محمد بن ثاني يعود إلى فريج «سكة الخيل»: بيتنا القديم كان «وسط العالم».. فيديو

‪ ذكريات كثيرة من أبناء ديرة وأهلها تحملها المنطقة المطلة على خور دبي، لاسيما بين دروب «سكة الخيل»، وشوارع «البطين» و«الضغاية»، وفصول المدرسة الأحمدية والمكتبة العامة الأولى في دبي بمنطقة الراس، بعناوينها وردهاتها وساحتها الخارجية التي تحمل قصصاً لدى العديد من أبناء دبي، ومن بينهم‪ ‬الكاتب والإعلامي محمد بن ثاني.

ارتبط اسم الإعلامي الإماراتي بكل ما له علاقة بـ«زمن الطيبين»، لاسيما عبر منشوراته في حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، وتغطياته التي ينشر من خلالها ملامح من دبي القديمة، من وجوه وأماكن حفرت في وجدانه، وظلت حية في ذاكرة محمد بن ثاني، كما أكد في جولته برفقة «الإمارات اليوم» في «البيت الأول» الذي كان من بين الأكبر في منطقتهم، معبراً عن حبه لقلب المدينة القديمة التي جمعت العالم وماتزال رغم التطور الذي تشهده دبي محتفظة بروحها ونشاطها الذي لم يتغير منذ سنوات بعيدة، لذا لا يكتفي بالعودة إليها.‬

البداية

«بيتنا كان في وسط العالم».. بهذه العبارة بدأ محمد بن ثاني حديثه عن منزله الأول في منطقة «سكة الخيل» بدبي، الذي أصبح اليوم وقفاً يستفيد منه أكثر من 150 شخصاً، مستعيداً التفاصيل: «كان البيت كبيراً يضم ست أسر مختلفة من عائلة بن ثاني الفلاسي، وله مدخلان الأول وهو الباب الكبير الذي يُعدُّ مدخل الساحة الداخلية للمنزل أو (الحوي)، بينما يؤدي الباب الآخر للمجلس مباشرة».

وأضاف «في الفترة التي ولدت فيها كنا ست أسر من عائلة واحدة في البيت نفسه، إذ كنت أسكن مع أمي وإخوتي في غرفة، وكان عمي في غرفة أخرى، وجدي في غرفة. وكان البيت كبيراً مقارنة بالبيوت الأخرى في المنطقة، كما أذكر أن جزءاً منه كان قديماً ومهدماً، وكانت لدينا حظيرة لتربية الأبقار والماعز، علاوة على شجرة لوز في منتصف البيت، والكثير من الحمام في الأعلى».

وشدّد بن ثاني على أن حنينه لمنطقة البيت الأول لم يتغير حتى مع مرور السنوات الطويلة، وهذا ما يدفعه للعودة إلى المكان كل حين، وكذلك بسبب الحياة التي لاتزال تحتفظ بها المنطقة حتى يومنا هذا، إذ كانت منطقة سكة الخيل إحدى أكثر المناطق الحيوية في دبي، التي كان آنذاك يسكن حولها معظم أبناء المدينة وسط أجواء حميمية وآمنة. وعلى الرغم من وجود المنطقة في وسط المدينة والأسواق، فإن الأبواب لم تكن تغلق في النهار أو الليل، إذ كانت العائلات تعرف بعضها، وكان الجيران بمثابة الوالدين، ما يعني أن لك أكثر من أب وأم.. فكل بيت تدخله في الفريج هو بيت أمك، وتعامل فيه معاملة الأبناء».

شريان المدينة

وأشار بن ثاني إلى أنه على الرغم من قلة تنوع الجنسيات آنذاك مقارنة بالوقت الحالي فإن منطقة النشأة تميّزت بالحيوية، لقربها من الخور الذي يُعدُّ «شريان دبي» كما وصفه، والذي يحمل له الكثير من الذكريات بين سكيك المكان الذي كان قريباً من مدرسة الأحمدية، حيث تعلم فيها.

أما اللعب فكان له طعم آخر في ذلك الزمن القديم، إذ على الرغم من أن الألعاب كانت تصنع من مواد بسيطة فإنها كانت ذات متعة كبيرة، إضافة إلى اللعب بين السكيك برفقة الأصدقاء يومياً، واللعب بلفافات الأقمشة في الشارع الخاص بسوق الأقمشة في المنطقة.

وأكمل: «كانت حياتنا معظمها في السكيك، فالواسعة كانت بمثابة ملعب لكرة القدم، بينما شكلت الضيقة المظلمة رعباً لنا، لارتباطها بقصص كان أهلنا يخوفوننا منها، إذ كنا نركض عند مرورنا فيها رعباً من ظهور (أم الدويس)».

ويتذكر بن ثاني: «أبرز ما ميّز أهل دبي أنهم مثل العائلة الواحدة، حيث التكاتف وأجواء الألفة بين أبناء المنطقة، فكانت الأسر تسكن في منطقة واحدة بقلب المدينة، وتربطهم صلات قوية لم تتغير مع مرور السنوات»، مستدلاً بصداقات الطفولة التي تستمر معه حتى يومنا هذا، حيث مازالوا يحتفظون بذكريات المنطقة واللعب في الساحات الرملية وكذلك على ضفاف الخور.

واستطرد «كنا نعيش في فريج واحد، أنا وأبناء عمي وأصدقائي، ومنهم أحمد خليفة، وعبدالله بن راشد، وسالم عبيدالله، وأغلب أصدقاء اليوم تربطني بهم معرفة منذ الصغر، وهي ميزة لدى أبناء دبي، حيث يعرف كل منا الآخر، لأننا نشأنا في منطقة واحدة وفريج بقلب دبي. كما أن معظمنا ذهب إلى مدرسة واحدة، وهي الأحمدية.. فكانت تختلف الصفوف لكننا كنا نجتمع في المدرسة ذاتها».

ويكمل بن ثاني «مدرستنا كانت مطلة على الخور، فكنا نخرج ونجلس على ضفته لرؤية العبرات وهي تنقل أهلنا من ديرة إلى الشندغة. كما لا أنسى المكتبة العامة الأولى في دبي التي كانت تحتوي على حوش وملعب كرة قدم، وأذكر أن أول مرة قرأت فيها قصة عنترة وعبلة كانت فيها، علاوة على أننا كنا نلعب في الساحة الخارجية للمكتبة».

 

قصص لا تنسى

قصص كثيرة عن المكان الأول الذي نشأ فيه مايزال يحتفظ بها محمد بن ثاني، من بينها أيام وطنية لا تمحى من الذاكرة، كقيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر عام 1971، وهو يوم لا ينساه بن ثاني الذي شهد الاحتفال بأول عيد وطني في تاريخ الإمارات الحبيبة، بمظاهر لم تغب عن باله، ووصفها قائلاً: «عندما احتفلنا بذلك اليوم، تزينت كل المحال بالأعلام والزينة في السوق بأكمله، وأذكر يومها أننا كنا نأخذ الأعلام من المحال لتزيين السكة والاستمتاع بهذه الأجواء».

واستطرد: «هناك الكثير من الذكريات في الفريج القديم، ومنها مسيرة عند وفاة الرئيس المصري جمال عبدالناصر، إذ خرج الجميع في مسيرة على البحر، وأذكر أننا شهدناها، كما كان لأبناء الفريج مشاريع حيث كانوا يبيعون العصائر ومنتجات مختلفة».

‪ ومع مرور السنوات وانتقاله إلى مناطق أخرى، لايزال بن ثاني يتردد على منطقة بيته الأول باستمرار، ويقوم عبر حسابه على «إنستغرام» بتوثيقها من خلال مقابلات وتغطيات لشخصيات ووجوه ارتبطت بذلك الزمن البعيد، ولا تخلو جولاته من لقاءات عفوية مع شخصيات من تلك المناطق التي شكل معها روابط قوية لم تغيرها السنين، ويلقى المحتوى الذي يقدمه إقبالاً كبيراً من أكثر من 200 ألف متابع لهذه المقاطع التي يوثق من خلالها حياة مجتمع الإمارات عن قرب، وشدد على أن السر وراء تردده الكبير على هذه المنطقة «هو تواصل للذاكرة الممتدة، والحنين إلى الحياة وروح المنطقة التي لم تتغير مع تطور دبي وعمرانها ومنطقة البيت الأول التي لاتزال حتى يومنا هذا تتميز بجمالها وحيويتها ونشاطها وكل ما هو مرتبط بالزمن الذي لايزال جميلاً

وأكمل «الذاكرة الممتدة لم تنقطع، صحيح تركنا الفريج وخرجنا منه وأصبحت هناك هجرة لخارج وسط المدينة، إذ انتقلنا من مرحلة لأخرى وخرجنا من منطقتنا الأساسية في الراس وسكة الخيل والبطين والضغاية وانتقلنا إلى فريج المرر والبراحة وأبوهيل ومن ثم إلى المزهر والطوار والخوانيج والعوير ونبتعد عن وسط المدينة، لكن الحنين يعود بك إلى مكانك القديم. وبالنسبة لي هو ليس مجرد حنين إلى البيت الأول، لأنه لم يعد له وجود الآن، لكن الرجوع إلى هذه المنطقة هو الرجوع إلى حياة ماتزال موجودة. نعم تغيّرت الوجوه والناس واللغات إلا أن المنطقة ماتزال تحتفظ بحيوتيها والأشياء الجميلة التي فيها».

ولا تقتصر شهرة الإعلامي بن ثاني على متابعيه على وسائل مواقع التواصل الاجتماعي فحسب، إذ يحظى بصيت واسع في المنطقة التي ترعرع فيها، لاسيما بين الباعة والتجار من مختلف الجنسيات، إذ يجسّد لهم قيم الشعب الإماراتي الأصيلة من التسامح والتعايش، إذ يعاملهم كجيران وإخوة، وتربطه بهم علاقة قوية، ويحرص على التردد عليهم منذ سنوات، لذا يذكرونه بكل معاني الخير، في علاقة احترام متبادلة تميّز أبناء دبي الأصيلين، الذين كانوا ومازالوا يحملون هذه القيم ويحافظون على تلك المبادئ.

«البقرة التي وقعت من أعلى البيت»

من أكثر حكايات الطفولة طرافة قصة «البقرة التي وقعت من فوق البيت»، التي لا ينساها الإعلامي الإماراتي محمد بن ثاني حتى اليوم، ويتذكرها بابتسامة لا تغادر وجهه، إذ صعدت البقرة الخاصة بوالدته الدرج لتصل إلى سطح المنزل وتقع من الأعلى، وما زاد الموقف طرافة هو طلب والدته إحضار مشروب «سفن آب» من البقالة القريبة «لإعطاء البقرة لتُشفى، ما جعلها حادثة لا تنسى».

محمد بن ثاني:

. كل بيت كنا ندخله في الفريج كان مثل بيت أمك، حيث تُعامل فيه معاملة الأبناء تماماً.

. أتذكر احتفالنا بأول عيد وطني، حيث تزينت كل المحال بالأعلام والزينة في السوق بأكمله.

. البيت الأول كان كبيراً ويضم ست أسر مختلفة من عائلة بن ثاني الفلاسي.

. معظم أصدقاء اليوم تربطني بهم علاقة منذ الصغر، وهي ميزة لدى أبناء دبي.

الأكثر مشاركة