المسيري: إسرائيل دولة طفيلية ومرتزقة

المسيري: الدعم الأميركي والغياب العربي يضمنان استمرار إسرائيل. أرشيفية ــ تصوير: سعيد دحلة

قال المفكر المصري الراحل عبدالوهاب المسيري في كتاب صدر له أخيرا كان سلمه للنشر قبل ايام من وفاته إن «أعضاء الجماعات اليهودية لم يكونوا شعبا واحدا ذا وحدة يهودية عالمية أو يتسقون بهوية واحدة»، ويضرب مثلا بقانون العودة الذي صدر بعد اعلان قيام الدولة العبرية عام 1948 وينص على أنه يحق لكل يهودي أن يهاجر الى اسرائيل. لكن واضعي هذا القانون لم يحددوا أي يهودي تحق له العودة، كما لم يعرفوا بالضبط ما اليهودية التي يؤمن بها هذا اليهودي في ظل تعدد الموروثات الدينية والعرقية للجماعات اليهودية التي لا تستمد هوياتها «من هوية يهودية عالمية»، بل من مجتمعات عاشت في ظلها.

وأكد المسيري أن «اسرائيل دولة وظيفية طفيلية»، هاجر إليها من يراهم «مجرد مرتزقة لا يؤمنون بالمثل الاعلى الصهيوني، كائنات طفيلية شرهة تبحث عن الحراك الاقتصادي»، مرجحاً أن اسرائيل لن تنهار من الداخل، استنادا الى أن مقومات استمرارها من الخارج لا من داخل المجتمع الذي يقول انه يعاني تناقضات داخلية، اذ يضمن هذا الاستمرار عنصران هما «الدعم الاميركي والغياب العربي»، ويرى أن يقين الجيل الجديد اهتز كثيرا وانخفضت رغبته في الالتحاق بالخدمة العسكرية، اذ أدرك أن الدولة العبرية ليست في حالة دفاع عن النفس «وانما هي دولة عدوانية»، وأن الحروب المتصلة لم تؤد الى السلام أو النصر، بدليل «حرب لبنان الاخيرة وهزيمة اسرائيل على يد حزب الله»، في اشارة إلى العدوان الاسرائيلي على لبنان في يوليو 2006 واستمرت 34 يوما.

وسجل المسيري في كتابه الذي قام بتنقيحه والاضافة عليه ويحمل عنوان «من هم اليهود.. وما هي اليهودية»، أن قضية تعريف اليهودي ليست مجرد قضية دينية أو سياسية، لكنها مصيرية تتعلق برؤية الذات والعالم، كما تعد مصدرا لشرعية الدولة العبرية نفسها. وقال ان «المؤسسة الصهيونيةالحاكمة لا تملك الحد الادنى من الاتفاق حول هذا السؤال، ولهذا لجأت الى تجاهله أو تأجيل النظر فيه، وتوصلت الى حلول تلفيقية مؤقتة». وتساءل«هل يمكن تأسيس دولة يهودية دون تعريف الهوية اليهودية، ودون التوصل الى تعريف من هو اليهودي»، لائما الاعلام العربي الذي لا يعطي هذه الاشكالية ما تستحق من اهتمام.

وأضاف أن «الحل الدارويني السحري» في بداية القرن العشرين تمثل في «تصدير المشكلة اليهودية الى الشرق باقناع الفائض البشري اليهودي بأن تهجيره الى فلسطين ليس محاولة للتخلص منه، وانما هو عودة الى أرض الميعاد الى آخر هذه الترهات، وبالفعل قامت الامبريالية الغربية بتأسيس الدولة الصهيونية لتستوعب هذا الفائض، ولتكون قلعة أمامية تدافع عن مصالح العالم الغربي في المنطقةالعربية.

وقال المسيري «إن الرؤية الصهيوينة اختزالية، تنطلق من فكرة وجود تاريخ واحد لليهود، وتؤمن بمفهوم الوحدة اليهودية العالمية بافتراض أنهم حافظوا على هذه الوحدة عبر ألوف السنين». ويتساءل «هل هو تاريخ يهودي أم تواريخ لجماعات يهودية»، ويرى أن معظم الجماعات اليهودية انصهرت في المجتمعات التي عاشت فيها، ضاربا المثل بيهود منطقة القوقاز ويهود جورجيا الذين «فقدوا بمرور الزمن علاقتهم باليهودية الحاخامية»، واندمج يهود الصين «تماما وكان كل ما يعرفونه عن اليهودية هو أنهم يهود»، كما أصبح يهود العالم العربي عربا واكتسبوا الصفات العربية.

وشدد المؤلف الراحل على أن تهود الخزر الذين عاشوا في جنوب روسيا وتحولوا الى اليهودية في القرن الثامن الميلادي «يقوض من الادعاء الصهيوني الخاص بالاصول السامية الواحدة ليهود العالم»، متفقا مع مؤرخين اسرائيليين على أن يهود أوروبا الشرقية من نسل يهود الخزر الذين هاجروا الى أوروبا.

وخلص من هذا الى أن «الاصل الخزري لمعظم يهود الغرب، أي الاغلبية العظمى من يهود العالم، يفند نظرية الحقوق اليهودية في فلسطين المستندة على أساس عرقي».

وحظي المسيري باحترام كبير في الاوساط العلمية والعامة، حيث كان يتولى منصب المنسق العام للحركة المصرية من أجل التغيير «كفاية» التي تأسست نهاية عام 2004 وتضم رموزا من ألوان الطيف السياسي والفكري والثقافي والنقابي. وتتلخص جهود الحركة في شعار «لا للتجديد» للرئيس حسني مبارك «ولا لتوريث ابنه جمال». ويرى كثيرون أن المسيري من أبرز العقليات العربية في القرن 20 استنادا الى أعماله، وأهمها موسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية.. نموذج تفسيري جديد 1999»، وتقع في ثمانية مجلدات وكتبت في نحو 25 عاما، و«الفردوس الارضي دراسات وانطباعات عن الحضارة الاميركية الحديثة»، و«الفلسفة المادية وتفكيك الانسان»، و«الحداثة وما بعد الحداثة»، و«دراسات معرفية في الحداثة الغربية»، و«الانتفاضة الفلسطينية والازمة الصهيونية»، اضافة الى دراساته اللغوية والنقدية، ومنها «اللغة والمجاز»، و«دراسات في الشعر».

وفي حياته نال المسيري اهتمام مفكرين وباحثين ينتمون لتيارات فكرية وأيديولوجية مختلفة، كما بدا في ندوة موسعة نظمتها كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، استمرت أياما لمناقشة موسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية». وفي يونيو الماضي أعلن عن منح المسيري «جائزة القدس» التي ينظمها الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب، وكانت الجائزة آخر تكريم للمسيري الذي رحل في يوليو 2008.

تويتر