في اليوم العالمي لـ «سيدة المجالس» ورمز الحفاوة

القهوة في الإمارات.. تاريخ من الشغف ومبادرات بنكهة الأصالة

مهرجان الحصن يحتفي بالقهوة عبر مسابقات وفعاليات متنوعة. تصوير: إريك أرازاس

على مدى قرون تمتعت القهوة، والتي يحتفل العالم باليوم العالمي لها في الأول من أكتوبر من كل عام، بمكانة مميّزة في التراث الإماراتي والعربي، فهي رمز الكرم وحسن الضيافة والحفاوة بالضيف، وهي كذلك سيدة المجالس، ورفيقة العربي التي لا يضاهيها شيء.

هذه المكانة المميّزة كانت دافعاً للجهود من أجل إدراجها ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في «اليونسكو»، والتي كللت بالنجاح في عام 2015، من خلال طلب تقدمت به دولة الإمارات والسعودية وسلطنة عُمان وقطر.

حفاظ على الموروث

مكانة القهوة في الإمارات لم تقتصر على أهميتها كعنصر من عناصر التراث، بل انعكست في العديد من المبادرات التي منحت هذه «المعشوقة السمراء» حضوراً عصرياً انتقلت به من قلب التراث إلى واجهة الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فأطلقت دائرة الثقافة والسياحة- أبوظبي في عام 2019، ضمن جهودها للحفاظ على الموروث الثقافي، أول بطولة من نوعها مخصّصة لإعداد القهوة العربية، وتنظم حالياً ضمن فعاليات مهرجان الحصن، وتنقسم إلى ثلاث مسابقات، هي: صانع القهوة وتحميص القهوة وأفضل مشروب مبتكر بالقهوة العربية.

ولا تقتصر المشاركة في البطولات على مواطني دول الخليج أو العرب فقط، إذ استطاعت أن تجتذب في دوراتها الأخيرة مشاركين من جنسيات مختلفة، سواء ضمن المتسابقين أو لجان التحكيم، ممن ارتبطوا بثقافة المنطقة ورموزها، لاسيما القهوة العربية.

ووصفت خبيرة التراث الشعبي عضو لجنة تحكيم التراث في البطولات، فاطمة المغني، البطولات بالمبادرة المتميّزة التي تعبر عن تمسك الإمارات بتراثها، والحرص على صونه وتطويره والتعريف به بما يحقق استدامته، معربة عن فخرها بالمشاركة في التحكيم في المسابقة منذ انطلاقها في عام 2019، وسعادتها بما تلمسه من شعور لدى المشاركين بقيمة ما يقومون به من عمل يحمل رسالة مهمة.

كذلك أطلقت الدائرة مبادرة «بيت القهوة» في منطقة الحصن التاريخية، وهي مشروع سياحي ثقافي يقدم تجربة محاكاة نموذجية لمراحل إعداد القهوة وتقديمها، بهدف الحفاظ على التراث والترويج له ودعم ممارساته. وتمنح الدائرة تصاريح للشباب الإماراتيين المهتمين بإدارة مشروع مستقل في مجال إعداد القهوة، بعد الخضوع لتدريبات مكثفة من قبل خبراء التراث في الدائرة، تتضمن تعلم مراحل إعداد القهوة باستخدام الأدوات التقليدية، وآداب تقديمها، وكيفية إدارة المجلس الذي تقام فيه التجربة، إضافة إلى كيفية تصميم المجلس.

ووضعت الدائرة مواصفات قياسية لـ«بيت القهوة» وفق الملفات التي تم اعتمادها من قبل «اليونسكو»، إذ يتضمن التصميم استخدام عناصر أخرى من التراث المعنوي، ويلتزم منفذو المبادرة باتباع التقاليد نفسها في إعداد القهوة وتقديمها وفق التوصيف المعتمد.

فرصة في دبي

بينما يمثل معرض «عالم القهوة» الذي ينظم سنوياً في دبي حدثاً مهماً، وفرصة فريدة لاستكشاف أحدث الابتكارات والمنتجات والخدمات المتعلقة بصناعة القهوة.

ويعكس المعرض النمو والتطور الكبيرين اللذين تشهدهما صناعة القهوة في المنطقة عموماً، وفي الإمارات على وجه الخصوص، إلى جانب تسليط الضوء على أحدث الابتكارات والحلول والممارسات المستدامة في زراعة وإنتاج واستهلاك القهوة.

ويمثل المعرض فرصة كذلك لجميع المهتمين بصناعة القهوة، بمن في ذلك المزارعون ومتخصصو التحميص والمصنعون والموزعون والموردون والمستثمرون والباحثون والخبراء في الصناعة ومحبو القهوة وتبادل الخبرات والمعارف والأفكار مع الشركاء من مختلف أنحاء العالم.

ويُعدُّ تنظيم دبي لهذا الحدث دليلاً على دورها المحوري مركزاً إقليمياً وعالمياً في هذا القطاع. كما تمثل صناعة القهوة محوراً مهماً من محاور معرض جلفود، الذي يُعدُّ أكبر حدث لقطاع الأغذية والمشروبات في العالم، والذي يحتفل بعامه الـ20 في 2025.

مهنة عصرية

هذه المبادرات كان لها أثرها في المجتمع، إذ أصبح إعداد القهوة مهنة عصرية تجتذب الشباب من أبناء الإمارات من الجنسين، بعد أن توارثوا الشغف بها من الآباء والأجداد، وصقلوا هذا الشغف بالدراسة والمعرفة، وأطلق العديد منهم مشاريعهم الخاصة للقهوة المتخصصة، بهدف نشر ثقافة القهوة، بينما تطور مسمى «المقهوي»، الذي كان يطلق على من يقوم بعمل القهوة وصبها، إلى لقب «باريستا»، وهو مصطلح غربي بات يطلق على من يعد هذا المشروب السحري بأنواعه المختلفة. ومن هؤلاء الإماراتية سارة الشحي، التي درست إدارة سياحة بكليات التقنية العليا، وتخرجت بمعدل جيد جداً، ثم قررت دخول عالم «الباريستا» أو صناعة القهوة منذ نحو خمس سنوات.

وأكدت سارة أن شغفها بالقهوة يعود إلى ما نشأت عليه من اعتزاز بهذا المشروب الأصيل الذي يُعدُّ رمز الكرم وحسن الضيافة، وجزءاً مهماً من الموروث الثقافي والإنساني في الإمارات والعالم العربي بشكل عام، ومن الطبيعي أن يتميّز أبناء الإمارات في هذا المجال، موضحة أنها التحقت بالعديد من ورش العمل والتدرج من الهواية إلى الاحتراف حتى أصبحت مع الوقت تعرف نوعها بمجرد تذوقها.

وأشارت إلى أن مشاركتها في مسابقة جلفود بدبي والفوز بالمركز الثاني، كان بمثابة نقلة في مسيرتها نحو احتراف العمل في قطاع الضيافة.


عادات وآداب

يمثل تقديم القهوة العربية جزءاً أصيلاً في تراث الضيافة العربية، كما يرتبط إعدادها وتقديمها بطقوس وقواعد يعتز بها أبناء الإمارات ويتوارثونها جيلاً بعد آخر.

وتمر عملية تجهيز القهوة بمراحل عدة، تبدأ من فرز حبوب البن وغسلها وتجفيفها وتحميصها حتى يتغير لونها إلى الأحمر أو البني، ثم تُطحن حبوب البن المحمصة وتُنقع وتُخمّر على نار هادئة، للحصول على قهوة ذات نكهة ورائحة حادة ومميّزة.

ولتقديم القهوة العربية عادات وآداب يلتزم بها من يقدمها والضيف والمضيف على حد سواء، فعلى سبيل المثال، يجب على من يصبّ القهوة أن يحمل الدلة بيده اليسرى مع توجيه الإبهام إلى أعلى وحمل الكوب (الفنيال أو الفنجان) بيده اليمنى. في حين يستخدم الضيف يده اليمنى لتناول الفنجان وإعادته إلى من قدمه إليه. وتقدم القهوة العربية إلى الضيف الأهم أو الأكبر سناً أولاً، وجرت العادة على ألّا يزيد مقدار القهوة على ربع الفنجان. ويشرب الضيف فنجاناً واحداً على الأقل، ولا يزيد على ثلاثة.

فاطمة المغني:

. بطولات القهوة مبادرة متميّزة تعبر عن تمسك الإمارات بتراثها والحرص على صونه وتطويره.

سارة الشحي:

. شغفي بالقهوة يعود إلى ما نشأت عليه من اعتزاز بهذا المشروب الأصيل الذي يُعدُّ جزءاً مهماً من موروثنا.

. 2015 نجحت الإمارات ودول عربية في إدراج القهوة ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في «اليونسكو».

. شباب إماراتيون توارثوا الشغف بالقهوة من الآباء والأجداد، وصقلوا هذا الشغف بالدراسة والمعرفة.

تويتر