مؤتمر المرأة يدعو إلى مواجهة «الثقافة الذكورية»
طالب مشاركون في أعمال المؤتمر الثاني لمنظمة المرأة العربية، الذي يقام في «قصر الإمارات» في أبوظبي تحت عنوان «المرأة في مفهوم وقضايا أمن الإنسان: المنظور العربي والدولي»، ويختتم أعماله اليوم، بضرورة ان تلعب الدولة دورا قياديا في تطوير مكانة المرأة في المجتمعات العربية.
ودعوا إلى تهميش تأثير التفسير المحافظ المتذرع بالدين، ومواجهة الثقافة الذكورية، وبعض أنماط التفكير السلبية تجاه المرأة، ومحاولة ردم الفجوة بين ثقافة النخبة والثقافة الجماهيرية، وإصلاح الهياكل القانونية من أجل تمكين المرأة في المجتمعات العربية.
وقال استاذ علم الاجتماع ووزير الخارجية والثقافة التونسي السابق، الدكتور محمد باقي الهرماسي، في البحث الذي قدمه في جلسة «أمن المرأة: المنظور الثقافي» التي عقدت أمس، ان «المرأة العربية تقف حاليا مهددة بين مطرقة التشدد المفرط، وسندان الأطروحات الاستشراقية السطحية، ولذا يتطلب أمنها مزيدا من دعم الأسس الثقافية، وترسيخ قيم الحرية وتثبيتها وهو من شأنه ان يشكل صمّام الأمان لكل المسارات الناهضة بالمرأة»، مضيفاً أن «الدولة مهيأة أكثر من أي فاعل اجتماعي آخر لصون أمن المرأة، والاتجاه بها لطور الحداثة، فكما بينت التجارب الراهنة فإن الدولة الفاشلة تؤدي بالمرأة إلى وضعية تكون فيها اكثر من يدفع فاتورة ذلك السقوط المخيف».
وتطرق الهرماسي إلى خصوصيات الخطاب الاستشراقي حول المرأة في العالم العربي والإسلامي، والذي تتبناه العديد من التنظيمات النسائية العربية، والذي بدا بعيدا عن الرصانة العلمية المفترضة، لينحدر إلى خطاب ايديولوجي متوتر، نابع في الغالب من مصالح سياسية استراتيجية وظرفية. واضاف: «هناك صراع بين اطراف متناقضة لتهديد هوية المرأة وكيانها الثقافي، وجميع هذه التيارات مازالت عاجزة عن حسم الأمر لمصلحتها، بينما الدولة هي الوحيدة القادرة على ذلك».
وانتقد الانتشار المحدود لمقاربة النوع الاجتماعي والتمكين، والتي تذهب إلى ان ما يسود المجتمعات من تصنيفات تقوم على الاساس البيولوجي وحتى الثقافي هي صور نمطية جاهزة، وضرورة تأطير التمكين في نطاق واسع يهم جميع الفئات الاجتماعية المهددة بالتهميش والاقصاء، مرجعا هذا الضعف على الرغم من الدعم المادي والمعنوي الهائل لها إلى ثلاثة عوامل هي «نخبوية هذه المقاربة، فعلى خلاف الحركات النسائية التي سبقتها، والتي كانت لها امتدادات لدى مختلف فئات النساء، فإن هذه المقاربة ظلت محصورة لدى نساء الحلقات الفكرية العالية، وذكر أن العامل الثاني «يتمثل في تصدي الحركات الاصولية لهذه المقاربة، واعتبارها وافدا يغزو العالم العربي والاسلامي»، وعدّ الهرماسي العامل الثالث الاهم وهو «افتقاد مقاربة التمكين و(النوع) لرموز فكرية وثقافية داخلية، على خلاف الحركات النسائية التي سادت خلال القرن الماضي، والتي كانت تجد مساندة من زعامات فكرية إصلاحية عربية مثل رفاعة الطهطاوي وقاسم امين والطاهر الحداد».
خطاب ثقافي نقيض
وفي المداخلة التي قدمها حول البحث، أوضح استاذ الأدب والنقد العربي مدير المركز القومي للترجمة في القاهرة، الدكتور جابر عصفور، ان أمن المرأة متعدد ونسبي، وأوضح «هناك امن اجتماعي، واقتصادي، وسياسي، وتحليل أي خطاب ثقافي، خصوصا المرتبط بأمن المرأة الذي يعني تقديم الحد الادنى من الحياة الانسانية العادلة، لا يمكن تعميقه من دون وصلة بالاسباب التي تهدد هذا الأمن، وتخلق خطابا ثقافيا نقيضا، يؤدي إلى قمع المرأة وجعلها ضحية للعنف الذي يبرر نفسه بهذا الخطاب النقيض».
ودعا إلى تحديد ما أسماه البحث «الأصولية، بوصفها تصلبا في اتباع جامد، غير قابل للمساءلة والشك، تنطبق على مجالات متعددة، تجعلنا يمكن ان نتحدث عن أصوليات سياسية واجتماعية وادبية وفكرية، وليس عن أصولية بالمعنى الديني وحده». مؤكدا ضرورة الإشارة ـ عند الحديث عن الأصولية الدينية ـ إلى ان «التراث الإسلامي نفسه متعدد ومختلف باختلاف عصوره وتياراته السائدة في كل عصر، ولذلك ينطوي على صورتين متضادتين، الاولى ايجابية، هي الأصل الذي أصبح الخطاب النهضوي امتدادا له، والثانية سلبية، هي الأصل المقابل الذي يشيعه خطاب الأصولية الدينية المعاصرة بكل ما يلازمها من تطرف».
وأرجع عصفور العوامل التي تهدد امن المرأة العربية إلى «الفقر الذي يمكن ان يؤدي إلى انحرافها وتعرضها لأبشع أنواع الاستغلال الجسدي والاستعباد المعنوي، والبنية الاجتماعية ذات الطبيعة البطريركية، مثل تفضيل الذكور، والزواج القسري، وأيضا الدولة التسلطية التي تحرم أبنائها وبناتها من صفة المواطنة وحقوقها».
وأعربت استاذة الايبستيمولوجيا والمنطق في جامعة دمشق، الدكتورة أنصاف حمد، في مداخلتها، عن اعتقادها بأن «أمن المرأة مخترق بفعل تلك المنظومة الثقافية التي تمارس التمييز ضدها.
الأمن الإنساني
وتناولت الجلسة الاولى من المؤتمر موضوع «الرؤى العالمية للأمن والأمان: هل تم أخذ المرأة في الاعتبار»، إذ أكد خلالها رئيس الفريق العلمي للمؤتمر استاذ العلاقات الدولية، الدكتور بهجت قرني ان «الامن الوطني من دون أمان المواطن ـ خصوصا النساء ـ يصبح مثل غشاء اجوف يسهل الإطاحة به، كما ان امان المرأة لايزال يستفيد من تأييد السلطة السياسية ومبادرتها في القطاعات المختلفة بما فيها القطاعات الحساسة مثل القطاع السياسي»، داعيا إلى إقامة حوار داخلي بين الدول الاعضاء في منظمة المرأة العربية لتبادل الخبرات بينها، «نظرا لتفاوت اوضاع المرأة من دولة لاخرى، وان تتجه الدول العربية لأن تكون جزءا مما اسماه «لوبي عالمي» حول مفهوم حماية الانسان، من دون ان تتقبل الدول العربية هذا المفهوم من دون تمحيص، بحيث لا يكون بديلا عن أمن الدولة والمجتمع بل يجب تدعيمهما معا».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news