«الأمثال الشعبية وعلم الجغرافيا».. وقفة جديدة مع خلاصة تجارب الشعوب

تختزل الشعوب خلاصة خبراتها وتجاربها في الحياة ببضع كلمات قليلة يسمونها «الأمثال الشعبية»، ولأن كل مثل يحمل دلالة ومعنى وفقاً للزمن والمكان الذي ظهر فيه، كان للأكاديميين والمؤرخين دور مهم في ربطه بسياقه، وهو ما سعى إليه الباحث المصري حارص عمار النقيب في كتابه «الأمثال الشعبية وعلم الجغرافيا».

ويلقي الكتاب - الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن سلسلة (الثقافة الشعبية) - في البداية الضوء على مكانة الأمثال لدى الشعوب العربية، فيقول إن «العرب من أكثر وأقدم الشعوب التي استخدمت الأمثال للتعبير عن واقعهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والنفسي، أو لتعليم أبنائهم، ومن هنا اكتسب المثل أهمية كبرى في حياة الإنسان العربي، بالإضافة إلى ذلك قد يكون المثل مخزناً لبعض وقائع العرب وتاريخهم».

ثم ينطلق ليسرد الخصائص العامة للأمثال الشعبية ومنها الإيجاز والأصالة والواقعية والبلاغة والموسيقى، والعلاقة بينها وبين الحكايات الشفهية والسير الشعبية والملاحم والقصص الغنائية الشعرية.

وفي الفصل الأول «الأمثال الشعبية والجغرافيا البشرية» يشرح المؤلف كيفية تصنيف الجغرافيا البشرية من حيث طبيعة المجتمعات سواء ريفية أو حضرية وأنشطتها الاقتصادية من زراعة وتجارة وصناعة وصيد وانعكاس كل هذا على الأمثال الشعبية.

ومن الأمثلة الواردة في هذا الفصل المتعلقة بالجغرافية الصناعية «صنعة الحدادة كلها سعادة» و«إدي العيش لخبازه ولو ياكل نصه» و«الكسل أخرته فشل»، وهي أمثال يراد بها الإشارة إلى أهمية وضرورة الخبرة في العمل.

وينتقل المؤلف إلى جغرافيا التجارة وعلاقتها بالأمثال الشعبية مُدللاً على هذه العلاقة بأمثال مثل «التجارة شطارة» و«إذا لقيت الغالي في السوق تمّنُه» و«الحلو غالي والوِحش رخيص».

كما يتطرق إلى الجغرافيا الثقافية التي تفرز أحياناً أمثالاً شعبية على لسان أبناء الدولة أو الشعب نفسه الذي قيل فيه المثل أو على لسان شعوب أخرى من واقع خبرتها عن هذا الشعب ومنها المثل البولندي «كل في بولندا، واشرب في هنغاريا، ونم في ألمانيا، وغازل في إيطاليا».

ويتطرق المؤلف للجغرافيا الدينية وعلاقتها بالأمثال الشعبية، مشيراً إلى «هناك العديد من الأمثال الشعبية التي يتضح من خلالها دور الدين والبيئة المحيطة بالإنسان في صياغتها، وهو ما يعرف بالجغرافيا الدينية». ويورد أمثلة منها «اللي يحبه ربه يحبب فيه خلقه» و«جاك الموت يا تارك الصلاة» و«الأرزاق بيد الله».

وفيما يتعلق بالجغرافيا الطبية التي يورد المؤلف تعريفات لها من بينها «دراسة العوامل الجغرافية وتأثيرها في الصحة والمرض» وارتباطها بالأمثال الشعبية فيعرض بعضها مثل «اتغّدّى واتمدّى ولو دقيقتين واتعشّى واتمشّى ولو ساعتين» و«درهم وقاية ولا قنطار علاج» و«سهر الليل يهد الحيل».
 

الأكثر مشاركة