أحمد راشد ثاني.. الشاعر أعلى من جبل
«أنا أعمل الآن وبجهد البحّارة والبستانيين وعمال النظافة على تكوين أنحاء هذا العالم، وأحس بأن ما كان ينبغي عليّ فعله لم أفعله بعد، لكن بالتأكيد سأفعله الآن أو بعد قليل». لكن الحياة التي لا تطمئن للكُتّاب وتفزع من أحلامهم لم تمهل الشاعر أحمد راشد ثاني لتحقيق ما أراد منها. فأراقت «دم الشمعة».. وتركَت الشعر وحيداً ويتيماً، يرثي صاحبه: ها يداي اليوم فارغتان.
ولد الشاعر والباحث التراثي والكاتب المسرحي الإماراتي أحمد راشد ثاني، في حي المديفي في خورفكان بإمارة الشارقة سنة 1962، (1963 حسب مصادر أخرى)، وكان أبوه يعمل في البحر، فأهداه في صغره كتباً تراثية كان لها أثرها الواضح بعد ذلك على ثقافته.
بدأ كتابة الشعر في سبعينات القرن العشرين، بتشجيع من الشاعر السوري محمد الماغوط، الذي كان يعمل آنذاك في الشارقة، واشتغل الشاعر بدأب ونباهة على لغته الخاصة، كأنما كان يقف على منجم من البلاغة التي لا تشبه مفردة سواها. فكتب قصيدة النثر، كما اهتم بجمع التراث الشفاهي وتدوينه، وكان يرى أن منطقة الجزيرة العربية تطفو على كنز من التراث الشفاهي.
نُشرت أشعار ثاني في صحف ومجلات عدة في الإمارات والوطن العربي، وترجمت إلى لغات أخرى، وشارك في محافل ومهرجانات شعرية وأدبية عربية وعالمية. ووضع أحمد راشد ثاني 17 كتاباً، بين الشعر (8 مجموعات شعرية) والمسرح والدراسات التراثية. وكانت مجموعته الشعرية الأولى بعنوان «سبع قصائد من أحمد راشد ثاني إلى أمه التي لا تعرفه»، وتلتها مجموعات عدة منها «دم الشمعة»، «يأتي الليل ويأخذني»، «هنا اللذة»، «ها يداي فارغتان»، «الغيوم في البيت»، «جلوس الصباح على البحر»، «الفراشة ماء مجفف». وله كتاب شعري باللهجة المحلية صدر سنة 1981 بعنوان «يالماكل خنيزي، ويالخارف ذهب».
كما كتب رواية واحدة هي «عوشانة» وهي روايته الأولى والأخيرة.
ولعلّه يمكن قراءة شخصية الشاعر المتفرّد في ما يراه عليه رفاقه الأدباء، فنجد الشاعر والأديب أحمد العسم، يقول: «تجربة أحمد راشد ثاني، تجربة ضخمة وصعبة الحمل والتفسير»، ويصفه في موقع آخر: «لا يمكن اكتشاف الجبل، وأحمد أعلى من جبل جيس في رأس الخيمة». ثم يصفه أيضاً بأنه كان «صاحب نظرية أن يكون الإنسان هيناً وليناً وسهلاً». فيما يرى الشاعر خالد البدور أن أغلبية قصائد الشاعر الراحل أحمد راشد ثاني كانت تصبّ في البحث عن نفسه، «عن ذلك الطفل المفقود في خورفكان»، وحتى «بعد أن رحل عنها ليبحث عن تحقيق أحلامه الشعرية والثقافية، بقي يبحث عن ذلك الطفل بداخله».
وصدرت كتب عدة عن الشاعر بعد وفاته، منها «أحمد راشد ثاني بين التاريخ والتراث» للدكتور حمد بن صراي، و«أحمد راشد ثاني وجودياً» لعلي أبوالريش، و«أحمد راشد ثاني.. في مناسبة حياته» لحسَّان زين الدين.
ولأن حتى الأحلام لها آخر.. رحل أحمد راشد ثاني في مستشفى خليفة ظهر يوم الإثنين 20 فبراير 2012، إثر أزمة قلبية عن عمر 50 عاماً، ودُفن في خورفكان. تاركاً فراغاً كبيراً في المشهد الشعري العربي، وحزناً أقام طويلاً ولايزال على باب بيته.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news