دعوا إلى مزيد من التنسيق بين المؤسسات المختصة ودعم الجهود الفردية

باحثون: توثيق التراث يتطلب جهداً مؤسسياً شاملاً

صورة

دعا باحثون متخصصون إلى دعم جهود توثيق التاريخ والتراث في الإمارات، في إطار مؤسسي شامل. مؤكدين أن هناك العديد من المبادرات الفردية في هذا المجال التي تحتاج إلى الدعم، مع ضرورة التنسيق بين المؤسسات المختلفة لتلافي التكرار والتضارب في العمل.

حلقة مفقودة

وأوضح الشاعر والباحث عادل خزام أن هناك حلقة مفقودة في مجال التوثيق، وفق ما لمسه من خلال تجربته الشخصية في العمل البحثي والتوثيقي، حيث هناك العديد من المبادرات الفردية التي تقدم مجهودات مهمة، وكثير من الباحثين الذين لديهم حماس كبير للعمل، في المقابل مازالت المؤسسات المعنية بعيدة عن التواصل مع هذه التجارب ودعمها. مشدداً على ضرورة أن ترصد المؤسسة الثقافية هذه التجارب التي يمكن أن تسهم في رصد ودعم تكوين تاريخ حقيقي لمسيرة الفنون والثقافة والتوثيق في الدولة. وأشار إلى أنه قدّم عدداً من التجارب في هذا المجال، حيث قام بإصدار كتاب يوثق لـ30 فناناً تشكيلياً إماراتياً، وكتاب آخر يتناول 30 فناناً مسرحياً، كما قدم دراسات حول تطور الحركة الشعرية في الإمارات خلال 100 عام، وقام بتوثيق مسيرة الفنان الراحل حسن الشريف، والشاعر الراحل ثاني السويدي. لافتاً إلى أن مثل هذا العمل يتطلب مجهوداً جباراً وكلفة مادية من الصعب أن يمتلكها باحث بمفرده، وتحتاج إلى دعم مادي ومعنوي من المؤسسات المسؤولية. وأضاف خزام: «التوثيق يحتاج إلى مجهود كبير، فلكي أوثق تاريخ الفنون البصرية في الإمارات، على سبيل المثال، يجب أن أبدأ من المعثورات التاريخية في المواقع الأثرية، واقرأ النقوش والأحافير، مروراً بالأهازيج ونقوش الحناء وتصاميم الذهب، وصولاً إلى الفن الحديث والمفاهيمي، وحتى الميتافيرس، وهو مجهود ضخم، يحتاج إلى مؤسسة تدعمه بالمال، وكذلك الأمر بالنسبة لتوثيق المسرح والفن التشكيلي والأدب والتراث، وحتى الآن لا نجد مبحثاً حقيقياً رصد كل هذه المجالات، بل هناك مبادرات فردية، ونتمنى أن تلتفت إليها المؤسسة».

دعم وتنسيق

وأشارت الباحثة والشاعرة شيخة الجابري إلى أن البحث والتوثيق يحتاج إلى موازنات ضخمة حتى يكون هادفاً ورصيناً، كما يحتاج إلى تضافر الجهود، ووضوح في أهداف المؤسسات التي تعمل في هذا المجال، إلى جانب منح هذا المجال والعاملين فيه مزيداً من التقدير والدعم، لما يتطلبه من مجهود ووقت وقدرة على التواصل مع كبار السن من الرواة، والانتقال من مكان لآخر، خصوصاً المناطق النائية والبعيدة. وذكرت أن هناك مؤسسات تهتم بمجال البحث والتوثيق، وتقدم دعماً للباحثين، ولكن مازالت هناك حاجة لرفع قيمة هذا الدعم ليوازي الجهد البحثي المبذول. وطالبت الجابري بالسعي لتحقيق مزيد من التواصل والتنسيق بين الجهات المختصة بالتوثيق، لتفادي ما يحدث من تكرار في الموضوعات التي تتناولها بعض الأبحاث في كل مؤسسة، مضيفة: «كثيراً ما يحدث أن تقوم أكثر من مؤسسة بالعمل على نفس الموضوع بشكل منفصل، بينما هناك موضوعات ومناطق لم يتم التطرق إليها بالشكل المناسب، ورغم أن التنوع والاختلاف أمر جميل، لكن التكرار يمثل هدراً للوقت والجهد، لذا نحتاج إلى تنسيق واستراتيجية شاملة للعمل البحثي، تعبر عن رؤية وطن كامل». ولفتت إلى أهمية الاستفادة من التطور التقني السريع الذي تشهده الفترة الحالية في مجال البحث والتوثيق من حيث المناهج والأدوات المستخدمة، وتوفير الأبحاث للمهتمين والمختصين وللطلبة في مختلف المراحل الدراسية. مشيرة إلى أن هناك توجهاً واضحاً لدى الشباب نحو الاهتمام بالتراث، واستلهام مفرداته ومظاهر الحياة في الإمارات في فترات سابقة لمرحلة اكتشاف النفط في منتجهم الإبداعي من كتب وروايات وقصص.

تجرية فريدة

وشدد أستاذ الأدب الشعبي المساعد بالمعهد العالي للفنون الشعبية، بأكاديمية الفنون بالقاهرة، دكتور محمد حسن عبدالحافظ، على أهمية التأريخ الشفاهي، والتي تمثل وسيلة مهمة لنقل ذاكرة المجتمعات إلى الأجيال الحالية، والتي لم تولد بعد، وتحمي المجتمعات والأفراد من الانشطار وفقد الهوية، في ظل الظروف التي يشهدها العالم حالياً. مشيداً بتجربة الإمارات المهمة في هذا المجال، وما تتسم به من خصوصية.

ودعا عبدالحافظ إلى التركيز على إعداد الباحث الجيد والمؤهل بكل المهارات التي تتطلبها مهمة البحث، معتبراً أن هذا الأمر هو الأهم في جمع التاريخ الشفاهي. مضيفاً: «نظراً لأن العمل الميداني ليس سهلاً، يجب أن يكون الباحث محباً لعمله حتى يمكن أن يبرع فيه، كما يجب أن يكون فريق العمل مجهزاً من الناحية المعرفية والمهارية للقيام بعمله المهم والخطير، الذي يهدف إلى حماية الإنسانية، وحفظ هذه الذاكرة الموروثة في صدور المعمرين». لافتاً إلى أنه ليس هناك منهج مقنن للتأريخ الشفوي، ولكن يعتمد على تجربة ميدانية حية، والمقابلة المباشرة مع الرواة، والقدرة على استقطاب الذاكرة وما تضمه من معلومات، كما يعتمد على الذكاء الاجتماعي والمعرفي لفريق العمل الميداني، والحصيلة المهارية التي يتمتع بها.

تويتر