ألهم مصممي الدار العريقة من «رباعيات الخيام» إلى نقوش المآذن
مجوهرات «كارتييه» تزهو بلمسات الفن الإسلامي في «اللوفر أبوظبي»
ما الذي يمكن أن يجمع بين كتاب «ألف ليلة وليلة» أو «رباعيات الخيام»، ونقوش مآذن ومبان تاريخية وإسلامية من جهة.. وبين مجوهرات «كارتييه» من جهة أخرى؟ سؤال يطرحه ويجيب عنه معرض «كارتييه.. الفنّ الإسلامي ومنابع الحداثة»، الذي يفتح أبوابه للجمهور غداً، ويستمر حتى 24 مارس 2024 في متحف اللوفر أبوظبي.
عبر أكثر من 400 عمل تتنوّع بين المجوهرات والأشياء الثمينة وروائع الفن الإسلامي والرسومات والمنسوجات والصور الفوتوغرافية، يتتبع المعرض تأثيرات الفنون الإسلامية على تصاميم «كارتييه»، من بداية القرن الـ20 حتى اليوم، كاشفاً عن كيف يمكن أن يتغير مسار الإبداع ليخرج عما هو سائد ومعتاد عندما يكون المبدع والمصمم قادراً على التواصل مع ثقافات مختلفة والانفتاح على أفكار جديدة، مبرزاً مصادر الإلهام لمصممي «كارتييه»، عبر أسلوب عرض لافت يجمع بين صور ومخطوطات للرسومات والتصميمات الإسلامية، وإلى جانبها القطع التي جرى استلهامها من هذه التصميمات، بما يشكل إضافة حقيقية لزائر المكان.
ألوان وتصميمات
ويلقي المعرض الضوء على الأشكال الهندسية التي ظهرت على مجوهرات الدار في بداية القرن الـ20، وكيف استمد المصممون الأنماط الزخرفية من الكتب القديمة التي تتنوّع بين تاريخ الفن والمؤلفات المختصّة بالهندسة المعمارية والفنون الإسلامية والعالم العربي، فظهرت هذه الأشكال في ظل إدارة لويس كارتييه الفنية، التي امتدت بين عامي 1898 و1933. ومثلت الفنون الإيرانية أيضاً مصدراً مهماً للإلهام من خلال فنون الكتاب والمنسوجات، مثل: (أشكال مجموعات الآجر وسعيفات النخيل والزهيرات والزخارف الحلزونية)، لتقديم توليفة فريدة.
ويتوغل المعرض في بحثه عن مصادر الإلهام في الدار العريقة، ومنها المتاحف الباريسية وكيف أتاحت للمصممين اكتشاف الأعمال الفنية الإسلامية، مثل: (متحف اللوفر ومتحف الفنون الزخرفية ومتحف كلوني)، الذي عرض في تلك الفترة (خزفيات إزنيق)، التي كانت بمثابة الأصل الذي نبع منه الجمع بين اللونين الأخضر للزمرد والأحمر البرتقالي للمرجان في تصميمات لويس كارتييه، كما استلهمت من الفنون الإيرانية مجموعة مبهرة من القطع جمعت في قسم بالمعرض تحت عنوان «ألوان لويس كارتييه»، وتميزت بتناغماتها اللونية غير المعهودة في ذلك الوقت، فجمعت بين الأزرق للفيروز والأخضر للزمرد، وأزرق الفيروز الإيراني مع اللازورد الأفغاني اللامع في استعادة للأغطية المزججة المميزة لآجر آسيا الوسطى وخزفياتها.
وكان مطلع القرن الـ20 قد شهد إقامة العديد من المعارض الكبرى عن الفن الإسلامي، وانتشاراً واسعاً للأعمال الفنية، خصوصاً اللوحات والمخطوطات الفارسية والهندية، ما أدى إلى انتشار الموضة الفارسية في باريس. وكان لويس كارتييه، حفيد مؤسس «دار كارتييه»، معجباً بهذه التقاليد الفنية التي اكتشفها في سوق الفنون الباريسية، إذ تمكن خلال رحلته التي انطلق فيها بحثاً عن مصادر جديدة للإلهام من إثراء مكتبة دراسات «دار كارتييه» بأحدث المؤلفات المخصصة للفنون والهندسة المعمارية الإسلامية. وشكّلت هذه المكتبة مورداً لا ينضب من الأنماط الفنية لمصممي الدار، بل كادت تكون مصدرهم الأساسي. وكوّن لويس كارتييه، خلال العقد الثاني من القرن الـ20، مجموعة شخصية من مقتنيات الفنون الإسلامية وجعلها متاحة لمصممي الدار. وفي عام 1911، سافر شقيقه جاك كارتييه إلى الهند لتعزيز العلاقات مع الأمراء الهنود، وإلى منطقة الخليج العربي لاستكشاف سوق اللؤلؤ. وفتح استكشاف أنماط وأشكال الهندسة المعمارية والأعمال الفنية والأدب أمام الدار أبواب عالم جديد من أساليب التعبير الفني الحديث، بدءاً من التوجه الفني الخاص بجان توسان وحتى يومنا هذا.
معروضات نادرة
ومن القطع المعروضة على هامش المعرض، قطعة من أبرز مقتنيات اللوفر أبوظبي، وهي لوح عاجي منحوت مع مخطوطات (1334-1339 القاهرة - مصر)، وطبق مزخرف بورق الساز الأزرق وأزهار التوليب المنقطة والورود (قرابة 1580 إزنيق - تركيا)، وإناء زجاجي على شكل مصباح مسجد من تصميم جوزيف بروكار (1871 باريس - فرنسا). كما يشمل المعرض قطعة من متاحف أخرى وبعضها لم يعرض من قبل، فيقدم متحف الفنون الزخرفية حوضاً لتيودور ديك (1863 - باريس) وغلاف كتاب «الرباعيات» لعمر الخيام (1912 - باريس). وتتضمن أبرز القطع المُعارة من متحف اللوفر جزءاً من لوحة فسيفساء ذات زخارف هندسية (القرن الـ14 - القرن الـ15)، وثلاثة مربعات خزفية من لوحة حائط (1550 - 1600 - دمشق)، ومقلمة يُقال إنها تخص ميرزا محمد مونشي، ومقلمة باسم الشاه عباس (أواخر القرن الـ16 - أوائل القرن الـ17 الدكن - الهند)، وعلبة حُليّ (القرن الـ19 - إيران). وتسهم مجموعة «كارتييه» بأعمال فنية خاصة، بما في ذلك مشبك «معيَّن» (كارتييه باريس - 1912)، وحقيبة أدوات زينة ذات زخرفة مستوحاة من خزفيّات إزنيق (كارتييه باريس - 1927)، وعلبة سجائر «فارسيّة» (كارتييه باريس - 1924)، وقلادة هندوسية (كارتييه باريس - 1936). ويقدم القصر الصغير - متحف الفنون الجميلة في باريس مجموعة استثنائية من الرسومات التي أبدعها شارل جاكو، وهو أحد المصممين الأساسيين لدى «دار كارتييه».
• 400 عمل تتنوّع بين النفائس وروائع الفن الإسلامي والرسومات والمنسوجات والصور في المعرض.
• معرض «كارتييه.. الفنّ الإسلامي ومنابع الحداثة» يفتح أبوابه للجمهور غداً، ويستمر حتى 24 مارس المقبل.
ثراء
في تعليقه على معرض «كارتييه.. الفنّ الإسلامي ومنابع الحداثة»، ذكر مدير الصورة والأسلوب والتراث في «كارتييه»، بيير رينيرو، أن «الفن الإسلامي أدى دوراً محورياً ترك من خلاله أثراً ملموساً وهيكلياً في أسلوب الدار الإبداعي منذ بداية القرن الـ20. ولايزال هذا الأثر ممتداً ويتسع نطاقه حتى يومنا هذا، بفضل ثراء الأنماط الهندسية وتشكيلاتها المتعددة»، مشيراً إلى أن المعرض يسلط الضوء على اللغة الحية لأسلوب «كارتييه»، كما يُبرز بدوره مدى أهمية المجوهرات في مجال الفن، ويمنح المتلقي فرصة للكشف عن الروح الريادية الحقيقية التي تتميز بها «كارتييه»، إضافة إلى الدور الذي أدته في نشأة الحداثة في بداية القرن الماضي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news