أبوظبي تسْبح في الضوء.. بتجارب غير تقليدية
أن تطارد سرباً من الحروف الضوئية يبدو وكأنه يسبح حولك على الأرض لتعيد تشكيله ليصبح أبياتاً شعرية، أو تشاهد نبضات قلبك تتحول إلى ضوء ينبض بين التلال الرملية، أو تكتشف سر ستارة شاهقة من الضوء.. هذا جزء من التجارب التفاعلية غير التقليدية التي يمنحها المعرض الفني الضوئي «منار أبوظبي» لزوار دورته الأولى التي تقام حالياً تحت عنوان «سكون الضوء» في مجموعة من مناطق وجزر العاصمة، وتستمر حتى 30 يناير 2024.
تفتح الأعمال الفنية المشاركة في «منار أبوظبي» أمام المتلقي مساحات ومسارات نحو فهم الذات والإبحار فيها، واستدعاء أفكار وصور من الذاكرة استرشاداً بومضات الضوء وانعكاساته المتعددة باعتباره انعكاساً لذواتنا الداخلية، والجسد والعقل والروح، وذلك عبر مجموعة من الأعمال الفنية لأكثر من 20 فناناً محلياً وإقليمياً وعالمياً من الأرجنتين وتايوان وألمانيا وفرنسا والهند واليابان والمكسيك وفلسطين والسعودية وتونس والإمارات والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، وتولت تنسيقه الفني ريم فضة وعلياء زعل لوتاه.
وتمثل جزيرة اللؤلؤ في أبوظبي واحدة من سبعة مواقع تتوزع فيها أعمال «منار أبوظبي»، فتضم عمل الفنانة نجوم الغانم «السفن المحلقة» الذي يمكن مشاهدته من منطقة كاسر الأمواج، وهي مستمدة من التراث البحري للإمارات، للاحتفاء به وبالأجداد الذين ارتبطت حياتهم بالبحر والسفن في مجالات مختلفة.
جزيرة الترجمة
الانتقال إلى جزيرة اللؤلؤ عبر قوارب متاحة في منطقة كاسر الأمواج، يقود الجمهور لاكتشاف «جزيرة الترجمة» وهو العنوان الذي اختاره الفنان رافاييل لوزانو هيمر لرحلة تفاعلية تضم 10 أعمال فنية متعددة الوسائط، تتمحور حول الترجمة سواء بالمفهوم الشائع المرتبط باللغات، أو بمفهوم أوسع حول نقل الواقع المجسد إلى واقع رقمي.
وتتيح هذه الرحلة للزوار اكتشاف منبع الضوء الذي يمتد إلى السماء ويشاهده سكان المناطق القريبة من الكورنيش في العاصمة وعلى امتداد مساحة واسعة، وهو عمل فني يعد الأكبر بين الأعمال العشرة بعنوان «المتصادم» أو «كولايدر»، يشبه ستارة شاهقة من الضوء، ويترجم الأشعة الكونية التي تصل إلى الأرض وتكون عادة غير مرئية إلا أنها تصبح ظاهرة بعد تفاعل ستارة الضوء وخلق أنماط متتالية غير متكررة تشبه الموجات.
ومن موجات «المتصادم» ينتقل مسار الضوء في الجزيرة إلى موجات أخرى في عمل بعنوان «تيار الترجمة»، يقوم على تقديم أبيات للشعراء الإماراتيين نجوم الغانم وخالد البدور وعادل خزام بلغات عدة لتنساب على هيئة تيار بطيء يشعر معه المتلقي أنه يسبح في بحر من الكلمات والحروف التي تتفاعل مع خطواته ومع فترات سكونه لتتجمع حوله في دائرة من الشعر. بينما يقوم العمل الثالث بتجميع صور الزوار وتخزينها وفق خوارزميات الذكاء الاصطناعي ليجد الزائر صورته على شاشة ضخمة وقد امتزجت مع ملامح أشخاص آخرين من الماضي.
في حين يحول عمل «جزيرة النبض» مساحة واسعة من تلال جزيرة اللؤلؤ إلى تجسيد بالصوت والضوء لنبض الزوار عبر وضع أيديهم بالقرب من مستشعر يرى ويسمع نبضات قلبه في مشهد طبيعي مضيء، وعلى المفهوم نفسه تتواصل باقي الأعمال الفنية ليحول بعضها حرارة الأجساد إلى ألوان وأشكال تتجسد على شاشة عملاقة، ويحول الآخر الأصوات إلى موجات ضوء.
احتفاء بالتاريخ والحاضر
وتتعدد المفاهيم التي تطرحها أعمال «منار أبوظبي» هذا العام، فيركز جانب كبير من أعمال الفنانين من الإمارات على التاريخ والحقبة الحديثة التي تعيشها الدولة، فتقدم عائشة حاضر وروضة الكتبي وشيخة الكتبي، سلسلة من الأعمال الفنية التي تهدف إلى استكشاف تقاليد أبوظبي وممارساتها الثقافية، في منطقة القرم الشرقي.
ويجسد أحمد سعيد العارف الظاهري تغيّر المناظر الطبيعية في أبوظبي وأفقها في فيديو قصير. وتعبر أسماء بالحمّر في منحوتاتها عن تجربة من ترعرعوا في دولة الإمارات، وكيف عاصروا التغيرات في المباني والمناظر الطبيعية.
وتركز لطيفة سعيد ونادية كعبي في أعمالهما الفنية على تحويل التصميم المعماري إلى عدسات للضوء. ومن خلال تحويل شاطئ الكورنيش إلى لوحات حركية بمساعدة شاشتي إل إي دي تدمج الفنانة سامية حلبي الرسم مع التقنيات الحركية لتعكس النمو والتطور.
صديقة للبيئة
ويمثل مفهوم الاستدامة أحد ركائز «منار أبوظبي» الذي يأتي ضمن مبادرة «أبوظبي للفن العام»، التي دشنتها دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي مطلع العام الجاري، فإلى جانب سعي الحدث لتسليط الضوء على التنوع البيولوجي في أبوظبي وجمالها الطبيعي، التزم الفنانون بتنفيذ أعمالهم بطرق ووسائل صديقة للبيئة، حيث اتجه البعض في أعماله للتركيز على التوعية البيئية مثل منحوتة «الخيمياء المرجانية» قزحية الألوان التي يبلغ ارتفاعها أربعة أمتار على شاطئ الكورنيش، والتي تهدف إلى تعزيز الوعي البيئي، وتسليط الضوء على أنواع الشعاب المرجانية المهدَّدة بالانقراض.
• الأعمال الفنية المشاركة في «منار أبوظبي» تفتح أمام المتلقي مساحات ومسارات نحو فهم الذات والإبحار فيها.
• رحلة «جزيرة الترجمة» تتيح للزوار اكتشاف منبع الضوء الذي يمتد إلى السماء ويشاهده سكان المناطق القريبة من كورنيش أبوظبي.
• 30 يناير المقبل موعد اختتام المعرض الفني.
أعمال منتظرة
من المقرر أن تعرض ضمن «منار أبوظبي» سلسلة ثانية من الأعمال الفنية في جزيرة السمالية في الفترة من 20 ديسمبر إلى 30 يناير المقبلين، وسيطل خلالها عمل لمجموعة تيم لاب، التي تستغل التقنيات الرقمية لإنشاء أعمال فنية غامرة تنقل المشاهدين إلى عالم تلتقي فيه الطبيعة والتقنية في تجانس تام. ويدرس أيمن زيداني التفاعل بين البشر والعالم الطبيعي في عمله «تريبوليس»، الذي يعزِّز التفكير في ارتباطنا بالأرض والفصائل الأخرى، ويصور محمد كاظم التعاون عبر مختلف المجالات في عمل فني، ويظهر الوحدة والفرص اللامحدودة التي توفرها دولة الإمارات من خلال ترتيب دائري للإحداثيات العددية من خلال عمله الفني «الاتجاهات، الإمارات العربية المتحدة».
وفي جزيرة الجبيل، منتزه القرم الوطني، سيضيء العمل الفني التكليفي للفنانة رين وو «واحد مع التربة، واحد مع السحابة»، دورة حياة أشجار القرم من خلال سرب عائم من الأضواء، احتفالاً بجمال الوجود مع تقديم منظر فريد عن العالم الحي من الأعلى. وأخيراً، واحتفالاً بالمنطقة الثقافية الصاعدة، ستقدم آلاء إدريس منظوراً جديداً لجزيرة السعديات مع متحف جوجنهايم أبوظبي الجديد في الخلفية.