تجربة متفرّدة استمدت أدواتها من المحيط البيئي
حسن شريف.. الأب الروحي للفن المستدام في الإمارات
تجربة رائدة في الفن التشكيلي تتسم بكثير من التفرّد والخصوصية، قدّمها الفنان الإماراتي الراحل حسن شريف، الذي يعد أول من أدخل مفهوم «الفن المصنوع من الأشياء المهملة» إلى المشهد الفني في الإمارات، فكانت أعماله محاكية لمفهوم الاستدامة منذ تلك الفترة.
وقدّم الفنان مسيرة حافلة بالفنون تستمد وسائطها من المحيط البيئي، وعلى الرغم من عدم تقبّل هذا الفن من قِبل فئة كبيرة من الجمهور، فإنه جذب كثيراً من الفنانين الذين تتلمذوا على مدرسته الفنية، وتابعوا في مجال الفن المفاهيمي.
متاحف عالمية
ويعد الفنان الذي رحل عام 2016 عن عمر 65 عاماً، الأب الروحي للفن المفاهيمي وما بعد الحداثي في الإمارات، حيث قدّم أعمالاً اقتُنيت في متاحف عالمية، ومعارض جعلته من أبرز الأسماء الحاضرة في هذا المجال. بدأ شريف حياته الفنية من خلال الرسم الكاريكاتيري، كما كانت له تجارب في الرسم الواقعي والانطباعي، ولكنه توجّه إلى الفن المفاهيمي في مرحلة لاحقة. ولم تكن هذه التجربة مألوفة في الدولة وقتذاك، لكنها هي التي قادته إلى العالمية، حيث احتضنت معارضه، العديد من عواصم الفن العالمية والدول الغربية، ومنها ألمانيا وفرنسا وهولندا، والولايات المتحدة الأميركية وغيرها.
تتبع شريف شغفه بالمواد البسيطة التي صاغت أعماله، وراح يعيد تشكيل قطع الكرتون والخيوط وصولاً إلى الأحبال والبلاستيك والحديد، وغيرها من المواد التي صنع منها أسطورته الخاصة. وأثارت المواد التي كان يستخدمها شريف دهشة المتلقي، إذ كان شديد الحرص على أن تكون مواده الأولية من البيئة المحيطة به، فكان يجمع من المواد ما فقد وظيفته وصلاحية استخدامه مع الزمن، ويعيد له الحياة، كما كان يضع المواد المتباينة في اتساق مدهش، وفق تكوينات جديدة.
ثمن باهظ
عانى حسن شريف ما يمكن تسميته «الرفض الفني» في بداياته الفنية، بعد أن أنهى دراسته في بريطانيا وعاد إلى الإمارات، بسبب اختلاف الأعمال التي يقدّمها، لاسيما لجهة المواد التي يستخدمها، وكان ذلك متوقعاً، حيث غالباً ما يدفع الفنانون المختلفون ثمناً باهظاً لهذا الاختلاف، لكن بعد فترة بدأت تجربته تجذب الأنظار وتأخذ حقها من الضوء إلى أن بات رائداً من رواد الحركة التشكيلية الإماراتية. وقاد هذا التوجّه تجربة الفنان الإماراتي إلى الأعمال التركيبية الضخمة، فباتت التراكيب تأخذ أحجاماً كبيرة. وعلى الرغم من انصهاره في هذه المواد، وحبّه لتقديمها بأسلوبه الخاص، فإنه كان بين فترة وأخرى يعود إلى العمل وفق أسلوب البدايات، أي الانطباعي والواقعي، ما منح تجربته كثيراً من الخصوصية.
نظرة تهكّمية
ولم يتعمد شريف تقديم القضايا من خلال الأعمال الفنية التي طرحها، كما أنه ابتعد عن عرض المشكلات والهموم البشرية أو تقديم بعض الحلول لها، فقد آمن بأن الفن الذي يقدّمه يحمل كثيراً من النقد ويحاكي الواقع، لكن دون أن يكون مباشراً وواضحاً في هذا الطرح. واعتبر أن تحريك الوعي والإدراك لدى الجمهور، يجب أن يكون أساس أي عمل فني، وليس النمط أو المواد، فلم يؤمن يوماً بمسألة المحاباة في التوجّه الفني أو حتى في المواد، ولعل ذلك هو سبب تأثره بتجربة الفنان، مارسيل دوشان، خلال دراسته للفن في لندن، لاسيما أن النظرة التهكّمية والناقدة كانت تجمعه بدوشان.
مقالات وكتابات متخصصة
وإلى جانب العمل الفني لم يتخل شريف عن علوم الفن النظرية، فقد أثرى تجربته العملية بمئات المقالات والكتابات المتخصصة في الفنون، كما أنه قدّم مجموعة من الكتب، منها «الفن الجديد»، و«آلات حادة لصنع الفن»، و«مفهوم الفن»، وكتاب «الخمسة». كما أنه أسهم في تأسيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، ومجموعة الخمسة التي ضمت إلى جانبه محمد كاظم، وابتسام عبدالعزيز، وعبدالله السعدي، ومحمد أحمد إبراهيم، الذين اتخذوا من الفن المفاهيمي أسلوباً لهم في العمل.
• بدأ حياته الفنية بالرسم الكاريكاتيري وكانت له تجارب في الرسم الواقعي والانطباعي، وتوجّه لاحقاً إلى الفن المفاهيمي.
• لم يتعمد تقديم القضايا من خلال الأعمال الفنية التي طرحها، كما ابتعد عن عرض المشكلات أو تقديم الحلول لها.
كتابات توثّق التجربة
أكثر من إصدار وكتاب وثّق تجربة الفنان الراحل حسن شريف، منها كتاب «حسن شريف: فنان العمل الواحد» الذي صدر عن مؤسسة الشارقة للفنون و«كوينج بوكس» في لندن.
ويقدّم الكتاب الذي حررته الشيخة حور القاسمي، رئيسة مؤسسة الشارقة للفنون، بحوث المؤسسة المعمقة في ممارسة الفنان الرائد حسن شريف، ويتضمن صوراً لأعمال مفقودة له، وترجمات إنجليزية أصلية من كتاباته الصحافية والتجريبية، إلى جانب مواد أرشيفية من معارض. كما صدر كتاب بعنوان «حسن شريف.. محطات وتجارب وشهادات» عن مؤسسة سلطان بن علي العويس، سلط الضوء على تجربته الفنية وتطورها، والأسلوب التجريبي الذي جعله ينطلق إلى العالمية ويُطلق على نفسه فنان العمل الواحد.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news