مكتبة محمد بن راشد تروي حكاية «الإبداع والتجديد» في الخط العربي
في إطار احتفائها باليوم العالمي للخط العربي، نظمت مكتبة محمد بن راشد، جلسة حوارية، بعنوان «الخط العربي بين الإبداع والتجديد»، جمعت نخبة من كبار الخطاطين، هم زيد الأعظمي، ونرجس نور الدين ومريم البلوشي، وأدارها الإعلامي بدر العوضي. وتناولت الجلسة تاريخ الخط العربي، وأهميته في التراث الإسلامي والثقافة العربية، وكيفية تطويع هذا الفن التقليدي لمواكبة متطلبات العصر الحديث، إلى جانب استعراض تاريخي لتطوره وأشهر أنواعه، وكيف يعكس روح الحضارة الإسلامية وجمالياتها.
الخط والتقنيات
سلط المتحدثون الضوء على كيفية دمج الخطاطين التقنيات الحديثة في فن الخط العربي، وتأثير التكنولوجيا في تطوير أدوات وأساليب الخط، واستكشاف أبعاد جديدة في إبداعاتهم، بالإضافة إلى كيفية الحفاظ على أصالة الخط العربي مع الابتكار في الوقت ذاته. واستعرض المتحدثون، خلال الجلسة، مجموعة من الأعمال الفنية الحديثة التي تبرز هذا التوجه، ما أتاح للحضور فرصة للتعرف إلى مختلف الأساليب المعاصرة في هذا الفن، إلى جانب مناقشة دور الخط في العمارة والفن التشكيلي، وتزيين المباني والمعالم الإسلامية، مشيرين إلى متحف المستقبل كأحد أبرز الأمثلة على دمج الخط العربي في العمارة الحديثة.
برامج تدريب
وأكد المتحدثون أهمية وجود برامج التدريب وورش العمل المتاحة للراغبين في تعلم هذا الفن من الأجيال الجديدة، مع تسليط الضوء على التحديات والفرص التي تواجه فناني الخط العربي في العصر الحديث، والفرص المتاحة لنشر هذا الفن على المستوى العالمي. وناقشوا كيفية تحويل الخط العربي إلى جسر للتواصل بين الثقافات المختلفة، مع استعراض مشاركات الفنانين العرب في المعارض الدولية، ودورهم في نشر الثقافة العربية.
جمال متراكم
وعن قابلية الخط العربي للتجديد، تحدث الخطاط زيد الأعظمي لـ«الإمارات اليوم»، قائلاً: «الخط لا يمكنه أن يخضع للتجديد بالقفز بشكل تلقائي أو التحول الفجائي، وإلا سيتعرض للتشويه، لأن الخط العربي وصل إلى نسب الجمال المتراكمة عبر مئات السنين، ولا يمكن التطوير بمعزل عن الماضي، ويجب استيعاب الخط الأصيل من حيث مكامنه والنسب الذهبية الجمالية، لإدراك ما يمكن أن يقدمه الذكاء الاصطناعي من تحويلات وتغييرات في الإنجازات الجديدة في مجال الخط». ولفت إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يعجل من شكل التكوينات، ويسرع عمل الخطاط، ويسهم في تخفيض الوقت والتجديد، ولن يكون حضوره سلبياً إلا في حال أُسيء استخدامه، فقد أتى الذكاء الاصطناعي بخطوط جديدة، لكن كان فيها ثغرات، والخطاطون الكلاسيكيون يدركون هذه الثغرات، ويتم تصحيحها يدوياً. واعتبر أن كل سر من أسرار الإبداع، يأتي من لقاء القلم بالورقة، والانقطاع عن الكتابة اليدوية لن يجعل المرء مبدعاً، بل مقلداً، فاللغة واستخدامها يحثان على الإبداع، موضحاً أنه حاول التجديد في الخط من خلال دراسة فراغات الحرف، لأن فراغات الحرف لا تقل شأناً وجمالاً عن الحرف ذاته.
نماذج ناجحة
الخطاطة نرجس نور الدين، لفتت إلى أن الخط قابل للتجديد على نحو كبير، موضحة أن التجديد الصحيح للخط يكون من خلال تعلم القواعد الأساسية للخط، ومن ثم محاولة كسرها، وهناك كثير من النماذج الناجحة في التجديد، ومنها ماجد اليوسف، ووسام شوكت، فضلاً عن تجارب أدخلت الخط بالتشكيل مع الحفاظ على عمق ودقة وصحة وجمال الحرف داخل اللوحة، معتبرة أن التجديد قد يحمل مخاطرة، خصوصاً أنه تم من خلال فنانين لا يعرفون القواعد الأساسية للخط. ورأت نور الدين أن غياب الكتابة عن عالم الجيل الجديد، يشير إلى أن الخط العربي سيكون أكثر استخداماً في المجال الفني والجمالي والإبداعي، موضحة أن الجيل الجديد لا يكتب بالقلم، فضلاً عن غياب اللغة العربية عن أحاديثهم، فالتكنولوجيا أسهمت في الابتعاد عن الكتابة، ولكن الخط العربي حاضر في كل المجالات الإبداعية، بدءاً من اللوحة الفنية وصولاً إلى المجوهرات، والنحت، والعمارة، وغيرها.
تشويه القواعد
أما الخطاطة والكاتبة مريم البلوشي، فأوضحت أن الخط تطور على مر السنوات، وهو يخضع دائماً للتجديد، لكن الخوف من أن يطال التجديد قواعد الخط العربي ويصبح تشويهاً، فبعضهم يكسر الحروف ويخرّب القواعد، وبعض الفنانين الشباب يقدمون تشويهات باسم الحروفيات والمعاصرة. وشددت على أن التطوير مطلوب في الخط، وبعض الخطاطين طوروا حرفاً واحداً، ولا توجد موانع من استحداث خطوط وفق جماليات الخط. وعبرت البلوشي عن الصراع الذي عاشته بين الخط العربي والتأليف، لأنها تحب الكتابة، ولاحظت أنها غير منجذبة إلى نقل الكلمة وفق قالب معين، فكان تحدياً كبيراً لها أن تدمج الكتابة والخط، ولهذا لا تنتج إلا عملاً في السنة، ويكون عبارة عن قصة ترويها من خلال الخط. وعبرت البلوشي عن أن ابتعاد الجيل الجديد عن الكتابة باليد، يزيد من الخوف على اللغة العربية ككل.
أدوات الخط
على هامش الجلسة الحوارية، نُظم معرض مصغّر لبعض الأدوات المستخدمة في فن الخط العربي، ما أتاح للحضور فرصة الاطلاع على مقتنيات نادرة وأدوات تقليدية تروي قصة هذا الفن العريق. كما أتيحت لهم فرصة حضور معرض الذخائر الموجود في الطابق السابع من مكتبة محمد بن راشد، وتعرفوا ما يحتويه من كنوز ومقتنيات نادرة من الأدوات القديمة التي استخدمها القدماء في الخط، والتي جُمعت من مختلف أنحاء العالم.
زيد الأعظمي: الخط لا يمكنه أن يخضع للتجديد بالقفز بشكل تلقائي أو التحول الفجائي، وإلا سيتعرض للتشويه.
نرجس نور الدين: التجديد الصحيح يكون من خلال تعلم القواعد الأساسية ومحاولة كسرها، وهناك كثير من النماذج الناجحة.
مريم البلوشي: بعضهم يكسر الحروف ويخرّب القواعد، وهناك فنانون شباب يقدمون تشويهات باسم الحروفيات والمعاصرة.