عرض لـ «رأس الخيمة الوطني» في مهرجان دبي لمسرح الشباب

«محارب الضوء».. النور والظلام صراع لا يتوقف

إسماعيل سالم وشيرين حافظ تألقا في أداء لافت على خشبة المسرح. تصوير: أشوك فيرما

صراع بين (النور والظلام).. وكل ما تحمله الكلمتان من إسقاطات وتأويلات، شاهدناه في مسرحية «محارب الضوء»، التي قدمتها فرقة «مسرح رأس الخيمة الوطني»، في رابع أيام مهرجان «دبي لمسرح الشباب» على خشبة ندوة الثقافة والعلوم أول من أمس.

يثير العمل برمزية عالية حالة جدلية وفلسفية عميقة عنوانها «الصراع». هذا الصراع الذي يبحث في معاني الضوء والبقاء تحته، أو حتى الهروب والخوف منه، لندخل في صراعات أعمق تدور داخل الذات البشرية وتنتقل إلى المحيط.

لوحة راقصة

وعبر لوحة فنية راقصة انطلقت الدقائق الأولى من العمل، الذي نجح في تقديم فرجة مسرحية متكاملة، بدءاً من النص للمؤلف العُماني أحمد العويني، مروراً بالتمثيل والأداء العالي، ووصولاً إلى الإخراج ببصمة إسماعيل سالم. لوحة تعبيرية صامتة قادتنا إلى حالة من التصاعد الدرامي في الطرح الفلسفي لمفهوم الضوء والظلام. يستلقي إسماعيل سالم الذي أخرج العمل ومثل دور الزوج على الخشبة، بالقرب من زوجته (قامت بدورها شيرين حافظ)، وتقدم جوقة الممثلين الحاملين للأضواء رقصة تعبيرية. وهنا تبدأ حكاية الزوج الأعور الذي يخاف من الظلام، يحمل قنديله أينما تنقل، ويتشاجر مع زوجته البعيدة عنه روحياً وجسدياً، بسبب كرهها لهذا الضوء المشتعل طوال الوقت، إنه باختصار شكل آخر من صراع النور والظلام، أو أنه (صراع الرجل والمرأة)، بكل ما تحمله العلاقة بينهما من حب وجفاء، وقوة وهشاشة.

وهم داخلي

الجوقة التي تحمل القناديل، تارة تطفئ النور وطوراً تشعله، تبدو وكأنها الوهم الداخلي، أو أنها المحيط الذي غالباً ما نعيش معه في صراعات كثيرة، بين ما يمليه علينا وما نريد. يغوص العمل في الذات البشرية، فالزوج الأعور الذي يكره الظلام لا يمتلك الشجاعة على مواجهة المرآة، يتشاجر مع زوجة تحب المرآة وتسعى الى إطفاء الأنوار، وكأنها تريد أن تطفئ كل الأضواء الخارجية لتبرز نورها. تتصاعد حدة الأحداث، حينما يبدأ الزوج بالإعداد لاستقبال ضيفه، ينتظره بشغف ويعد له أفضل استقبال، إلا أن هذا الضيف الوهمي يسلبه كل ما يملك، بما في ذلك بيته الذي لا يتبقى منه سوى مساحة قليلة، فيصبح هنا الضوء الحق، ويسقط العمل دلالات جديدة على مفهوم الظلام.

تكامل العناصر

تكامل العمل المقدم على المسرح، ليس فقط من ناحية النص الجيد، أو الأداء العالي للممثل، بل كانت هناك حالة من الاندماج الكلي بين مختلف العناصر، بما في ذلك قطع الديكور البسيطة التي وضعت على الخشبة، والتي لا تتخطى الإطار والمرآة والقناديل المحمولة من الممثلين. أما الموسيقى فقد فرضت حالة خاصة، لاسيما أنها كانت تعزف بشكل حي من خلال العازفين الذين جلسوا في نهاية المسرح. قدم العازفون الموسيقى التي تناسب إيقاع العمل فتارة كانت تعلو مع الصراعات، ثم تعود إلى الهدوء، ليسيطر عليها الشجن والحزن مع النهاية التي حملتها المسرحية. ففي الختام تطفئ الزوجة عين زوجها الثانية وهو يقتلها، فتموت وتتدفق الدماء من عينه ليغرق في السواد، وينتصر الضوء، وهنا يبدو الضوء وكأنه الأمل الوحيد المتبقي، على الرغم من كل هذا الألم، وبأنه أكثر الأشياء حقيقة، على الرغم من أننا قد نهرب منه أحياناً.

كثير من العبث

عن هذا النص المسرحي تحدث المؤلف أحمد العويني، لـ«الإمارات اليوم»، وقال: «يحمل النص الذي قدمته كثيراً من العبثية، ويتحدث عن مفهوم (الصراع بين النور والظلام) بأشكال متعددة، والتي يمكن أن تلمس المتلقي وفق حالات كثيرة، وقد أحببت الفرقة التي قدمت العمل، وحقيقة قد أسهموا في إضاءة النور في حروف العمل، فقد شاهدته وكأنني لست من كتبه، وهذا بحد ذاته يعتبر إبداعاً». وأضاف العويني: «أسعدني كمؤلف عُماني وجودي في مهرجان دبي لمسرح الشباب، وتقديم نص مسرحي، وأتمنى أن أشارك في المهرجان في الدورات المقبلة، نظراً لما يقدمه من دعم لشباب المسرح، وهذا ينعكس إيجاباً على الحركة المسرحية في الخليج بشكل عام». ولفت إلى أنه ككاتب يرى أن الثقافة هي الضوء الذي يجب ألا ينطفئ في عالم المسرح، موضحاً أن «أكثر ما يمكن أن يرفع من مستوى العمل المسرحي، هو أن يكون المسرحي مثقفاً».


أحمد العويني:

• الثقافة هي الضوء الذي يجب ألا ينطفئ في عالم المسرح.


إخراج وتمثيل

تألق الفنان إسماعيل سالم بالأداء على الخشبة، وكذلك بالإخراج، ولفت إلى أنه كممثل قد بدأ منذ عام 2009، ولكنها التجربة الإخراجية الأولى له، مشيراً إلى أنه وفق في العرض مع وجود الملاحظات البسيطة من الحضور. وأكد سالم لـ«الإمارات اليوم»، أن أبرز التحديات التي واجهته في العمل كمخرج وممثل في آن، تمثلت في صعوبة الرؤية الإخراجية، حيث يكون من الصعب عليه رؤية العمل وهو على الخشبة، فقد عمل على تصوير العمل ورؤيته والإعادة إلى أن توصل إلى وضع الرؤية المتكاملة للعمل والإضاءة. وأشاد بمهرجان دبي لمسرح الشباب، الذي يقدم للشباب الفرصة للظهور في تجارب متميزة، وتقديم أفكارهم وتوجهاتهم، ومنحهم الخشبة لتقديم كل ما يحملونه من هواجس وقضايا.

تويتر