معارض الكتب في الإمارات.. منصّات لاستدامة الثقافة ورائحة ورق لن تغيب
أكد ناشرون وقرّاء أن التطور التقني الكبير الذي تشهده صناعة الكتب في العالم لم يؤدِ إلى تهميش دور معارض الكتب في نشر الثقافة والمعرفة، أو تغييب الكتاب الورقي في مقابل الإصدارات الرقمية، كما خرجت بعض التوقعات من قبل، موضحين أن معارض الكتب في معظم الدول العربية استطاعت أن تطور من نفسها وتواكب المستجدات التقنية، وأن تصبح منصات لاستدامة الثقافة والمعرفة، والاحتفاء بالقراءة ورائحة الورق التي ستظل عشقاً لكثيرين.
وأضاف الناشرون والقرّاء، الذين التقتهم «الإمارات اليوم»، أن أهمية معارض الكتب لا ترتبط فقط بحجم المبيعات التي تحققها، فهي مساحة للتواصل بين عناصر العملية الإبداعية من كُتّاب ومؤلفين وناشرين وموزعين وقرّاء، كما باتت تجمع بين الإصدارات التقليدية الورقية والإصدارات الرقمية و(البودكاست)، وغيرها من أشكال تداول المعرفة.
مكانة مهمة
وقال الناشر حمدان سعد الشمراني، من «دار حروف» الكويتية، إن «معارض الكتب مازالت تتمتع بمكانة مهمة ودور فاعل في الساحة الثقافية وفي مجال صناعة النشر، وتحقق إقبالاً واسعاً في الدول العربية»، مشيراً إلى أن الجمهور العربي مازال يتمسك بالكتب الورقية، وهو ما يجعل الكتاب الرقمي في المنطقة العربية أقل انتشاراً من الخارج.
وأضاف أن «الكتاب الورقي يمثل التوجه الرئيس بالنسبة لدار النشر لديه، رغم ما يذكر عن تراجع الإقبال على الكتاب الورقي والتقليدي»، لافتاً إلى أن العمل في قطاع النشر لا يجب أن يتم التعامل معه اعتماداً على حسابات المكسب والخسارة فقط، فهناك جانب آخر لصناعة النشر مرتبط بنشر الثقافة ودعم القراءة وشغف الناشر بعمله.
ورأى الشمراني أن النشر بشكل عام مثل كثير من المشروعات يمكن أن يتعرض للخسارة، وقد يكتب له النجاح، ولذلك يجب على القائمين عليه التمسك بمعايير النجاح، ومنها أن يكون لدى الناشر المعرفة والخبرة في اختيار الكتب، وأن يكون هناك توجه واضح للدار، وأن يكون لدى الناشر دوافع ذات بُعد ثقافي معرفي، ولا يتعامل مع عمله باعتباره مجرد مشروع تجاري يهدف للربح. كذلك يجب اختيار الإصدارات التي تسعى للحفاظ على قيم المجتمع والتوجهات العامة وعدم الاصطدام معها بشكل مباشر، خصوصاً أن كثيرين من القرّاء في عمر الشباب والمراهقة، مع مراعاة تنويع المحتوى الذي تقدمه الدار ليناسب كل الفئات.
وحول تأثير التسويق الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي على صناعة النشر، قال الشمراني إن «هذه التقنيات بات لها تأثير واضح في التسويق للكتب والإصدارات الحديثة، فهناك كتب ذات محتوى متميز ولكنها تتعرض للظلم بسبب عدم قدرة الكاتب على التسويق لنفسه عبر التواصل الاجتماعي، وكتب أخرى قد تكون أقل في تميز المحتوى ولكنها تتصدر (التريند)»، موضحاً أنه كناشر استفاد من مواقع التواصل الاجتماعي لتعريف شريحة واسعة من مستخدمي هذه المواقع على الدار ومنشوراتها وإصداراتها الجديدة، خصوصاً في فترة معارض الكتب، وهو ما يسهم في الترويج لهذه الإصدارات.
فرصة للتوسع والانتشار
من جانبه، اتفق مدير «دار مجرة للنشر والتوزيع»، الكاتب ناصر سالم بوهندي، مع الشمراني، مشدداً على أن معارض الكتاب ستظل تتمتع بمكانة مهمة في صناعة الثقافة والنشر واستدامتها، ولذلك يحرص على المشاركة فيها، سواء في بداية مشواره في مجال النشر، أو الآن بعد تأسيس الدار مع شركائه.
وأشار إلى أن مشاركاته في معارض الكتب ترجع إلى ست سنوات، إذ تمثل فرصة مهمة للتعارف والتوسع والانتشار للناشر وللكاتب كذلك.
وأضاف: «نهتم في (دار مجرة) بالمشاركة في معارض الكتب ليس فقط في العالم العربي، ولكن أيضاً في المعارض العالمية، مثل معرض فرانكفورت، ما يسهم في تحقيق التوسع والانتشار ككُتّاب أو كناشرين، وكذلك تمثل فرصة للتعامل المباشر مع الجمهور بمختلف فئاته، فنحن لا نتعامل مع النشر كمهنة بقدر ما نود ترك بصمة في هذا المجال وتحقيق تغيير إيجابي فيه».
وأشار بوهندي إلى أن النجاح في مجال النشر يعتمد على معايير عدة، منها اختيار أعمال تتميز بالإبداع، حيث ترفع الدار شعار «نحترم عقل القارئ ونقدر أعمال الكاتب»، ولذلك لا تقبل بنشر ما لا يليق بالذائقة الأدبية.
ونوّه بأن الكتب التي تقدمها الدار تتنوع لتستهدف كل الأعمار وكل أطياف المجتمع، فتشمل: أدب الجريمة والغموض، والقصص الاجتماعية والخواطر والأشعار، إلى جانب الترجمات التي اتجهت نحو الأدب الياباني
وأصدرت أكثر من ستة إصدارات، إضافة إلى الكتب الدينية وكتب التنمية البشرية.
حدث اجتماعي وثقافي
ويمثل طلبة المدارس شريحة مهمة من جمهور معارض الكتب في الإمارات ومختلف الدول العربية، عبر استقطاب رحلات مدرسية لمختلف المراحل الدراسية، بما يخلق روابط قوية بين الجيل الجديد وبين ثقافة القراءة واقتناء الكتب.
وقالت نها محمد (طالبة في الصف الثامن بأكاديميات الدار بأبوظبي)، إن «زيارة معرض الكتاب تُعدّ بالنسبة لها مناسبة تستعد لها وتستمتع بها بفضل الأجواء العامة التي يتفرد بها المعرض، وما يوفره لها من فرص لاستكشاف الكتب في الواقع وليس عبر البحث على الإنترنت»، معتبرة أن معرض الكتاب يُعدّ حدثاً اجتماعياً وثقافياً في الوقت نفسه.
واتفقت معها زميلتها هيا المصري، موضحة أن «الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي تتيح لها التعرف إلى إصدارات الكتب وشرائها، ولكن بطريقة أقل تنوعاً مما يتيحه المعرض، كذلك يقدم معرض الكتاب لزواره مجالاً واسعاً للتواصل مع ناشرين وأشخاص لديهم خبرة في مجال النشر، والاطلاع على الجديد على الساحة والاستفادة من آرائهم وترشحاتهم، وكذلك التعرف إلى تجارب مختلفة ومشاهدة عروض ثقافية وفنية وأدائية في مختلف المجالات».
• أهمية معارض الكتب لا ترتبط فقط بحجم المبيعات التي تحققها، فهي مساحة للتواصل بين عناصر العملية الإبداعية.
رؤية نحو المستقبل
شهدت معارض الكتب في الإمارات تطوراً كبيراً نحو استيعاب الثقافة والمعرفة بكل أشكالها، ودعم الصناعات الإبداعية، واستقطاب صُنّاع المحتوى الرقمي إلى جانب الناشرين التقليديين، وحققت نجاحاً كبيراً في هذا التوجه.
ويخصص معرض أبوظبي الدولي للكتاب سنوياً ركناً للنشر الرقمي، وهو مساحة كبيرة مخصصة للتكنولوجيا الجديدة والمحتوى الرقمي وخدمات النشر الإلكترونية ليتيح لمطوري المحتوى ومقدمي الخدمات الدوليين عرض عروضهم، وتطوير أعمالهم.
وشهد المعرض هذا العام توفير آلية «الدفع الرقمي» لزواره، وهو إجراء يطبق للمرة الأولى في العالم العربي، ليكون «أبوظبي للكتاب» في دورته الـ33، أول معرض للكتاب خالياً من الدفع النقدي.