العالم يحتفل به اليوم

الخط العربي في الإمارات.. رحلة ازدهار وتجديد لحروف الضاد

صورة

أولت دولة الإمارات العربية المتحدة اهتماماً كبيراً بفن الخط العربي، كجزء أساسي من النهضة الثقافية والفنية، وتمثل هذا الاهتمام بتنظيم المسابقات وإقامة المعارض الدولية السنوية ومنح الجوائز التي منحت بمجملها فن الخط العربي مكانة مرموقة، وأعادته إلى عصره الذهبي. وسعت الهيئات الثقافية في إمارات الدولة المختلفة إلى دعم فن الخط والخطاطين من خلال المبادرات الفنية، ما أسهم في جعله يتصدر المشهد الفني من جديد إلى جوار اللوحة التشكيلية، لاسيما بعد أن لامسته الحداثة في التقديم من حيث الشكل والأدوات.

ويحتفي العالم اليوم، 12 أغسطس، باليوم العالمي للخط العربي، وكانت للإمارات تجربة يصفها الخطاطون بالاستثنائية في دعم هذا الفن، بدءاً من تسليط الضوء عليه من خلال جميعة الفنون التشكيلية عند تأسيسها في التسعينات من القرن الماضي، وصولاً إلى تنظيم إمارة الشارقة لأول معرض سنوي للخط، ومن ثم تنظيم ندوة الثقافة والعلوم بدبي للمعرض الدولي للخط العربي في دبي. وتوالت المبادرات التي تُعنى بالخط العربي من المعارض والمحطات السنوية، إلى منح الجوائز المرموقة لأفضل الخطاطين، ومن بينها «جائزة البُردة» التي تنظمها وزارة الثقافة، وغيرها من الجوائز التي تشجع على المضي في رحلة الإبداع.

تجربة شخصية

وفي الحديث عن تطوّر فن الخط العربي في الدولة، ومن خلال تجربته الشخصية، قال الخطاط خالد الجلاف: «دفعني حبي للفن إلى دخول عالم الخط مع نهايات السبعينات في القرن الماضي، ولم أجد سبيلاً كي أطوّر من نفسي في ذلك الوقت، لا من حيث المراجع ولا الأساتذة أو حتى مراكز التعليم الخاصة»، ويضيف: «مع بداية الثمانينات جاءت مجموعة من الخطاطين العراقيين والسودانيين إلى الدولة، وتم توظيفهم في مؤسسات مختلفة، ومنهم من أحدث نقلة نوعية، كالخطاط العراقي نزار الدوري الذي عمل في صحيفة البيان، وأحدث نقلة في الخط الذي كان تكتب به العناوين، ومن ثم بدأت الشارقة بتكليف جمعية الإمارات للفنون التشكيلية بالاهتمام بالخط من خلال المعارض، وبعدها نظم بينالي الخط العربي في الشارقة». ولفت الجلاف إلى أن المسابقات توالت بعد ذلك، كما تم تأسيس مجلة «حروف عربية» التي أطلقتها ندوة الثقافة والعلوم بدبي، ومن ثم الجوائز الرائدة ومنها «البُردة»، حتى باتت الجوائز تقدّم في أكثر من إمارة، ومنها جائزة «البدر للخط العربي» في الفجيرة، وجائزة «كنز الجيل» في أبوظبي، معتبراً أن كل هذه المبادرات جاءت في الوقت الذي كاد الخط في العالم العربي يندثر، لكن الإمارات اهتمت بهذا الفن وأحيته من جديد.

ونوه الجلاف بأن المبادرات التي تنظمها الدولة تستقطب مئات الخطاطين، وتعرض أعمال الخط في معارض مختلفة، فضلاً عن الاهتمام باقتناء الأعمال الخطية، وهذا ما جعل فن الخط العربي يعيش عصره الذهبي الثاني. واعتبر الجلاف أن الخط العربي يتصدر المشهد في هذه الفترة، موضحاً أن هذا الأمر لا يرتبط بالتجديد الذي شهدته اللوحة، لأن هناك متذوقين للوحة الكلاسيكية وللوحة الحداثية، فالخط عاد من خلال كلاسيكيته. وشدّد على وجوب الفصل بين فن الخط العربي والحروفية، معتبراً أن من يستعين بالحروف من ناحية جمالية لا يمكنه أن يصبح خطاطاً، لأن الخطاط له موازينه وقواعده وأدواته.

وأكد الجلاف أن هناك تفاوتاً من قبل الجمهور في التعاطي مع الخط، مشيراً إلى أن الخط لم يعد متاحاً في التعليم والمدارس، ولم يعد الجيل الشاب يرى جمالية الخط العربي، مبيناً أنه لابد من الافتخار بالهوية العربية من خلال الخط.

خط خاص

من جهته، لفت الخطاط العراقي وسام شوكت، إلى أنه يقيم في الإمارات منذ 23 عاماً، ورحلته مع الخط في الدولة عمرها 24 عاماً بعد أن شارك بمعرض في الشارقة كان السبب في قدومه للإمارات، موضحاً أن الإمارات شهدت حركة خطية، بدأت بصدور مجلة تُعنى بالخط، والمعارض الدولية في الشارقة، ومن ثم أسهمت دبي بتطور الخط «من خلال الدعم الذي قدم من خلال شخصيات لها وزنها مُحبة لفن الخط العربي، أمثال محمد المر وعبدالرحمن العويس وأنور قرقاش، الذين أثروا في تطور حركة الخط من خلال استقطاب بعض الخطاطين والمعارض النوعية، وكذلك دعمهم المباشر في اقتناء الأعمال». وأشار إلى أن المبادرات المحلية طورت في فن الخط وأثرت في العديد من خارج الدولة أيضاً، فقد انعكس هذا التطور على التجربة التركية في الاهتمام بالخط العربي، والتي شهدت تطوراً كبيراً، فضلاً عن تأثر دول الجوار، ومنها عُمان والسعودية والكويت وقطر.

عمل شوكت على تقديم خط خاص يحمل اسمه، ورأى أن التجديد في الخط مطلب أساسي، مشدداً على أن مسألة التجديد في فن الخط العربي ليست سهلة، وقد لا يتقبلها الخطاطون الكلاسيكيون، وأن التجديد الذي قدمه أتى من خلفية كلاسيكية، فابتكاره كان طبيعياً وتلقائياً، إذ يعتبره جزءاً من التكرار ونقل ما هو موجود في السابق، لافتاً إلى أن التجديد يجب أن يكون مبنياً على فهم القواعد ودراسة الأعمال القديمة والانطلاق منها، مشيراً إلى أنه يشعر بالأسف لأن بعض الفنانين الشباب في السنوات الأخيرة يحاولون تقديم ما هو متجدد، ولكنه يأتي ضعيفاً كونه ليس مبنياً على قواعد الخط.

وتحدث شوكت عن العديد من المسابقات والجوائز، وهي بمجملها تسهم في تقدم فن الخط، لأنها تشجع الخطاطين والممارسين للخط على المشاركة، ما يرفع من مستوى المشاركين وروح المنافسة، كما أن المعارض المصاحبة للجوائز تقرب الجمهور من فن الخط، خصوصاً أنه في السنوات الأخيرة بات الخط من الفنون التي تدخل العديد من المجالات. ورأى أن فن الخط العربي في الإمارات يعيش عصراً ذهبياً، نظراً لوجود الملتقيات والمعارض والمسابقات، ووجود نخبة من الخطاطين المقيمين في الدولة الذين أسهموا في رفع صورة فن الخط العربي في الدولة. ونوه بأن فن الخط يزدهر الآن على الرغم من وجود العولمة و«الديجيتال آرت» وغيرها من التقنيات، فهو يعيش العصر الذهبي أكثر من فترة الثمانينات والتسعينات.

توق إلى التغيير

الخطاطة نرجس نورالدين، كانت لها حكايتها الخاصة مع الخط العربي الذي دخلته في عام 2000، إذ بحثت كثيراً عن مركز تتعلم فيه الخط، مشيرة إلى أن الدولة شهدت طفرة في مجال الخط العربي، حتى باتت الدول المجاورة تحذو حذوها بتنظيم المعارض والفعاليات المختصة بفن الخط العربي. ولفتت إلى أن المعارض الدولية المتعددة التي تنظم في مختلف إمارات الدولة، وكذلك الجوائز والمسابقات، باتت تُقام في العديد من الدول العربية الأخرى أيضاً، موضحة أن الإمارات كانت سباقة في منح الخط مكانته الرفيعة.

وقدمت نورالدين عملاً على مبنى الهجرة والجوازات ضمن مبادرة «دبي متحف مفتوح»، ولفتت إلى أن هذه المبادرات تقرب الجمهور من فن الخط، ولكن مازالت هناك حاجة إلى المزيد من الثقافة الخاصة بالخط العربي، ولابد من أن يعتاد الجمهور على الخط من خلال الأعمال الفنية الموجودة في المؤسسات والإدارات الحكومية، فهذه الثقافة تمكن الجمهور من التمييز بين العمل الرديء والجيد. وأكدت أن وجود فن الخط العربي في الأماكن العامة في الإمارات مازال في خطواته الأولى، وهناك حاجة إلى المزيد من انتشار الخط في الأماكن العامة.

ورأت الخطاطة الإماراتية أن الحداثة في لوحة الخط العربي ودعم الدولة للخطاطين أسهما في جعل لوحة الخط تتصدر المشهد، موضحة أن الجمهور يميل للنمطية، فيما الفنان يتوق دائماً إلى التغيير، مستشهدة بانتقالها إلى استخدام الكثير من المواد في العمل الفني، ومنها الستانلس والتركيب، بهدف التطوير في الأعمال والمواد وطريقة التنفيذ. وأشارت نورالدين إلى وجود دمج بين فن الخط العربي والفنون الأخرى، سواء العمارة أو حتى التصميم، لأن الفن لا يحمل مفهوم الخطأ والصح، بل ما تستسيغه العين، وهو نسبي في كل زمان. أما موقع فن الخط في الساحة الفنية، فأوضحت أنه بات قوياً، ولكن هناك حلقة مفقودة هي التي تسببت في وجود بعض الخيارات الخاطئة في المشاريع التي تُعنى بالخط العربي.

الواقع المعزز

في المقابل، تحدث الخطاط ضياء علام عن تبني الإمارات للأفكار الرائدة، وقال: «تتبنى الإمارات الأفكار الثورية والرائدة بشكل عام، وفي ما يتعلق بفن الخط فقد بات مرتبطاً على نحو كبير بالحداثة والتقنيات الجديدة، وهذا ما جعل الجمهور يقترب من الخط العربي، إذ بات يدخل ضمن الاستخدامات اليومية وليس مجرد عمل فني يوضع على الجدار، فاستخدام الخط العربي على المقاعد في معرض (إكسبو 2020) كان من الاستخدامات الإبداعية التي عرفت الناس بهذا الفن». وأضاف حول تجربته في تقديم الخط بالأماكن العامة: «قدّمت مقولات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، على جدران ممرات سوق مدينة جميرا، واستخدام عنصر الخط بشكل قريب من الناس جعلني ألمس ردود الأفعال الإيجابية من الجمهور، خصوصاً أن وجود عمل كهذا في مكان عام يثير فضول الناس لمعرفة ما هو مكتوب».

ومزج علام بين الخط العربي والتكنولوجيا، لافتاً إلى أنه من خلال تجربته تعمد استخدام التكنولوجيا على نحو كبير لأنها أبرز الطرق لجذب الجيل الجديد، موضحاً أنه استخدم الواقع الافتراضي والواقع المعزز والذكاء الاصطناعي، وجميعها لاقت ردود أفعال إيجابية من الجمهور. وأشار إلى أن الإمارات تميل إلى المزج بين ما هو تراثي وعصري، فهناك حالة من التجديد في الفن، مبيناً أنه تعمد ربط المتلقي بالعمل بأكثر من طريقة، حيث تتم إضافة الواقع المعزز لإثارة فضول المتلقي، وكذلك لتشجيع الجيل الجديد على دخول هذا المجال الذي بات يتواجد في المحافل الدولية. وشدّد علام على أنه من الممكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في مجال الخط، مستشهداً بالأعمال التي استخدم فيها هذه التقنيات ولاقت الكثير من الإعجاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مع الإشارة إلى أهمية استخدام هذه الوسيلة مع الإبداع الشخصي، للخروج بناتج فني مميز.


«المستقبل» بحروف عربية

 

يتفرد متحف المستقبل في دبي بدلالات واجهته الفريدة التي تصدرت قائمة أجمل مباني العالم، فالواجهة المزدانة بمقولات تعكس رؤية صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لمستقبل دبي والإنسانية مكتوبة بخط الثلث العربي، تُشكل ظاهرة فنية حداثية، وتجسد في الوقت نفسه روح المتحف ودوره في استلهام دعوة سموه إلى استئناف الحضارة العربية، والعودة إلى الأسس العلمية والثقافية التي قامت عليها تاريخياً.

وتُشكل الكتابة التي تحتل واجهة متحف المستقبل، الرسائل الرئيسة والرؤية الفلسفية لهذا الصرح المعرفي، وهي عبارة عن ثلاثة اقتباسات ملهمة من أقوال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، هي: «لن نعيش مئات السنين، ولكن يمكن أن نبدع شيئاً يستمر لمئات السنين»، و«المستقبل سيكون لمن يستطيع تخيله وتصميمه وتنفيذه.. المستقبل لا ينتظر.. المستقبل يمكن تصميمه وبناؤه اليوم»، و«سرّ تجدد الحياة وتطور الحضارة وتقدم البشرية يكمن في كلمة واحدة هي الابتكار».


أقمشة ومجوهرات

 

يحمل الخط العربي الكثير من الجماليات في شكل الحروف والانحناءات، وهذا ما جعله مادة أساسية انطلق منها مجموعة من مصممي المجوهرات، وكذلك الأزياء في تصاميمهم. وعمل مجموعة من المصممين على صياغة الذهب بالحروف وترصيعها بالألماس، ومن أبرز هؤلاء نادين قانصو التي أسست علامتها «بلعربي» التي ترتكز على الحروف. كما زيّنت حروف لغة الضاد العديد من الملابس، إذ اعتمد مصممو الأزياء عليها في تصاميمهم لمنحها الخصوصية وروح الأصالة العربية.

تويتر