ترميم المباني التاريخية محور مهم في خطة دبي الحضرية 2040
الاستدامة الثقافية في دبي.. المستقبل من موروث حضاري عريق
يحظى ملف الاستدامة في إمارة دبي منذ عقود برعاية واهتمام كبيرين من القيادة الرشيدة على مختلف الأصعدة الاقتصادية والبيئية والمجتمعية، بينما تظل حماية الثقافة وتطويرها غاية ووسيلة للمساهمة المباشرة في تحقيق جزء كبير من أهداف التنمية المستدامة، ليس فقط في دبي ولكن على مستوى العالم، كذلك تسهم الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية المستدامة في المحافظة على التراث الثقافي وفي تغذية القدرات الابتكارية للمجتمعات، ما يجعل الاهتمام بالاستدامة الثقافية ضمن الأهداف الرئيسة لأي استراتيجية ناجحة للتنمية الشاملة.
ويُشكل الاهتمام بالمباني التاريخية والمناطق التراثية من خلال عمليات الصيانة والترميم والحماية ركناً أصيلاً من أركان الاستدامة الثقافية، لما له من أثر في الحفاظ على أصول مهمة تمثل جانباً مهماً من الموروث الثقافي لأي مجتمع، حيث جاء الاهتمام بحماية تلك الأصول كمحور مهم من محاور «خطة دبي الحضرية 2040»، التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، لتقدم خريطة متكاملة لتحقيق تنمية عمرانية مستدامة في دبي، محورها الإنسان وهدفها الارتقاء بجودة الحياة.
مبادرات نوعية
وحول أهمية الحفاظ على المباني التاريخية، وما تستدعيه من عناية لضمان صونها للأجيال القادمة، قالت المدير التنفيذي لقطاع الثقافة والتراث في «دبي للثقافة» منى فيصل القرق: «الثقافة أحد أعمدة بناء المجتمعات المتحضّرة والمزدهرة، ولطالما تميزت الثقافة الإماراتية بتنوع روافدها وثراء مضمونها، وهو الأمر الذي لا نتوانى في الحفاظ عليه للأجيال القادمة». وأضافت: «لدينا من الشواهد التاريخية ما يدعم استدامة تراثنا الثقافي وينقل للأجيال المتعاقبة صورة لأصول تلك الثقافة التي نبعت من قلب الصحراء، وعلى ضفاف مياه الخليج، ويعمق انتماء تلك الأجيال لوطنها وموروثها الحضاري».
حماية التراث
وجاءت خطة دبي الحضرية 2040 متضمنةً إلى جانب التركيز على الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والبنية التحتية، وضمن أهدافها الرئيسة، محور حماية التراث والآثار والمناطق الثقافية والتاريخية. ومن منطلق الحفاظ على الإرث الثقافي والنهوض به، حافظت دبي على ملامحها التراثية العربية الأصيلة عبر الاهتمام بالمباني القديمة وإعادة ترميمها لتكون شاهد عيان على ما قدمه أهل دبي في الماضي وما يقدمه الأبناء في الحاضر.
صندوق التنمية الثقافية
«ثقافتنا هي هوية أجيالنا وعمق لتاريخنا ورسالة إلى العالم نريد أن ننقلها بطرق أكثر إبداعاً، ثقافتنا الإماراتية تحمل روح التسامح وتدعو للانفتاح على الآخر وتستمد قوتها وروحها الفريدة من الحضارة العربية الإسلامية».. كانت تلك كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عند إطلاق سموه صندوق التنمية الثقافية في دولة الإمارات، موجهاً بضرورة الحفاظ على ثقافة وطابع الدولة الأصيل والعمل على إبراز الثقافة المحلية وصونها لتكون وجهاً من أوجه الاستدامة الثقافية التي تهدف إلى حفظ الهوية وإثرائها ضمن سياق مجتمعي شامل.
قلب دبي النابض بالتاريخ
وكانت لبلدية دبي خطوات مهمة في هذا الإطار، من خلال ترميم وحماية المباني التاريخية في دبي وفق أعلى المعايير المتبعة عالمياً في صيانة الأبنية العتيقة، بأدواتٍ عصرية تحفظ تفاصيلها بدقة متناهية لتحافظ على ديمومتها لتصل إلى الأجيال القادمة.
هوية المدينة
وقال مدير إدارة التراث العمراني والآثار بالإنابة في بلدية دبي المهندس بدر آل علي: «يوجد في دبي أكثر من 700 مبنى تاريخي، وقامت البلدية بتنفيذ مشاريع لترميم جانب كبير من المباني التاريخية في دبي، وذلك في إطار الحرص على الحفاظ على هوية المدينة وحماية موروثها الحضاري، مع الحفاظ على الطبيعة التراثية لتلك الأبنية، وصون قيمتها التاريخية».
ويعتبر حي الفهيدي التاريخي نافذة مهمة للإطلال على تاريخ دبي إذ يوفر للزائر فرصة معايشة الحياة التقليدية وصورتها السائدة في الإمارة منذ منتصف القرن الـ19 وحتى سبعينات القرن الـ20، من خلال طابعه المعماري المميز بأبراج الهواء الشامخة.
وبين حيّ الفهيدي والشندغة، المنطقتين اللتين تشكلان منارة ثقافية نابضة بالحياة، أنجزت بلدية دبي ما يزيد على 400 مشروع من مشاريع ترميم وتأهيل المباني التاريخية، انطلاقاً من أهمية الحفاظ على التراث، وما تركه الأجداد بكل ما يعبّر عنه من معانٍ تاريخية وقيم اجتماعية، خصوصاً المناطق التراثية التي مازالت تشهد نشاطاً تجارياً كبيراً ويزيد عددها على 220 مبنى.
أكبر متحف تراثي
ويُعد متحف الشندغة، الذي افتتحه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في مارس من عام 2023، بعد إنجاز عمليات تطويره، أكبر متحف تراثي في دولة الإمارات، حيث يضم 22 جناحاً تحتضن أكثر من 80 بيتاً تاريخياً متنوعاً يعبر كل منها عن تطور دبي ودولة الإمارات. ويتيح المتحف فرصة اكتشاف تاريخ إمارة دبي وثقافتها وتراثها العريق عبر مجموعة من المقتنيات والمعروضات والأفلام والصور الفوتوغرافية القديمة بطريقة تفاعلية مبتكرة.
متحف الاتحاد
ويُعد متحف الاتحاد أحد أهم الإنجازات التي تؤرخ لمرحلة بالغة الأهمية من تاريخ دولة الإمارات وصولاً إلى إعلان دولة الاتحاد في عام 1971، وما سبقها وما صاحب سنواتها الأولى من تطورات لاسيما خلال الفترة ما بين 1968 و1974، إذ يُشكل المتحف سجلاً مستداماً يحفظ لدولة الإمارات تفاصيل إنجاز تاريخي يحصد أبناء الإمارات ثماره حتى الآن.
• بلدية دبي تنجز ما يزيد على 20 مشروعاً من مشاريع ترميم وتأهيل المباني التاريخية في دبي.
• متحف الشندغة أكبر متحف تراثي في دولة الإمارات يضم 22 جناحاً تحتضن أكثر من 80 بيتاً تاريخياً.
• 700 مبنى تاريخي.
• 400 مشروع من مشاريع ترميم.
منى فيصل القرق:
• الثقافة أحد أعمدة بناء المجتمعات المتحضّرة والمزدهرة.
بدر آل علي:
• ترميم المباني التاريخية في دبي يأتي للحفاظ على هوية المدينة وحماية موروثها.
وجهة دبي الثقافية
تُعد مكتبة محمد بن راشد ملاذاً للباحثين عن المعرفة بين دفتيّ كتاب، وموقعاً مهماً لعشاق الثقافة بكل أوجهها، بما تضمه من أمسيات شعرية وجلسات لمناقشة أحدث الإصدارات المطبوعة، والورش التعليمية، والعروض الثقافية التي تُقام على خشبة المسرح وفعاليات للأطفال، وما تضمه من مخطوطات قديمة وإصدارات نادرة تأخذ المتلقي في رحلة بين الأفكار والخبرات التي تضعها المكتبة بين أيدي طالبي النهل من مصادر العلوم والثقافة والفنون.
حراك ثقافي
تسعى رؤية دبي الثقافية الجديدة التي أطلقتها وتشرف على تنفيذها هيئة الثقافة والفنون في دبي، بتوجيهات مباشرة من سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة الهيئة، لتحقيق ثلاثة مستهدفات استراتيجية رئيسة تشمل: خلق حراك ثقافي فعّال لتعزيز مكانة دبي على خارطة العالم الثقافية، وجعل دبي الوجهة الأولى للمواهب الثقافية والإبداعية والفنية والأدبية محلياً وعربياً وعالمياً، ودعم نمو الصناعات الإبداعية في الإمارة لتعزيز العائد الاقتصادي الثقافي.
مبادرات مستدامة
لم يقف اهتمام دبي عند حد ترميم وتطوير المتاحف والمباني التاريخية والأثرية في الإمارة، بل واكب ذلك رؤية ثقافية جديدة تضم مبادرات استراتيجية عدة ذات طابع مستدام تسهم في تكريس مكانة دبي وسمعتها كصاحبة ثقافة رائدة، وكمركز حضاري يستفيد من الثراء الثقافي والإنساني النابع من التنوع الكبير الذي يميز مجتمع الإمارة بكل ما تضمه من ثقافات عديدة ومتنوّعة، وبما يكرس إسهاماتها كمدينة حاضنة للموهوبين والمبدعين والمبتكرين من كل أنحاء العالم، وكبيئة إبداعية تتوافر فيها كل عناصر وأدوات التمكين الاقتصادي والاجتماعي والمعرفي والتقني، وحلقة وصل فعالة للتلاقي الفكري والإنساني، وبما يعكس منظومتها القيميّة القائمة على التسامح والتعايش والإخاء والانفتاح وقبول الآخر، ويرسّخ مكانتها مركزاً ثقافياً رائداً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news