الشعر الشعبي في زمن «التواصل».. جماليات تهدد الخصوصية المحلية

أكد شعراء وباحثون إماراتيون أن التحولات الكبيرة التي شهدتها تفاصيل الحياة المعاصرة فرضت تأثيرها بشكل أو بآخر على ملامح القصيدة الشعبية لناحية اللغة والتأويلات وحتى طبيعة موضوع القصيدة، خصوصاً لدى الجيل الجديد من الشعراء، وأرجع متخصصون الأمر لعوامل عدة أبرزها اختلاط الثقافات، والتأثيرات الكبيرة لوسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى أن التنوع الثقافي الكبير الذي تمتاز به الإمارات أسهم بشكل كبير في هذا التأثير، مشيرين إلى أنه وعلى الرغم من أهمية وميزات هذه التأثيرات التي منحت القصيدة جماليات جديدة إلا أنه لابد من العمل على حماية المفردات المحلية وما تتمتع به القصيدة الشعبية المحلية من خصوصية تميزها عن غيرها من الأماكن والبلدان.

عنصر مؤثر

وقال الشاعر الإماراتي سيف السعدي لـ«الإمارات اليوم»: لا شك أن الشاعر عنصر مؤثر في جسد الثقافة والآداب، لأن الشعر يتصدر أي منظومةٍ أدبية كونه حاضراً في مختلف عناصر هذه المنظومة، فالشعر مسرح وقصة ونثر ورواية، وحتى في الصورة المرسومة نجد للشعر حضوراً وتمثلات. ومن هنا رفع الشعر جسريته التي ترتبط بها الأجيال، ومن الصعب أن تتشكل تجربة الشاعر المجيد دون اتكائه على تجارب الروّاد ومن سبقهم، وفي هذا الاتصال رصفٌ لمسارٍ صلبٍ يسير عليه الشعر من الذاكرة إلى أرض الواقع، ومن زمن إلى آخر بفضل اتصال جيلٍ واعد بأجيال مضت.

وأضاف: «قد تزيد درجة اهتمام الشاعر بموهبته، ويمكن لدرجة الاهتمام أن تتعرض للانخفاض وفقاً لمعطيات وأدوات الزمن، ولكن الرهان على بقاء الشعر معقود على نواصي التجارب المشغولة بالمعارف والثقافة والاحتكاك».

في الزمن الرقمي

وأكد السعدي الدور الكبير الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار الشعر الشعبي لدى أبناء الجيل الجديد قائلاً: «يسجل النشر الرقمي حضوراً يسطو به على واقع الحياة، كونه جزءاً من هوية هذا العصر التقدميّ والتكنولوجي؛ دعوني أعترف لكم بضرورة وسائل التواصل الاجتماعي التي سهلت كثيراً من اتصال البشرية ببعضها البعض، وبيسرٍ تام. والشاعر إنسانٌ اجتماعي حاله حال بني جنسه، وذهب معهم باتجاه هذه الطفرة التقنية التي تلبي احتياجاتهم بضغطة زرّ، وسهلت عليه مسألة نشره وتحقيق انتشاره إلى أبعد نقطةٍ يمكن الوصول إليها من هذا العالم المترامي».

وأشار السعدي إلى أن: «تغير لغة الشعر مرهون بانفتاح الأمم على بعضها منذ القدم، ونحن نعيش اليوم زمن التقدم العلمي والنشر الرقمي، وهو فضاء متاحٌ للتعرف على العديد من اللهجات في ظرف وهلة من الزمن ودون مشقة أو عناء كما أرى في تقارب اللهجات فرصةً لصوغِ لغةٍ جامعة يكتب بها الشعراء قصائدهم لتُقرأ من الخليج إلى المحيط من غير عوائق».​

وأضاف: «الشاعر بدوره يبقى محافظاً على هويته الكتابية بحفاظه على مفردته المحلية، مع لزوم تحديث بنيته اللغوية بالابتكار والتقاط الصورة التعبيرية ذات طابع الفرادة».

بيئة ومفردات​

وأشار الباحث علي العبدان إلى أن البيئة عنصر رئيس يتأثر به الشاعر في كتابته للشعر حيث إن المفردات القديمة التي كانت تستخدم في السابق كانت تؤخذ من البيئة المحيطة بالشعراء والتي تكون غالباً إما مفردات تختص بأهل البحر أو البادية وهو ما لم يفتقده معظم المتلقين من الجيل الجديد وقال: «من المؤكد أن الشعراء من الجيل الجديد ليسوا كالقدماء ولكنهم شعراء ممتازون، وتتناسب قصائدهم مع نوعية المستمعين في هذا الزمن؛ واختلاف اللغة أمر طبيعي لأن الشاعر يكتسب لغة الذين يستخدمون مفردات قديمة في قصائدهم والتي تأتي من بيئتهم البحرية و البدوية والتي من المؤكد أن كثيراً من أبناء الجيل الحالي لا يعرفونها لتغير هذه البيئة عن السابق».

مجالسة الشعراء

وأكد الباحث العبدان أن أحد أهم الأسباب التي تساعد في صقل موهبة الشاعر هي مجالسة الشعراء الكبار فهي تكسبه المهارات الشعرية واللغوية الصحيحة؛ وضرب مثالاً بالشاعر الإماراتي سيف حمد سليمان الشامسي قائلاً: «بدأ كثير من الشعراء الإماراتيين في كتابة الشعر بعد مجالستهم شعراء ممن هم أكبر سناً، فعلى سبيل المثال؛ ارتبط الشاعر الإماراتي سيف حمد سليمان الشامسي منذ صغره بمجلس والده الشاعر حمد بن سليمان الشامسي، كما عاصر عدداً من شعراء الرعيل الأول مثل راشد الخضر والشاعر غانم العصري والشاعر سالم الظفري وغيرهم الكثير من شعراء عجمان المعروفين، ما ساعد في اكتسابه مهارات لغوية تميزه عن غيره من الشعراء».

وأشار العبدان إلى أن مهارة الشاعر الشامسي اعتمدت اعتماداً كبيراً على تأسيسه بين كبار الشعراء وأكد أهمية هذه الفترة في تأسيس وصقل مهارات الشاعر حيث قال: «تعلم الشاعر الشامسي كتابة الشعر من الاستماع إلى الشعراء الكبار والذين لديهم كثير من المفردات التي لا نعرفها الآن، لذلك لديهم القدرة على استخدام كل الحروف والصفات الصوتية في اللغة وهو ما أدى لانعكاس هذا الأمر على شعره».

اهتمام وتوثيق

وقالت الشاعرة والإعلامية عضو اللجنة المنظمة لمهرجان الشارقة للشعر النبطي مريم النقبي لـ«الإمارات اليوم»: «الشعر موجود.. والكل يتمنى أن يصبح شاعراً للاهتمام الكبير الذي توليه دولة الإمارات للشعر النبطي ولكننا نتمنى أن يكون هناك اهتمام وجدية أكبر في الحفاظ وتصدير هذا الموروث الشعري المهم في مجتمعاتنا الخليجية والإماراتية».

مريم النقبي:

• «الكل يتمنى أن يصبح شاعراً للاهتمام الكبير الذي توليه الإمارات للشعر النبطي».

اهتمام

لطالما اهتمت دولة الإمارات بالموروث الشعبي حيث كانت ومازالت تعقد الجلسات الشعرية باستمرار، كما يتم تنظيم المهرجانات والأمسيات الشعرية التي من شأنها تعزيز هذا الفن وتكريم الرواد في هذا المجال ومنها مهرجان الشارقة للشعر النبطي والذي لم يتم تكريم الشعراء فيه فحسب، بل أيضاً توثيق إنجازاتهم في إصدارات توثق مسيرتهم الحافلة.

الأكثر مشاركة