مريم جمعة فرج.. من الخراريف أمسكت خيط الحكي

صورة

ذهبت مريم جمعة فرج بعيداً في الخيال وفي الكتابة.

بين القصة في البداية، ثم الشعر، وبين البحث والمقال الصحافي، وبين الدراسة والترجمة.. رحلة جامحة قطعت خلالها الكاتبة الإماراتية مسافات شاسعة بين الأجناس، لكنها ظلَّت ثابتة على أرض الثقافة الإماراتية، تغرف من الموروث والبيئة و«الخرّوفة» والتاريخ.

انتمت مريم للمجتمع، وجسَّدت وصف غرامشي لـ«المثقف العضوي» الذي لا ينخلع من المكان، ولا الزمان، ويظلّ ابن ظرفه الموضوعي، دون أن ينغلق على نفسه أو يغلق الباب على نصّه.

تأثرت بالكتابات الجديدة، وباللغة الجديدة، فلم ترفض قصيدة النثر مثلاً، لكنها انتمت للحكاية الإماراتية بمكانها وزمانها، تشبعت برائحة البيوت والجدّات والطقوس، ومن تلك النقطة العميقة بالضبط ظهرت شخصيات قصصها، في صراعاتها وأحلامها وأخلاقياتها، فحملت في كتاباتها، على اختلاف أجناسها وصورها، هوية المكان وأثر الزمان، حتى وُصفت بـ«سدرة السرد في الإمارات».

ولدت مريم عام 1956، بدأت موهبتها في الكتابة منذ عمر 14 سنة، وكانت تنشر مقالاتها في صحف ومجلات محلية، درست تخصص الأدب الإنجليزي في جامعة بغداد، وكانت مِن أوائل مَن تخصص في فن الترجمة، ثم أكملت دراستها العليا في جامعة لندن، متخصصة في الترجمة الإبداعية.

أصدرت مريم جمعة فرج التي تعدُّ من رائدات فن القصة القصيرة في الإمارات، مجموعتها القصصية «فيروز» في عام 1984، وهي باكورة مجموعاتها القصصية، ثم «النشيد» وهي مجموعة مشتركة مع سلمى مطر وأمينة بوشهاب سنة 1987، ثم مجموعة «ماء»، وصدرت سنة 1994، ثم صدر لها كتاب «امرأة استثنائية» في عام 2003، ويحتوي على ترجماتها وتعليقاتها على تجارب من الإبداع النسائي العالمي، إلى جانب إصدارات أخرى، مثل «الغوص على اللؤلؤ: الغوص نظام اقتصادي، اجتماعي، ثقافي: الإمارات نموذجاً» عام 2014، و«الحكاية الشعبية في دولة الإمارات: مقاربة بين المحلية والعالمية» عام 2015.

وفي كتابها «الغوص على اللؤلؤ»، الذي كتبته بطريقة تتيحه للشخص المتعلم والإنسان العادي، كانت مريم تعتبر الغوص من مصادر الدخل القومي، ما دل على عمق نظرتها العلمية، أما كتاب الحكايات الشعبية، فركزت فيه على المرويات الشفهية وما يخص مجتمعها المحلي وموروثها الشعبي، لتقدم أيضاً مقارنة بين المحلية والعالمية، مبينة أن هذه الحكايات لها ما يشابهها في السعودية وفي هولندا.

وفي فترة من حياتها، توقفت مريم لسنوات عن الكتابة، وكانت تقول «لست نادمة على التوقف عن الكتابة الأدبية خلال السنوات الست الماضية»، ذلك أن غيابها كان بسبب مرض والدتها ثم وفاتها، وهي التي تصفها بأنها «كانت تمثل أولوية في حياتي، وكان لها دور كبير في دعمي ككاتبة منذ أن كنت طفلة، وكانت تحكي لي الخراريف التي ساعدتني على الإمساك بخيوط الحكي، ثم كانت تشجعني على الكتابة في وقت كان المجتمع يعتبرها أمراً مرفوضاً».

رحلت مريم يوم 2 /12 /2019، ودفنت في القصيص بدبي، تاركة فراغاً بين دفَّتي الكتاب الإماراتي وخسارة شخصية لكل من عرفها.

وبعد رحيلها صدر عن مريم كتابان هما «مريم جمعة فرج: قصة غافة إماراتية 1956 ـ 2019»، للكاتب مؤيد الشيباني، والذي صدر عن مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، ضمن مشروعها الثقافي سلسلة «أعلام من الإمارات»، وكتاب «مريم جمعة فرج: سدرة السرد الإماراتي»، تأليف حمد بن صراي، وكلاهما صدر عام 2021.

للمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط

تويتر