مدرسة غــــزة للموســــيقـــى.. عـزف طفــولي في وجه الحصار
في محاولة لإحياء الفن والثقافة، وإدخال الفرحة إلى نفوس أطفال قطاع غزة الذين حرموا من حقوقهم بسبب الحصار وآثار الانقسام، أنشئت أول مدرسة لتعليم الموسيقى للأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 11 عاماً ، وتهدف إلى تعليمهم العزف على الآلات الموسيقية، مثل القانون والعود والكمان والبيانو، يحتضن المشروع أكثر من 25 طفلا من الجنسين لدراسة الموسيقى لمدة ثلاث سنوات. وتحاول «مدرسة غزة للموسيقى» رسم صورة مشرقة في حياة الأطفال غير لغة الحروب والمعاناة التي طالما ذاقوا ويلاتها، وليتمكن هؤلاء الأطفال من تجاوز الصراع النفسي الذي يمرون به بسبب الانقسام والحصار اللذين غيرا معالم الحياة في القطاع.
وخلال جولة لـ«الإمارات اليوم» في مدرسة غزة للموسيقى كان منسق مشروع المدرسة ومدرس الموسيقى إبراهيم النجار يشرح بعض الدروس النظرية للأطفال كي يتمكنوا من تطبيقها عملياً. وقال النجار «إن المدرسة هي الأولى من نوعها للأطفال في فلسطين وليس فقط على صعيد القطاع، على الرغم من وجود معاهد موسيقى في الضفة، ولكنها ليست للأطفال، وغير نظامية»، مشيراً إلى أن الفكرة محاولة لإحياء الفن والثقافة في قطاع دمرت فيه كثير من معالم الحياة. وأضاف أن «المدرسة مشروع تجريبي تشرف عليه مؤسسة عبدالمحسن القطان التي تهتم بأطفال فلسطين، وتقدم لهم نشاطات مُنوعة، وتلقت دعما خارجيا لإقامة هذا المشروع لمدة ثلاث سنوات لا يتحمل الأطفال أي تكاليف، على أمل أن يتم تطويره بشكل أكبر».
بعيداً عن الصراعات
وأكد النجار أن المدرسة لا تتبع أي فصيل فلسطيني، ولا تتأثر بالصراعات السياسية «بل هي مشروع تابع لمؤسسة خاصة من أجل إخراج الأطفال من الجو النفسي الخطير، وإدخال الفرحة إلى قلوبهم».
وعن كيفية قبول الطلبة الأطفال في المدرسة، قال النجار «قمنا بإعلان عبر وسائل الإعلام المحلية، وأجرينا مقابلات للأطفال، واخترنا المناسب منهم، على قدر استيعاب المدرسة لأعداد معينة، لنحو 25 طالبا نظاميا، على الرغم من زيادة العدد بسبب الإقبال الشديد لرغبة الأطفال في أن يخرجوا من الأجواء التي يعيشون فيها».
وأشار إلى أن مشروع المدرسة وفّر جميع آلات الموسيقى للأطفال، وأعد لهم منهجا منظما لتعليمهم الموسيقى نظريا وتطبيقيا، ووفر كتبا وكراسات خاصة لمجال الموسيقى، وطاقما تدريسيا خبيرا في هذا المجال».
وأضاف مدرس الموسيقى أن المشروع له أهداف تربوية تساعد الأطفال على تنمية قدراتهم في مدارسهم النظامية، ومنها تنمية قدرة التركيز، والعمل الجماعي، وحسن الاستماع، واحترام المدرس، وبث المحبة في ما بينهم. ولفت إلى أن المشروع يهدف مستقبلاً إلى زيادة عدد الأطفال المنتسبين للمدرسة لتصبح مخصصة لتعليم الموسيقى والمقامات لسنوات أطول.
تجميل الحياة
وقال الطفل عبدالعزيز أبو شرخ (ثمانية أعوام) أحد طلبة المدرسة «أحب الموسيقى جداً، ولكن لم تكن هناك فرصة سابقة لتعلمها، وعندما علم والدي بمدرسة موسيقى في غزة، أسرع بتسجيلي، وتم اختياري ضمن الأطفال للتعلم فيها». وأضاف «أنا سعيد لأنني أدرس في مدرسة الموسيقى التي توفر لي كل الآلات الموسيقية، وأكثر آلة أحبها، ولدي رغبة كبيرة في تعلمها آلة «القانون» لأنها من أجمل وأصعب الآلات الموسيقية الشرقية».
وعن برنامجه اليومي قال ابوشرخ «بعد أن ينتهي دوامي في المدرسة النظامية أتوجه إلى البيت كي أرتاح وأراجع دروسي، وبعد العصر أذهب إلى مدرسة غزة للموسيقى حتى أتعلم مبادئ الموسيقى، والعزف على الآلات الموسيقية». وأشار إلى أنه يطمح إلى أن يكون عازفا مشهوراً في فلسطين والوطن العربي، وأن يحسن الحياة الثقافية والفنية في قطاع غزة.
عازفو المستقبل
ورأت الطفلة لوريس ترزي «تسعة أعوام» أن تخصيص مدرسة موسيقى للأطفال شيء رائع، خصوصاً أن «أطفال غزة مهمشون ومحرومون من حقوقهم، وضحايا للصراعات السياسية، وجرائم إسرائيل»، وأعربت عن أملها في أن تستمر المدرسة «لأنها وضعتنا على الخطوة الأولى لتعلمنا الموسيقى، وتحقيق رغبتنا». وأضافت «سجلت في المدرسة لأنني أحب الموسيقى بشكل كبير، وساعدني على ذلك أن شقيقتي الكبرى وابنة عمي تعزفان على البيانو والكمان».
وأوضحت أن كبر حجم الآلات عن حجم الأطفال لم يثنها عن تعلم الموسيقى، بل دفعها لتحدي أي شيء من أجل تعلم الموسيقى حتى تحقق حلمها بأن تكون عازفة مستقبلا.
وكانت الطفلة صفية (سبعة أعوام) تعزف على آلة الكمان هي وزميلتها غدير (11 عاما) وبإشراف والدتها (إحدى المدرسات في مدرسة غزة للموسيقى). وقالت صفية «أجيد العزف على آلة الكمان لأن أمي عازفة، كما توجد لدي آلة كمان في البيت، ولكن في المدرسة نتعلم مبادئ الموسيقى وأصول العزف».
أما الطفلة سعاد صادق (ثمانية أعوام) فلا يوجد لديها في السابق أي خلفية عن الموسيقى، ولم تر أي آلة موسيقية في حياتها، فقالت «عندما علم والدي بمدرسة الموسيقى رغب في تسجيلي، ولم تكن لدي رغبة كبيرة لأنني لم أعرف عنها شيئا، ولكن تم اختياري في المقابلة، والتحقت بالمدرسة، وعندما رأيت الآلات وسمعت عزف الألحان من خلالها أصبح لدي دافع كبير لتعلم عزف الموسيقى». واختتمت «أكثر الآلات التي أحببتها وأصبحت لدي رغبة في تعلمهما القانون والكمان، وأتمنى أن أطورهما في المستقبل».