قبل أن تطغى الآلة على كل شيء، كانت معظم الألعاب بنت بيئتها، نابعة من بساطة المكان، بعيدة عن التكنولوجيا التي غلفت معظم الألعاب وصيرت الأطفال حبيسي جدران المنازل، كل واحد ينعزل وحيداً أمام جهاز كمبيوتر، أو آلة بلاي ستيشن، بعد أن كانت الألعاب الشعبية القديمة البسيطة التي لا تكلف الأسر مالاً، تجمعهم في فضاء واسع، وتربطهم بمجتمعهم، وتنقل إليهم عادات واهتمامات الأجيال السابقة، وتعزّز فيهم روح المكان، ولذا دعا كثيرون إلى المحافظة على الألعاب الشعبية القديمة، وتعريف أجيال التكنولوجيا الحديثة إليها.
مبادرة
وقالت مديرة مبادرة «ألعابنا الشعبية متعة وهوية» في وزارة الشؤون الاجتماعية، شيخة المدحاني، لـ«الإمارات اليوم» إن «العودة إلى الألعاب الشعبية ضرورية، كونها تشكل توازناً نفسياً واجتماعياً للطفل». وأضافت «من منا لا يتذكر لعبته التي كان يلهو بها حين كان صغيراً، ويحتضنها كي لا تندثر مع غبار الزمان، بل هنالك من عاش مع ألعاب متواضعة بعيدة عن عالم الإلكترونيات، والأجهزة الحديثة، وكان اكثر توازناً من اطفال أدمنوا الألعاب الإلكترونية».
ولفتت إلى خطر الألعاب الإلكترونية، موضحة أنها «باتت تشكل صديقاً ضاراً للطفل في عصرنا الحالي، بحيث يصبح منطوياً على نفسه، ناهيك عن سلوكه العدواني، والكوابيس التي يراها في أحلامه»، ورأت أن «العودة إلى الألعاب الشعبية، رجوع إلى الطبيعة، في مختلف المواسم، ومع الجماعة (الرفاق)، والتي غالباً ما تخلو من المنافسة العدوانية».
وأشارت إلى أن مبادرة «ألعابنا الشعبية متعة وهوية»، لاقت دعماً من جهات حكومية، كالمناطق التعليمية، ودائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، ومن جهات خاصة، وجماعات تطوعية «إذ أصبحت شريكاً لنا من أجل نشر ثقافة الألعاب الشعبية».
موروث شعبي
وأضافت أن الألعاب القديمة «تأتي ضمن الموروث الشعبي الإماراتي الذي كان ولايزال مزدهراً في بعض إمارات الدولة، لاسيما الشرقية، يمارسها الصبيان، والفتيات والرجال، والنساء في وقت الفراغ»، مستدركة أن تلك الألعاب باتت مهددة بسبب انتشار الألعاب الإلكترونية، التي فصلت الجيل عن قيم المجتمع».
وذكرت أن عملية تطبيق المبادرة، تشمل خمس مراحل رئيسة تشير المرحلة الأولى، الى اختيار الألعاب للتماسك الاجتماعي وبناء الذات. ونوّهت بمشاركة مركز دبي لتأهيل المعاقين، في إحياء موروث الألعاب الشعبية في ٢٦ من نوفمبر الجاري «وسيكون هناك مسابقة للعبة عنبر، إحدى الألعاب الشعبية، إلى جانب الرسوم، وصناعة المجسمات.
أمّا المرحلة الثانية، حسب المدحاني، فهي تنظيم أسبوع الألعاب الشعبية. والمرحلة الثالثة ستشمل تنظيم مسابقة فنية (رسم) وتشمل بداية وضع تصور للمسابقة واختيار فنانين محترفين للإشراف والمشاركة، ومن ثم تحديد الجهات المشاركة في المسابقة، والجدول الزمني لبدء انطلاقها، في حفل إعلامي وضمن ورشة عمل فعلية وتشكيل لجان التحكيم وفرز الرسوم الأكثر تعبيراً.
وعن المرحلة الخامسة والأخيرة، أوضحت «سيتم تنظيم معرض متنقل من خلال حصر كل الرسوم التي تم اختيارها في الفرز الأول، وتجهيزها للعرض في كل الإمارات وانتقال الرسوم من مكان لآخر حسب جدول زمني».
عوائق
وأشارت المدحاني إلى وجود دراسة علمية حول ترسيخ الألعاب الشعبية باعتبارها جزءاً أساسياً من الهوية الوطنية، «أظهرت أن اهتمام الأطفال والشباب بألعاب العصر التكنولوجية، أحد ابرز التهديدات التي تواجه تطبيق المبادرة»، مضيفة أن «نمو صناعة الألعاب الإلكترونية، وانتشارها السريع، والإدمان على استخدام الكمبيوتر، من أبرز التهديدات التي تعيق تنفيذ المبادرة».
وتابعت «تؤدي الألعاب الشعبية دوراً مهماً في تأطير الموروث الشعبي المرتبط بالحركة، والإيقاع والأناشيد والأغاني الشعبية. كما تساعد على انتقال العادات والتقاليد والمعارف بصورة طبيعية وتلقائية من جيل إلى آخر، مـكونة بذلك ثقافة شعبية غنية بالمعاني والعبر والمدلولات الإنسانية والاجتماعية التي تؤكد أهمية الانتماء إلى الجماعة». من جهته قال اختصاصي علم الاجتماع، الدكتور بلال عرابي إن «الألعاب الإلكترونية أصبحت ظاهرة حقيقية في مجتمعاتنا، إذ لا يكاد يخلو منها بيت»، مشيراً إلى صعوبة العودة إلى الألعاب الشعبية، بسبب طبيعة الحياة المعاصرة، وأهمية دور الهيئات والمؤسسات، والمدارس والنوادي في ذلك.
وأضاف أن «الألعاب الإلكترونية أوجدت جيلاً معزولاً عن أقرانه، بسبب علاقته المباشرة بالشاشة التي أمامه، ونوّه بدراسة طبية حديثة كشفت عن أن الوميض المتقطع بسبب المستويات العالية والمتباينة من الإضاءة الموجودة في الألعاب الإلكترونية يتسبب في حدوث نوبات من الصرع لدى الأطفال، إلى جانب زرع سلوك العنف لديهم».
وأشار إلى أن «الطفل الذي يمارس الألعاب الشعبية، تكرس عنده قيم التعاون، ومحبة الآخرين، لأن هذه الألعاب تشترط التواجد في الطبيعة، وبين الأصدقاء».
ألعاب قديمة
«عنبر»
تعتمد لعبة عنبر على السرعة والحركة ودقة التصويب، ويشترك فيها مجموعة من الأولاد على شكل فريقين، ويتراوح عدد كل فريق ما بين ثلاثة الى أربعة لاعبين، حيث يتم إحضار عدد من العلب الفارغة للمشروبات الغازية، واذ لم تتوافر يتم الاستعاضة عنها بمجموعة من الأحجارالصغيرة والتي يسهل وضع الواحدة فوق الأخرى.
ثم يقوم احد لاعبي الفريقين، ومن مسافة نحو اربعة امتار تقريبا بقذف كرة (والكرة عبارة عن قطعة دائرية تلف بقطعة قماش لتكون مرنة)، ويتم رمي الكرة على العلب الفارغة الموضوعة بعضها فوق بعض، والتي تصل الى ثلاث او اربع علب، فإذا نجح اللاعب في اسقاط العلب عبر التهديف الصحيح للكرة فتحسب نقطة لفريقه، واذا اخطأت الكرة الهدف يلتقط بقية اللاعبين الكرة التي يجب ان تلمس جسده لتتحول دفة التصويب على العلب الفارغة للفريق الآخر.
«الصبة»
لعبة تمارس على الأرض، اذ يخططون اربعة مربعات ويبدأ اللاعبان باللعب، بعد أن يحضر كل لاعب ثلاث حصوات، وهذه اللعبة تحتاج الى ذكاء ومقدرة على المراوغة واليقظة.
«الجحيف»
لعبة شعبية يمارسها الأولاد والبنات، وتلعب بالمنزل أو داخل الحوش أو في منطقة براح، ويشارك فيها من اثنين إلى ثمانية لاعبين، ويرسم أحدهم تخطيطاً. ويستعمل اثناء اللعب قطعة من الفخار أو قطعة من حجر رقيق أو من صدف بحجم كف اليد، وتبدأ اللعبة بأن يرمي احد اللاعبين قطعة الفخار في منزلة (الحمدو)، ثم يقفز على رجل واحدة، ويحاول إعادتها برجله إلى نقطة البداية بشرط أن لا تلمس أحد خطوط مربع الحمدو، أو أن لا تلمس قطعة الفخار أو هذه الخطوط أيضا ثم يعود مرة ثانية برمي قطعة الفخار إلى (البحر الصغير) ويقفز على رجل واحدة ماراً بالحمدو، ثم البحر الصغير، ويحاول إعادتها لنقطة البداية وهكذا.
«المريحانة»
الميرحانة أو المريحانة، أرجوحة قديمة مصنوعة من جذوع الأشجار والحبال و(اليواني)، تدفع البنات الميرحانة، فتبدأ هذه بالحركة ذهاباً وإياباً، وتعاود الفتاة الدفع كلما تباطأت الميرحانة في حركتها، وارتبطت اللعبة بالأناشيد والأهازيج التي تطلقها الفتيات في أثناء اللعب.