شخصيات المسرحية لم تجرؤ على مواجهة العالم إلا من وراء الأقنعة. من المصدر

«علّة بلا دواء» تنتقد طريق الضعفاء.. على خشبة «دبي لمسرح الشباب»

«لا أحد يجرؤ على قول الحقيقة».. هذه الجملة المتكررة في مسرحية «علة بلا دواء»، كانت كفيلة باختصار الرسالة التي يحملها العمل الذي تجوّل في الطرح بين الهوية والأقنعة، وقوة الأحلام والأوهام، والذي قدمته فرقة «ربع قرن للمسرح وفنون العرض» على خشبة ندوة الثقافة والعلوم، أول من أمس، في خامس أيام مهرجان دبي لمسرح الشباب.

عبر لوحة استعراضية، وسينوغرافيا لطيفة، قوامها الإطارات والأوعية المتدلية من سقف المسرح، وخزانة للأدوية، انطلق العرض الذي يأخذ المتلقي إلى عالم خلفان الذي يقدّم نفسه على أنه معالج بالأعشاب، ولديه قدرة على مداواة الناس.

يمارس خلفان هذه المهنة دون أن تكون لديه أي خلفية علمية حقيقية، لكنه يقنع الناس بالشفاء من خلال خلطات خاصة، ثم يتعرّف المتابع للعمل إلى حكاية العائلة، ومن بينهم ابنته التي تعشق المسرح وتريد أن تعمل فيه، ولكن الأمر مرفوض في تلك الأسرة التي تعتبر ذلك منافياً للتقاليد، فيما تعيش زوجة خلفان حياتها في حالة انتظار، وتراهن على وراثة أمواله بعد وفاته.

نوع من العجز

عملت زينب الملا على تأليف وإخراج «علة بلا دواء» التي قدمت شخصيات يرتدي أصحابها الأقنعة ومن خلالها يواجهون العالم، فهم شخوص غير قادرين على مواجهة الواقع، وكذلك الحقائق التي تدور بأنفسهم أولاً، ولا حتى على مواجهة البشر بها.

هذا النوع من العجز عن تقديم الذات، كان المحور الأساسي لقصة المسرحية التي سعت زينب الملا إلى أن تقدمها بشكل هزلي وكوميدي، لتسلط الضوء - عبر الضحك - على قضية جوهرية في مسيرة الإنسان، تطال حياته اليومية والقرارات المصيرية.

وتتصاعد حبكة الأحداث في العمل، حين يقرر خلفان تزويج ابنته غير الراغبة في ذلك، بسبب حلمها بأن تعمل في المسرح، ونشاهد حفل الخطوبة، والخلافات التي تنشب بعد ذلك، فيما تتم مواجهته بحقيقته، وكونه لا يعي فعلياً مفهوم طب الأعشاب.

رسائل عديدة

كثيرة هي الرسائل التي طرحها العمل المسرحي: العلاقات الاجتماعية والزواج، وحق المرأة في اختيار مصيرها ومطاردة أحلامها، فضلاً عن موضوع الرقابة على طب الأعشاب، كلها طرحت على الخشبة، دون السعي إلى إيجاد أي نوع من الأجوبة والحلول لها، فقط بوضع الأصبع على الجرح، وإن بطريقة كوميدية.

وحمل العمل لوحات استعراضية كانت خادمة للنص في بعض الأحيان، فيما كانت الموسيقى تطغى على أصوات الممثلين في أحيان أخرى، ولكن زينب الملا تمكنت من ضبط عمل فريقها، لاسيما أن المسرحية حملت الكثير من الشخصيات، وكذلك العديد من الراقصين الذين كانوا يدخلون المسرح لتقديم اللوحات.

وفي المحصلة يأخذ العمل المشاهد إلى الوهم الذي يتحكم في الرؤوس الفارغة، وكيف يتسلل إلى العقول كطائر هارب قبل العاصفة، فيفسد النفوس، ويغيب شمس الحقيقة، فالوهم طريق الضعفاء، والأحلام الجميلة لا تفسدها إلا الأوهام، ليطرح في الختام السؤال الأهم، وهو: هل سيبقى المرء سجيناً لأوهامه، أم يتحرر ليعيش الحياة كما هي، بحقيقتها وآلامها وواقعها وأقدارها؟

هذا السؤال الذي انتهى به النص المسرحي، حمل إجابة رمزية مع المشهد الختامي، الذي نزعت فيه كل الشخصيات أقنعتها، وتعرّت من الأوهام وواجهت نفسها والآخر، لتنتصر لحب الذات وحقيقتها.

أجواء شكسبيرية

 

برز في مسرحية «علة بلا دواء» الاعتماد على أزياء تأخذ المتلقي في رحلة عبر الزمن، وتحيل إلى أجواء الأعمال الشكسبيرية، فيشعر الحضور لوهلة بأنهم يشاهدون مسرحاً لا ينتمي إلى عصرنا، ولا حتى إلى ثقافتنا، لكن المؤلفة والمخرجة زينب الملا عملت على إضفاء العنصر المحلي، عبر العديد من التفاصيل المرتبطة بالحياة الإماراتية، ومنها التي تحضر على شكل نكات، أو تسعير الأدوية بالعملة المحلية.

• زينب الملا تمكنت من ضبط عمل فريقها، لاسيما أن المسرحية حملت الكثير من الشخصيات.

الأكثر مشاركة