» تنوع الفنانة بين الفضاء ثنائي الأبعاد وثلاثي الأبعاد، وتتلاعب بالملمس والضوء لإيجاد وهم بريق المعدن.
ومن خلال التحول تشير عائشة إلى تكرار الإيماءات ووضع العلامات في أعمالها كأفعال، أي ممارسة متحركة وعمل فني فعال.
أما في أعمال «زرقة المسافة» والتي تضم مجموعة من 28 لوناً مائياً مع عينات أفقية من اللون الأزرق تشير إلى دراسات الأعماق والمساحة البصرية والمنظور المستوحى من فناني عصر النهضة، إذ تستكشف عائشة الطبيعة، وتجردها من خلال الألوان والأصباغ.