مجد كردية: لوحاتي للقلوب وليست للجدران
تحمل تجربة الفنانة التشكيلي، السوري مجد كردية، كثيراً من الفرح المغلف بوجع لا يندمل. يقدّم كردية في لوحاته كائنات متعدّدة تحمل اسماً، وتبدو هذه الكائنات وكأنها آتية من عالم طفولي مرح، ولكن التغلغل في أعماقها يقودنا إلى عالمين متناقضين ومتوازيين من الجرح والأمل. وتحدث كريدية لـ«الإمارات اليوم»، عن معرضه في دبي المقام تحت عنوان «الابتسامة واحدة.. والجرح واحد»، قائلاً:
«الجرح واحد والابتسامة واحدة»، كان عنوان المعرض الأخير الذي قدمه مجد: «ابتسامتنا واحدة وجرحنا واحد، ودائماً تكون الابتسامة منقوصة حين يكون الآخر مجروحاً، ومن هنا أتت فكرة اللوحة التي كانت أيضاً عنوان المعرض، ويمكن القول إن اللوحات التي أقدمها لا تجتمع في صف واحد، ولا تجمعهم فكرة واحدة، وأن هناك خيطاً رفيعاً يربطهم سوياً، فكل لوحة عبارة عن مغامرة قائمة بذاتها». واعتبر كردية أن أهمية هذا المعرض تأتي بكونه عمل في السنوات الأربع الأخيرة على الألوان المائية والحبر، كما كانت الأعمال السابقة بالألوان الزيتية على الكانفاس، وتوجه في معرضه الأخير إلى الكانفاس والأحجام الكبيرة. وعن رؤيته للفن، أشار الفنان السوري إلى أن حضور الفن يخفف من وحشية البشر والقباحة، فالفن يكبح جماح كرة الثلج المتوحشة والمتدحرجة، ويحاول التخفيف من حالة الهمجية في العالم، وأردف بالقول: «أرسم لوحاتي للقلوب وليس للجدران، وأفرح كثيراً حين أسمع من الناس أن لوحاتي ساعدتهم في التخلص من الحزن أو تجاوز بعض المشاعر السلبية».
وحول التبدل في شكل اللوحات التي يقدمها كردية، بحيث باتت أضخم واختزل فيها النص على حساب الصورة، قال: «أعمل على اختزال النص من خلال الكانفاس والأعمال الكبيرة، لأن الصورة هي التي تأخذ البطولة، فالكانفاس يحمل سمة النضوج والكثير من الجدية، بينما الورق الذي كنت استخدمته أتاح لي العمل بنوع من المغامرة على نحو أكبر». ويدمج كردية بين الصورة والنص، خصوصاً الشعر، وعن علاقته بالشعر، قال: «ارتبط بالشعر كثيراً، خصوصاً أنني ابن ثقافة عربية، والشعر هو الفن الأول الخاص بنا، فنحن العرب أشخاص لغويون أكثر من كوننا بصريين، ويمكنني القول إن علاقتي بمحمود درويش، على سبيل المثال، بدأت منذ أن كنت أبلغ 14 عاماً، الى جانب المتنبي وبهاء الدين زهير، وغيرهم من الشعراء».
وأضاف: «أحب الصورة التي يحملها الشعر وجمالياتها واحتمالات التأويل التي تتضمنها، ولكن لا يعنيني تصوير المشهد الشعري كما هو لأنني بهذا سأكون عالة على غيري، وما يغريني هو الغموض ومحاولة تصوير هذه الصورة».
أما الكائنات في اللوحة، فأشار إلى أنها تتطور معه باستمرار، وكل تطور في اللوحة يعني تطور الكائنات، فالقصة والأحداث التي تأخذ منحى جديد تضيف إلى الشخصيات، أو حتى تقوده الى حذف بعضها، وباتت الشخصيات البصمة والهوية، ولكن التقنيات الخاصة بتقديمها تتبدل مع الوقت باستمرار.
تحمل لوحة كردية كثيراً من المشاعر المختلطة، وأشار إلى أنه يسعى إلى جعل لوحاته شبيهة بالحياة التي تتضمن مزيجاً من المشاعر المتناقضة، فلا يسعى إلى تسويق الأمل بطريقة تجارية، ولهذا قد تنطوي لوحاته على السخرية من الحزن كي ترسم لمسة فرح، فالسخرية هي أداة من أدوات البشرية التي وجدت للشفاء. ولفت إلى أن اللوحات تحمل دلالات بشرية رغم تعددية الكائنات، فكل ما يستخدم في الفن هو رمز وهو متعلق بالبشر، ولهذا أن قابلية الرمز التشكيلي قد تحمل أكثر من طبقة للفهم.
رفض كردية اختيار شخصية بعينها تمثله من بين الشخصيات التي يقدمها، منوّها بأنه أحياناً يشعر بأنه العصفور الذي يأتي على اللوحات كضيف خفيف وليس له نص، وحضوره مؤلم. وشدّد على أن اللوحات لا تطرح عالماً مثالياً، مؤكداً أنه ليس إنساناً مثالياً في طرح العمل الفني، فلا يمكنه أن يقدم العالم وكأنه بخير، وفي الوقت نفسه لا يعمل على نقل مآسي الحياة بشكل واقعي يشبه النشرة الإخبارية، فالوقوع بفخ المباشرة يحول الفنان إلى عالم الكاريكاتير. واعتبر أنه كفنان يبتعد عن المخاطبة المباشرة في تجسيد القضايا، لأنه حذر جداً من ركوب أمواج القضايا، فلابد من طرح السؤال حول إذا ما كان يرسم القضية لخدمتها أم للمزيد من الانتشار.
«فيديو آرت»
قدّم مجد كردية تجربة «الفيديو آرت»، من خلال عمل أنجزه بالكامل بنفسه، ولفت إلى أنه قدّم هذا العمل من خلال تجميع 300 صورة، وعمل على الجانب التقني فيه رغم تواضع معرفته به، بسبب حب السيطرة على العمل الفني، وهذا ما أدى إلى ظهور تقنية مختلفة. وأشار كردية إلى أن إنجاز العمل تطلب منه الذهاب إلى البحر على نحو يومي ولمدة شهر حتى تمكن من التقاط الصور، موضحاً أنه «عمل على توثيق صوت الموج أيضاً، وقد تأثر إنتاجه في اللوحات بهذا العمل، نظراً إلى الجهد المبذول والوقت الطويل». وأكد كردية أن هذه التجربة قد لا تتكرر في القريب، لأنه أكثر ميلاً إلى الألوان وملمسها ورائحتها، مبيناً أن عالم فنون «الديجيتال آرت» و«الآن إف تي»، قد يكون أكثر جذباً للجيل الجديد الذي نشأ على هذه التقنيات.