«أبد الدهر».. رحلة عار لا تتوقف

مشاعر ثقيلة محمّلة بالعار المؤلم والعجز والحب، نثرتها فرقة «مسرح دبي الأهلي» في مسرحية «أبد الدهر» على خشبة ندوة الثقافة والعلوم، في خامس أيام مهرجان دبي لمسرح الشباب، أول من أمس.

حمل العمل - الذي امتد لما يقارب الساعة - كثيراً من المشاعر القاسية التي تواجه الإنسان، فعالج الحب والقتل والوجع الأنثوي الناتج عن وصمة العار التي قد يلصقها المجتمع بامرأة، ليبين لنا تجذر هذه القضايا وامتدادها عبر الأجيال، حيث تأرجح العمل في مساحة زمنية تمتد من الماضي إلى الحاضر.

بيئة إماراتية

ينفتح العمل منذ بدايته على عوالم البيئة الإماراتية، فالسينوغرافيا المستخدمة في المسرح، بدءاً من الديكور وصولاً إلى الموسيقى والأزياء، مستمدة من الحياة الإماراتية وتحديداً البيئة البحرية، كما أنه قدم باللهجة المحلية. يغوص العمل وهو من تأليف وإخراج عبدالله المهيري، في المشاعر البشرية القاسية عبر حكاية (عويش)، قدمت دورها عذاري السويدي، التي تلازمها وصمة العار والمشاعر القاسية، بسبب عمل والدتها في الرقص وإحياء الأفراح، بعدما ابتلع والدها (مانع) القرش في رحلة غوص، وتوفي قبل أن يعلن زواجه بوالدتها (مرايم) التي أنجبتها وأنجبت شقيقها المجنون (جسوم).

أداء درامي

تتصاعد الأحداث في هذه الفرجة المسرحية المعتمدة على الأداء الدرامي، لتبرز قضايا الحب والقتل، حين تقع (عويش) في حب (فهد) قام بدوره خالد حسين، العاجز عن الارتباط بها بسبب رفض والده (محمد بن حارب) طلب يدها، فيتكشف لنا أن والد (فهد) كان سبباً في ابتلاع القرش لـ(مانع)، وتركه يواجه الموت بسبب حبه لـ(مرايم) والدتها. ويقودنا العمل عبر تصاعد الأحداث إلى ثيمات أخرى في المجتمع، وهي الشرف والعار والشائعات ونظرة المجتمع التي تتحكم بالمصائر، وكيف يتقدم (جبر)، حميد محمد، ابن عم (عويش) لزواجها ورفض شقيقته لهذا الزواج، ومن ثم رجم منزلها بالحجارة من المجتمع، فتهرب من واقعها بالزواج من رجل في قرية أخرى وتترك قريتها لتعيش معه.

يبرز العمل الكائنات المشوّهة والآلام الإنسانية والأوجاع التي يسببها المجتمع، وكأنها أقدار تتكرر دون توقف، حيث نشاهد في الختام (مرايم) والدة (عويش) التي تعيش القدر نفسه، وتتجدد معها كل هذه المشاعر، بما فيها العار الذي يعيش إلى «أبد الدهر».

تكامل في الأداء

لعل أبرز ما يميز العمل هو التكامل في الأداء، فقدم كل ممثل دوره وفق إيقاع واحد، ويمكن الإشارة الى بروز عبدالله عقيل في شخصية (جسوم)، حيث أدى دور المجنون باحترافية عالية. أما الديكور المستخدم فتم توظيفه بشكل جميل على المسرح، حيث كانت عملية تبديله تتم من خلال الممثلين، وبشكل يأتي ضمن سياق الأحداث دون تشتيت البصر. فيما تضمن العمل لوحة استعراضية واحدة، وكانت داعمة لسياق الأحداث التي غلب عليها الماضي، فيما الموسيقى شكلت جزءاً لا يتجزأ من جماليات العرض.

العرض المقبل

جمع عبدالله المهيري في هذا العمل بين التأليف والإخراج، وكذلك تصميم الديكور، وتحدث عن هذه التجربة لـ«الإمارات اليوم» قائلاً: «بعد انتهاء أي عرض أقدمه، مباشرة أفكر في العرض المقبل كيف سيكون وماذا سيحمل، لاسيما عندما أشعر بثقة الجمهور بعملي وبفريق العمل كاملاً، ففريق العمل ثابت ولا يتبدل وهناك نوع من التفاهم في عملنا». وأضاف: «منذ العام الماضي بدأت تتكشف الخيوط الأساسية للعمل الذي قدمته اليوم، وقد استغرق مني كثيراً من التفكير والدراسة، كونه يتكلم عن زمن قديم وشعبي ويتطلب البحث، وكذلك حصلت على استشارات كثيرة مع فنانين عاصروا المرحلة الزمنية الماضية، فهي خلطة تطلبت الفهم لكيفية صناعة لحظات دهشة عند المشاهد». ولفت إلى أنه تعمد إبراز قضية العار عند المرأة من خلال هذه القصة للتعبير عن قضية إنسانية، موضحاً أن الرجل حين يكون مقدراً للمرأة سيتمكن من إبراز مشاعرها على نحو جيد. وحول التحديات التي واجهت التحضير للعمل، لفت المهيري إلى أن الوقت كان التحدي الأكبر، إذ مر الفريق بظروف كثيرة وأزمات كبيرة، لأنه ليس من السهل على المخرج إنجاز عملاً مع فريق كبير لكل منه ظروفه وعمله ودراسته وارتباطاته، لذا كانت هناك حالة صراع مع الوقت، خصوصاً أن الفريق يسعى لتقديم الأفضل بعد أن اعتاد الحصول على الدعم من الجمهور. وعبّر المهيري عن ولائه لمهرجان دبي لمسرح الشباب، موضحاً أنه يحمل الانتماء الكبير للمهرجان، متمنياً أن يحافظ على الازدهار والتطور، ويواصل دعمه لكل العاملين في مجال المسرح لتقديم ما هو أفضل.

فخر ودموع

 

حملت الندوة التطبيقية العديد من المداخلات التي أشادت بالعمل، ولكن كانت المداخلة الأبرز هي الأخيرة، والتي كانت من والدة المؤلف والمخرج عبدالله المهيري، حيث عبّرت عن فخرها بالإنجاز والعمل الذي قدمه ابنها على خشبة المسرح، على الرغم من مروره بظروف قاسية على المستوى الشخصي ولكنه أبدع، موضحة أنها «كمشاهدة وليست كأم، قد بكت وهي تشاهد العمل». كانت كلمة الوالدة مؤثرة جداً في الحضور وفي عبدالله المهيري، الذي لم يتمكن من حبس دموعه، لاسيما أنها محملة بكلمات الفخر والتمنيات بالتوفيق دائماً في المحطات المقبلة.

الأكثر مشاركة