القريـة العـالميـة ..تقرب الأمكنة

القرية تعبر عن هويات وثقافات الشعوب

من بلاد الشام الى الخليج العربي الى شرق آسيا وأوروبا والصين وأفغانستان والهند وتايلاند، وأميركا اللاتينية، وغيرها الكثير من البلدان. إنها القرية العالمية التي استحقت التسمية، ليس لاختصارها جهات الأرض جميعها في قرى صغيرة تتجاور، معيدة تشكيل الخرائط وفق جغرافية مقترحة، نجحت في تخطي فروق التوقيت والاختلافات المناخية. فقد جمعت القرية الكثير من البلدان، بالرغم من تباين حضاراتها وثقافاتها، وما يباعد بينها، لتبقى في الاخير بمساحتها التي هي عبارة عن مئات الكيلومترات المربعة، فرصة جديدة لفتح أفق التعايش بين الشعوب، وكذلك فرصة لاختصار وتلخيص الثقافات، وإطلالة مميزة على الحضارات، بتكثيف شديد هي اختصار الأوطان في غرف صغيرة!

تطل القرية العالمية كل عام بعد انتهاء فصل الصيف، مانحة أهل دبي فرصة اللقاء السنوي مع ثقافات متعددة، وفرصة السياحة المختصرة من ناحية ثانية، والإطلالة على العالم من نوافذ المتعة والتسوق والتعرف إلى الآخرين،  كما تجذب المقيمين الذين يبحثون عن رائحة أوطانهم بمشغولاتها وأطعمتها وبضائعها، وعن أشياء اعتادوها في بلادهم، فالقرية تتيح للمرء استعادة رائحة الوطن واشتمام ترابه من خلال التحف والاثريات، واستحضار اماكنه من خلال الواجهات الاساسية التي تبدو وكأنها تذكرة العبور إلى كل حضارة، كونها  مستمدة من احد المعالم المهمة للبلدان، فبالدخول تحت اهرامات مصر وبرج ايفيل والدير الاثري اللبناني وغيرها من المعالم يمكن ان يكتشف المرء الكثير من الامور التي يجهلها عن هذه الثقافات، فيما يشهر الفلسطينيون هويتهم الحضارية والثقافية كشعب يجيد الحياة كما يجيد الحرب بصورة الشاعر الراحل محمود درويش المعلقة على واجهة القرية الفلسطينية. 

ترفيه وتسوق وتعتبر القرية فرصة للترفيه والتسوق والتعرف الى الحضارات، فالدخول الى القرية اليمنية يعطينا صورة واضحة عما تخبئه الطبيعة من أسرار في أعشابها وأحجارها، فالطين الجبلي الذي يستخدم قناعاً للبشرة دليل على غنى طبيعة البلد وندرة منتجاتها، فيما للعسل قصة اخرى مع هذه القرية، فالخلطات الخاصة التي تقدم، تحكي وحدها روايات عديدة عن موروث من هذا الشعب. وتبقى القرية السعودية هي الوجهة الاهم للتعرف الى انواع التمور والعود، بينما تتخذ الامارات من القرية فرصة لابراز التراث الإماراتي، والتركيز على اعمال الشباب الإماراتيين، وإبراز هوية وثقافة الشعب من خلال مأكولاته ومشغولاته، والتعرف الى تفاصيل حياته القديمة، كالرحلات الصحراوية وأدوات الجلسات العربية.

ولا يخفى مدى ارتباط الحداثة بالتراث ضمن القرية الواحدة، اذ يمكننا بسهولة ان نجد في القرية المصرية الجلابيات التراثية المزينة بصور الممثلين التركيين «نور ومهند»، فضلاً عن التشابه في بعض الثقافات، فهناك بعض المنتجات التي تتشابه بين القرى، وهذا يعود الى التشابه في الحضارة اصلاً، فالجلابيات الشرقية لا تختلف كثيرا بين دول بلاد الشام، على الرغم من وجود خصوصية لكل منها، فاللبنانية تحمل الفلكلور اللبناني بألوانها وتطريزها الذهبي، فيما الثوب الفلسطيني المطرز رمز لعنفوان المرأة الفلسطينية ورفضها للخضوع، بينما تدل الجلابية السورية على سيدة الشام العتيق، لاسيما بتطريزاتها التي تمنحها شيئا من الخصوصية، لتكون امرأة الكويت مميزة بالعباءات الملونة والمؤلفة من قطع متعددة. وتبقى لقوائم الطعام الموجودة في بعض المطاعم المنفصلة عن القرى طرق مبتكرة في المرح، اذ منح احد اصحاب المطاعم اللبنانية بعض الحلويات اسماء بعض الفنانات كنانسي وهيفا وإليسا ونجوى، مؤكدا ان الطلب الاكثر هو على «هيفا». 

تاريخ وتراث وعلى هذه البقعة التي تستحضر قارات العالم الست، يتعرف المرء إلى تاريخ الصناعات عند بعض الشعوب، فرائحة الصابون اللبناني المصنوع من الزيوت الطبيعية تحمل للناس روايات بلد الأرز  المضمخة برائحة السنديان وعنفوان الغار، فيما للحفر على الخشب في سورية حكاية يقصها ذلك الرجل الذي عمل في المهنة أكثر من خمسة عشر عاما، فحفرت المهنة في ذاكرته خصائص الأخشاب والصدف التي يستخدمها حتى باتت جزءا من حياته. بينما تبقى الصين جاذبة كالمعتاد لفئة كبيرة من قاصدي القرية، ليس لانها تتميز برخص أسعارها بل لأنها تبرز وطنها كبلد صناعي بالدرجة الأولى، فهي تجمع انواعا مختلفة من الصناعات؛ بدءا من العاب الأطفال وصولا الى الصناعات الاكثر تعقيدا كالهواتف الخلوية والخرائط الجغرافية التي ترشد السائق الى المناطق. اما الباكستان وأفغانستان، فلهما حكايات مدهشة مع الفضيات والأحجار الكريمة، بينما الحياكة والثياب، لاسيما التراثية تتميز بغرابتها، فالمرأة التي حاولت أن ترتدي ثوب العرس المشغول بكامله من النحاس لم تجربه الا بدافع التعرف إلى هذا التراث وكيف كانوا يعيشونه في السنوات الماضية.

تعايش الشعوب تمر الاعوام وتثبت القرية انها فرصة للتعايش بين الشعوب، على الرغم من الخلافات الحادة التي تحصل بين سياسييهم على المنابر، فها هو لبنان يجاور سورية في القرية دون الحاجة الى سفارة او ترسيم حدود، فيما تبقى مصر فاتحة بوابتها للعبور الى فلسطين دون معابر مُخْتَلَفٍ على الحكمة من إغلاقها. فالقرية اتت بهؤلاء الناس الذين نسوا خلافاتهم، واجتمعوا كلهم في بلد ليس بلدهم ليثبتوا للعالم اجمع انه متى وجد الجو الملائم للوئام، لن يكون هناك مجال للخلاف والتفرقة والصراع، وقد نجحت دبي على مرور الأعوام في توفير جو المحبة والوئام الذي يبعد شبح الصراعات عن كاهل هذه القرية التي تعتبر تكثيفا لصورة العالم.

أطفال القرية وتشكل القرية، أيضا، ملاذا ممتعا ومقصدا رائعا للاطفال الذين يجدون في الباعة المتجولين الذين يحملون البالونات الملونة، ما يدخل الفرحة الى قلوبهم، بالاضافة الى اكشاك وعربات الالعاب المنتشرة على طول الممرات الفاصلة بين القرى، فالاضاءات والالوان تجذب كل الاعمار وتدفع طفولتهم البريئة الى التراقص على أنغام موسيقى الالعاب وموسيقى العروض الراقصة والمضحكة. بينما تبقى ساحة الالعاب الكهربائية مكانا يجمع الكبار والصغار، فالفرحة لا تميز بين الاعمار ولا تفرق بين مستويات، فالكل يذهب ليمضي ساعات من المتعة يتشارك فيها مع غيره، تجربة مثيرة وممتعة لتكون زيارة سنوية مميزة بحق. 

جناح غينيس
تحرص القرية على افتتاح قرى ومواقع جديدة كل عام، وفي هذا العام أقيم جناح خاص بموسوعة غينيس، وهو جناح خاص بالالعاب يتيح الاشتراك في بعض الالعاب من اجل تحقيق ارقام قياسية، تجمع الشباب على لعب كرة السلة لادخال اكبر قدر من الكرات في السلة، فيما اختارت الفتيات كتابة الرسائل النصية بسرعة قياسية، بينما لم تجذب فكرة فرز الجوارب الكثير من الناس على عكس فرز حبوب الحلوى الملونة والتي يجب فرزها على حسب اللون في أوعية مختلفة بواسطة عيدان الأكل الصينية. هذه الألعاب لا تشكل مصدر متعة مميزة للناس فحسب، بل هي تحد يجب أخذه على محمل الجد، فقد يدخل احدهم موسوعة غينيس.

تويتر